شهدت الولايات الايام الماضية حملة شورى كثيفة لاختيار مرشحي المؤتمر الوطني للدوائر الجغرافية القومية والدوائر التشريعية الولائية، وبما أن الناس قد يختلفون في تقييمهم لما تم من حراك وتتفاوت الملاحظات التي صاحبته ودونها المراقبون والمتمثلة في التكتلات والمجموعات بطبيعة المصالح الجماعية والفردية وقواعد اللعبة السياسية في توزيع الأدوار وتقسيمها لتحقيق المكاسب، ولكنني أرى ان ما تم فيه قدر من الشورى وتوسيع المشاركة وسط العضوية ولا أرى بمنطق وبحكمة الذين يرون ان التغيير بالضرورة ان يذهب بكل القيادات السابقة التي كانت تمثل في المواقع المختلفة، ولكنني أرى انه لمجرد أن يأتي شخصان من ثلاثة مرشحين جدد فهذا تحول وانحراف نحو الحق الذي يواليه طيف واسع من الناس ويؤمنون به ويعملون له في الظاهر والخفاء، وتبقى الكرة الان على ملعب آليات ودوائر اتخاذ القرار المركزية وتحديداً المكتب القيادي للحزب وذلك بان يخضع المرشحين لمعايير دقيقة وأمينة لاختيار المرشح المطلوب من بينهم، تفاعلاً مع روح التغيير والاصلاح التي وضعها الحزب في وثيقته الشهيرة والتي بموجبها تم تغيير اعضاء المكتب القيادي المركزي الحالي ليصبح نسبة «70%» من عناصره جديدة، ولا اعتقد ان شخصاً جاء عضواً للمكتب القيادي محمولاً على فرس ورهان التغيير والاصلاح بان لا يحسن الاختيار بما يتوافق وروح الاصلاح، فلنأخذ أمثلة بكردفان حيث لدينا نموذج مشرف في العملية الشورية الاخيرة، حيث جاءت خيارات ربما سهلت المهمة على المؤسسات المركزية في الاختيار ففي دائرة غبيش جاء المهندس. ابراهيم شمر وهو من جيل الشباب ويتسم بقدرات تنظيمية وإدارية ومؤهل علمياً ومعرفياً، ثم تلاه نائب رئيس المؤتمر الوطني بالمحلية الصافي عبدالله وهو أيضاً من الشباب ومقتدر ولديه علاقات واسعة رأسياً وأفقياً واظهر في الفترة الاخيرة وجهاً سياسياً مشرقاً بغرب كردفان، ثم ثالثهم العم آدم لبن وهو نائب الدائرة السابق وقد ابلى فيها بلاءً حسناً وعلى قوله كانت الدائرة :«غفار وقد حولها هو الى سرايا» بمعنى استصلحها وازال كل العوائق وسهل عملية الحركة الانتخابية فيها، مثلما يطهر المزارع فلاته وأرضه ويهيئها لعملية الزراعة لاستقبال موسم الخريف، اما الدائرة القومية الام «النهود»، فقد جددت لنائبها الحالي ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان سالم الصافي حجير وهو أيضاً من القيادات المخضرمين والمتعلمين ومن جيل الإسلاميين، ووجوده بين النواب الجدد مطلوب لخبرة نوعية ورمز يمكن يكون اساساً للبناء عليه وضمت قائمة النهود البروفسير عبدالرحيم احمد سالم وهو رجل مناكف ورئيس اتحاد ابناء منطقة دار حمر ومعهما الشاب المثابر حسين عطية الله وهو عنصر جديد على المشهد لكنه اثبت وجوده. أما المحلية الشابة «ودبندة» فقد اختارت اثنين من الشباب وهما محي الدين أحمد لازم نائب رئيس المؤتمر الوطني بالمحلية سابقاً وامين القطاع الفئوي بالولاية السابق، والسر اللازم وهو أكاديمي وامين سياسي سابق بالمحلية وقدم السر عدداً من الاوراق العلمية والسياسية، ويمثل هو ومحي الدين خيارات جديدة وقد زين المجموعة الثلاثية بودبندة النائب المخضرم الذي ظل حاضراً في المشهد البرلماني منذ العام 1995م قريب حماد خير وهو شاب ونشط تجاوزته الدائرة في انتخابات 2010م وحل محله المهندس محمد الحاج، ولكنه عاد الى ذات البرلمان من نافذة التمثيل النسبي وهو الان عضو بالمجلس الوطني فإذا تجاوزه الاختيار هذه المرة سيحتفظ له اهل المحلية بمقعد في موقع آخر كخبرة وعمود أساسي بالمحلية وبيت مشورة، وهو يتصف بالوسطية والعلاقات الطيبة مع كل ابناء محليته كما ان ذات الكلية التي اختارت قريب والسر ومحي الدين فقد اعتذر منها آخرون آثروا المواقع لغيرهم برغم انهم خيارات منهم الهادي عبد الماجد، والصادق مكين، وبخاري ابراهيم باسبار، ومحمد سليمان خروبة، وهو مشهد يدل على التعافي والائتلاف على مصالح المنطقة وليس على مصالح الافراد والمجموعات. ومن جنوب الولاية جاءت بشريات التغيير من الفولة حل الشاب خالد كرشوم ومعه الدكتور الرهيد طبيق واحمد محمد تاجر، فكرشوم وطبيق وجهان جديدان ولكن تاجر ظل حاضراً منذ ميلاد غرب كردفان منتصف التسعينيات وهو يعتبر من المخضرمين، ثم جاء من الدائرة القومية لقاوة الشاب الخلوق والمهذب محمود ود أحمد فهو من جيل التغيير الحقيقي ويحمل قدرات تنظيمية وإدارية عالية برغم حداثة سنه، لكنه خيار مقبول ومعه محمد جابر برام والأمير اسماعيل محمد ضمن قائمة الثلاثة، ولان التغيير لديه أوجه متعددة فهذه نماذج تبشر بانه قد بلغ أذان التغيير والاصلاح بالولايات وبات عنواناً، برغم ان عبث بعض الولاة وزمرتهم الذين حاولوا سد الأفق على العضوية بان لا ترى الا ما يرون وأغلقوا امام الجميع مسارات المبادرات بتطرف لا معنى له، غير ان الذي حدث قد يحدث انفراجاً قليلاً على المشهد ويقطع الطريق امام سيطرة الكتل والمجموعات التي تسببت في كثير من الارتباكات السياسية والتجاذبات بين القيادات وتأثر بحالة استقطاباتهم جسد ولايتهم، ما أعاق تواصل ابناء الولايات بالمركز مع جذورهم السياسية والاجتماعية بشكل جدير بالتوقف عنده لمراجعته وقراءة مآلاته ووضع الحلول التي تناسبه في اطار استحقاقات الاصلاح وتغيير الوجوه القديمة على اقل تقدير، وليس كما أسلفت ان يكون التغيير متضمناً إزاحة كل القدامى لانه ليس من المنطق إزاحة كل سابق، كما انه ليس من المنطق ان يتم إصلاح تجاوزات اكثر من ستة عشر عاماً من الانحراف فهي عملية تحتاج الى وقت وتدرج في المعالجة، وان يكون الاصلاح مبنياً على إصلاحات في النظام الاساسي للحزب ثم اللوائح والنظم الحاكمة لمساره حتى يكون التغيير لائحياً وفق الموجهات التي خرجت مؤخراً. وفي تقديري تغيير مرشحي الدوائر الجغرافية يمثل مخرجاً من المخارج المطروحة، وذلك لفك تحالف النواب مع الولاة وكذلك تحالفاتهم مع بقية هياكل الولايات التنفيذية مثل وزارات التخطيط العمراني والرعاية الاجتماعية و المعتمدين وبقية الهياكل التابعة لهذه المؤسسات، لانه هناك تحالف غير منظور بين نائب الدائرة والمعتمد ومجموعته، وبالضرورة «فرتكة» مثل هذه الأجسام السامة التي اصبحت مدخلاً للفساد والإفساد في كثير من الولايات، وان تمددت اكثر من الذي مضى ستجعل المؤسسات فاقدة للوجود والفعل، وقد يتسبب ذلك في انفجار داخل الحزب وخروج قيادات نافذة وذات تأثير او انزوائهم وجلوسهم على كنب الفرجة، إذن الان المؤتمر الوطني أمامه فرصة تاريخية وربما لا تتجدد في ان يصلح نفسه داخلياً ثم يصلح مؤسسات الدولة ويقلع من جديد وهو مسنود بإرادة المصلحين ورضا القواعد من الشعب السوداني وعضويته الملتزمة سياسياً..!! نواصل إن شاء الله.