اجتمع السيد علي الميرغني مرشد الختمية وراعي حزب الشعب الديمقراطي والسيد عبد الرحمن المهدي إمام الأنصار وراعي حزب الأمة رحمهما الله وأصبح ذلك اللقاء التاريخي الذي عقد في عام 1956م يعرف بلقاء السيدين، وائتلف حزباهما وأخذت جماهيرهما تهتف «الختمية والأنصار صفاً واحد لن ينهار» وحدث هذا بعد فرقة طويلة وفتور في العلاقات وجفوة تاريخية تمتد جذورها للمهدية التي ناهضها الختمية في الشرق ولم يتعاطفوا معها. وشكل الحزبان حكومة ائتلافية عهدت رئاستها للاميرلاي م عبدالله بك خليل وكان نائبه هو الشيخ علي عبد الرحمن الأمين ولم يكونا منسجمين وبينهما عدم توافق في السياسة الخارجية لا سيما في العلاقة مع مصر الناصرية التي كان أحدهما منجذباً إليها والآخر نافراً منها واختلفا أيضاً حول المعونة الأمريكية واشتدت الخلافات في قضايا عديدة وفي نهاية المطاف تم تسليم الحكم للفريق إبراهيم عبود وصحبه عسكر نوفمبر. وفيما بعد عندما كتب المحجوب كتابه «الديمقراطية في الميزان» وصف لقاء السيدين بأنه من أكبر الكوارث التي حلت بالسودان رغم أن سيادته كان هو وزير خارجية حكومة السيدين. وفي التعددية الحزبية الثالثة ائتلف حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي وكان السيد أحمد الميرغني هو رئيس مجلس رأس الدولة وكان السيد الصادق المهدي هو رئيس الوزراء، وكان السيد محمد عثمان الميرغني زعيم حزب حاكم وعلى صلة مباشرة بمرؤسيه والمؤتلفين معه، وكان السيدان يجتمعان لفضِّ المنازعات وتصفية الأجواء بعد كل سحابة صيف.. ومن الأشياء التي تطابقت فيها رؤاهما وقع الحافر على الحافر هو الاتفاق على إعفاء وإبعاد وزير التجارة الدكتور محمد يوسف أبو حريرة. وحدثت بين الحزبين صراعات وخلافات كثيرة أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، خلافهما حول منصب حاكم الإقليم الأوسط ومنصب معتمد العاصمة وبعد شدٍّ وجذب «ولت وعجن» تم الاتفاق أن يكون حاكم الإقليم الأوسط إدارياً منتمياً لحزب الأمة وأن يكون نائبه اتحادياً ويكون معتمد العاصمة إدارياً منتميا ً للحزب الاتحادي الديمقراطي ويكون نائبه منتمياً لحزب الأمة.. وفي السياسة الخارجية كان لكل منهما فلكه الذي يدور فيه ومحوره الذي يمد معه جسور الوصل. وأحيانا ً كانت بين الحزبين ملاسنات حادة بألفاظ جارحة كما حدث عند إعلان النتيجة بعد إعادة الانتخابات في دائرة أم بدة بعد وفاة نائبها السيد صلاح الصديق المهدي ولم يشهد عهد التعددية الحزبية الثالثة قيام مجالس تشريعية إقليمية وكانت كل الأقاليم بلا برلمانات وكذلك لم تنتخب أو تعيّن مجالس ريفية أو مجالس مدن في كل أنحاء القطر وبسبب التنازع تعثر ولم يتم تعيين قيادة جهاز الأمن إلا في العام الأخير لذلك العهد. وابتدع زعيما الحزبين الحاكمين مصطلحاً جديداً هو غداء عمل أو عشاء عمل السيدين وخلاصة القول إن أسرتي المهدي والميرغني قد اشتركتا في حكم السودان في تلك المرحلة بالانتخاب لا بالتعيين وكانت مشاركتهما مباشرة وبالأصالة ولم تكن بالوكالة. والآن تشهد البلاد لقاء السيدين الثالث بعد تعيين نجل السيد رئيس حزب الأمة مساعداً لرئيس الجمهورية وتعيين نجل السيد زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مساعداً لرئيس الجمهورية وبهذا فإن القصر الجمهوري يجمع بين ابني السيدين أو ما يمكن أن نطلق عليه لقاء السيدين الثالث. وفي اللقاء الأول المشار إليه آنفاً كان السيدان هما زعيما الطائفتين وراعيا الحزبين وكانت كلمة كل منهما هي النافذة والعليا في حزبه وطائفته. وفي لقاء السيدين الثاني كان كل منهما على رأس حزبه وتقاسما رئاسة الدولة والحكومة وتجمعهما قطبية ثنائية فيها ندية. أما لقاء السيدين الثالث فإن السيدين الشابين مرؤسين تحت غيرهما وغير نافذين في عملية صنع القرار واعتليا مواقع شبه تشريفية وربما تعهد إليهما بعض الملفات وليست لهما أي مميزات تفضيلية علي غيرهما وربما حسب بعض السابقين أنهما أهل «الجلد والرأس» وأن الجدد هم ضيوف أعزاء نزلوا بينهم أهلاً وحلوا سهلاً مع إسقاط القداسة على أعتاب السياسة في تعاملهم معهم. وقد عُيِّن السيد جعفر الصادق محمد عثمان الميرغني ممثلاً للحزب الاتحادي الأصل، أما العقيد ركن عبد الرحمن الصادق الصديق المهدي فقد ذكر هو«وظل حزبه يردد» أنه لا يمثل بهذا التعيين حزبه أو والده ولا ينكر أحد أن عبد الرحمن مؤهل إذ أنه حصل على ماجستير في العلوم العسكرية ولكن القول بأنه أُختير بصفته العسكرية فهو قول غير مقنع إذ أن الساحة تعجُّ بأعداد هائلة من العسكريين العاملين أو المتقاعدين الذين يبذونه في التأهيل الأرفع والخدمة الممتازة الأطول. وللأمير عبد الرحمن من بين هواياته ميول رياضية وحب للفروسية واهتمام بالأدب الشعبي وحفظ ورواية للدوبيت والمسادير وهو صديق أثير لوالده وفي نفس الوقت هو صديق شخصي للرئيس البشير، ويمكن أن يكون جسر تواصل وقنطرة تلاقي بين الطرفين على المستوى الاجتماعي والإنساني على الأقل إذا تعذر التحالف السياسي في هذه المرحلة وقد يقود هذا بالتدريج لتلبيه المواقف. وبوصفه يشغل موقعاً رئاسياً يتبع هذا بالضرورة تأمين منزلهم بالملازمين حيث يسكن مساعد الرئيس وهذا يعني وجود حراسة وتأمين دائمين وتبعا ً لذلك يمكن معرفة «الطالع والنازل والداخل والخارج» والحد الأدنى الذي يقدمه الحزب الحاكم القابض للمشاركين معه هو منصب مساعد رئيس جمهورية، ولما أدرك النظام الحاكم أن قبول رئيس حزب الأمة القومي لهذا المنصب فيه استحالة عين ابنه. وإن السيد جعفر الصادق الميرغني مساعد رئيس الجمهورية ابتدر عمله بإعلان سعيه للمساهمة في إيقاف التوترات والمواجهات الدموية في النيل الأبيض وشمال كردفان وقرأنا في الصحف إشارة لأن سيادته قد أخطأ سهواً ولعله كان يقصد النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقديماً حسب البعض أن خواجية قد أخطأت في نطق كلمة وحرفت أحرفها ولكن العلامة عبد الله الطيب رد عليهم بأن ابنة الأفرنج قد أصابت حين أخطأت وبذات القدر فإن السيد ابن السيد قد أصاب حيث حسب البعض أنه أخطأ لأن كل ولايات السودان تحتاج للأخذ بيدها ومعالجة مشكلاتها والسعي للنهوض بها. ولعل سيادته يريد كمسؤول أن يقف على أحوال المواطنين ويلتمس نبض الشارع ونقول لسيادته على سبيل المثال إن تمويل القمح قد تضاعف هذا العام ورضي بعضهم به وأقبلوا على الزراعة وتردد بعضهم وأحجم بدعوى أنهم قد يصبحون غارمين ولذلك اتجه الكثيرون منهم لزراعة «الكبكبي» لأن تكلفة إنتاجه أقل ومن يحاولون قراءة مآلات المستقبل القريب وفق قرائن الأحوال يتوقعون ارتفاعاً في أسعار القمح وانخفاضاً في أسعار الكبكبي وهذا يؤدي لسهولة الحصول عليه لإعداد «البليلة» والطعمية وقول يالطيف.