د. مصطفى، والاستقلال الحقيقي!! عمّنا وشيخنا علي ياسين حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نشرت جريدة الرائد في عددها رقم 1211 بتاريخ 6/صفر/1433ه الموافق 31/ديسمبر/2011م في صحفتها الأخيرة مقالاً للدكتور المتميز عَلَم الدبلوماسية السودانية الحديثة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل الذي اعتز به كثيرًا وأجده شخصياً على الأقل طفرة نوعية في المجال الدبلوماسي السوداني. المقال جاء بعنوان «نقاط حديث عن الاستقلال وتحديات المرحلة»، وقد ورد في آخر مقاله المقطع التالي: ( خلاصة: من الصعوبة في عالم اليوم الحفاظ على الاستقلال وفق المفهوم الذي ساد في منتصف القرن الماضي.. ولا مناص للدول التي تسعى للحفاظ على قيمها الأساسية وسيادتها من امتلاك الأدوات التي تعينها على ذلك«مثل: النقلة الكبرى التي حدثت في الصين دون المساس بالقيم الأساسية».. ومن هنا يصبح الاستقلال الحقيقي هو ذلك المتعلق بامتلاك التقانة الحديثة وتوظيفها لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس إيجاباً على حياة الناس «تعليماً وصحة وأمناً». هكذا يكون تحصين الاستقلال والحفاظ عليه). طبعاً، ليس مثلي من يراجع على قامة في حجم الدكتور مصطفى خاصة إذا كان الموضوع يتحدث عن الثوابت ولكني أجد نفسي مضطرًا لأن استفهم حول نقطة معينة قد أحتاج لمن يصححها لي أو أنها قد تحتاج لتأصيل من الذين يستنبطونه من أهل العلم. ماقاله د. مصطفى يتحدث في باطنه عن الكثير خاصة بحكم منصبه مستشار لرئاسة الجمهورية ما قد يعكس قناعات جهاز رئاسة الجمهورية. أسئلة مشروعة: فيما ورد أعلاه يقول د. مصطفى «مثل: النقلة الكبرى التي حدثت في الصين دون المساس بالقيم الأساسية» وهنا يطيب لي أن أستفسر بعد إسقاط التجربة الصينية على السودان: ما هي القيم الأساسية وما هي القيم الفرعية لدينا في السودان؟ وهل يعني الدكتور أننا بدأنا مرحلة التخلي عن القيم الفرعية أم أننا نسير عليها، أم أنجزناها؟ وهل تبقى هناك قيم فرعية؟ هل تعتبر كلمة القيم الأساسية هذه بديلاً عن كلمة الثوابت أو الشريعة أو العقيدة ولكن لمقتضى الدبلوماسية اللفظية سميت قيماً لتلافي استخدام الكلمات السابقة التي قد يعتقد البعض أنها ألفاظ عاطفية الاستعمال ولا محل لها في التطبيق العملي؟ نهاية القول يتطرق د. مصطفى لما يراه بحكم منصبه لما يراه الاستقلال الحقيقي « ومن هنا يصبح الاستقلال الحقيقي هو ذلك المتعلق بامتلاك التقانة الحديثة وتوظيفها لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس إيجاباً على حياة الناس «تعليماً وصحة وأمنا.ً» هكذا يكون تحصين الاستقلال والحفاظ عليه». أنا بوصفي مسلماً أؤمن بأن الله أمرنا بأن نأخذ بالأسباب وأنها سبيل هذه الأمة فلا معجزات تحدث ولا موائد تنزل من السماء ولا منّ ولا سلوى ولا عصا تأكل عمل المفسدين، ومع اتفاقي مع الدكتور فيما يورده في مقاله، ولكني أيضا أستفسر بقوة ولي أمري: هل التقانة الحديثة والتنمية الاقتصادية هي التي تحمي عقيدة ربي أم أن العقيدة هي التي تحميها بل وتحمينا منها؟ تبدو جملتي وجملة الدكتور مصطفى متوافقتين جدًا من حيث المعنى... ولكنهما قد تبدوان مختلفين جدًا لو نظر إليهما من زاوية ترتيب الأولويات بمعنى: هل العقيدة هي التي تبني الحضارة وتحميها أبتداءً أم أن العقيدة طقس يمارس بعد الوصول لحالة «الاستقلال الحقيقي»؟. وبالمناسبة: ما هي ثوابت الصين التي لم تمس إذا كانت هي دولة شيوعية قد دخلت في اقتصاد السوق والرأسمالية حتى أذنيها «ما لم تكن الثوابت العقائدية في الصين وبالتالي في السودان ليست موضوع البحث عند طبيبنا»؟ ختاماً: لست أكتب هذه الأسطر لتنشرها أو لا ولا هجوماً على الدكتور مصطفى الذي أكنُّ له احتراماً وتقديرًا وإعجاباً ولكني أكتبها لأنني أعتقد أننا في السودان ربما نعاني حقا دون أن نركز أننا نعاني وأننا نحتاج إلى أن ننمي الفرد عقيدة وصلة بربه ولجوءاً إليه قبل أن نبرمجه بإتقان كآلة دقيقة كما يحدث في الشرق أو نطعمه ونعالجه كدابة مستصحة كما يحدث في الغرب.