(1 ) حسب المعلومات الواردة أن المساحة المزروعة قمحاً في البلاد بلغت حوالي الستمائة ألف فدان أكثر من نصفها في مشروع الجزيرة. ويعزى اتساع المساحة جزئياً لسعر التركيز الذي أعلنته الحكومة قبل بداية الموسم والبالغ 1800 جنيه للجوال زنة مائة كيلو جرام ويومها كان سعراً مجزياً ثم إن وزارة المالية ممثلة في البنك الزراعي استوردت جزءاً مقدراً من المدخلات ولكن الأمر المؤكد أن أكثر من نصف المساحة المزروعة كانت ممولة ذاتياً بعبارة أخرى وزارة المالية ممثلة في البنك الزراعي أو إدارة المشروع مولت أقل من نصف المساحة المزروعة فكثير من المزارعين زرعوا القمح من مدخراتهم الذاتية ولم تدفع لهم الحكومة ولا قرشاً واحداً وفي الجزيرة بالتحديد دفع هؤلاء المزارعين الممولين ذاتياً الضريبة (الجزافية)المفروضة عليهم على دائر المليم . أما الذين مولهم البنك الزراعي (شافوا نجوم النهار) لكي يتحصلوا على هذا التمويل وهنا لا نود أن نتوقف عند الفضائح التي صاحبت توزيع التقاوي لأن هذا ليس موضوعنا اليوم وقبل أن ندلف إليه لا بد من أن نستثني بعض فروع البنك الزراعي التي تعاملت بصورة طيبة مع المزارعين. (2 ) أما القضية التي نحن بصددها اليوم هي القرار الذي أصدره السيد وزير المالية أمس الأول (الثلاثاء) والذي يلزم المزارع ببيع كل محصوله عبر البنك الزراعي لصالح المخزون الاستراتيجي بعد إضافة 50 جنيهاً للجوال، وذهب القرار إلى أكثر من ذلك بالمنع منعاً باتاً للمطاحن أو أي جهة أخرى غير المخزون الاستراتيجي من شراء القمح. هذا القرار في تقديري قرار معيب شكلاً ومضموناً وقد تمت صياغته بصورة فضفاضة لأنه يعني حتى ولو أخذ المزارع كيلة واحدة لمنزله يكون مخالفاً للقرار و لم يوضح القرار آليات التنفيذ وهذا سيعيد للأذهان ذكريات أليمة. والأهم من كل هذا وزارة المالية ليس لها الحق في تحديد سوق أي سلعة قطناً كانت أو كبكيا أو كسبرة أو قمحاً . فمزارع زرع حواشته من جيبه ودفع ضريبته وأراد ان يحمل محصوله لمخزنه ليتصرف فيه كما يريد بموجب هذا القرار ليس له هذا الحق الطبيعي !!! (3 ) عيوب القرار ما (تديك الدرب) فمعظم هذه المساحة المزروعة قمحاً ممولة تمويلاً ذاتيا كما ذكرنا أعلاه وبعضها مولته شركات على طريقة الزراعة التعاقدية حتى في الجزيرة أكثر من نصف المساحة ممولة ذاتياً وليس لأي جهة الحق في تحديد سوق ما لم تموله . أقصى ما يمكن أن تطلبه وزارة المالية هو أن يسلمها المزارعون الذين مولتهم قيمة تمويلها عيناً وحتى في هذا إجحاف إذ إنه في العام الماضي سمح للمزارعين الذين مولتهم المالية عبر البنك الزراعي أن يردوا فقط قيمة المدخلات التي أخذوها من البنك نقداً ويتصرفوا في بقية محصولهم وهذا أبسط واجب يمكن أن تقوم به وزارة المالية لتشجيع الزراعة فهذا القرار وبصورته الكارثية يطلب من المزارع أن يسلم كل قمحه للبنك ليس هذا فحسب بل يشمل المزارع الذي لم يمول من البنك أو الإدارة كما ذكرنا . يمكننا أن نعدد عيوب هذا القرار الشكلية والجوهرية ما يملأ كل الصحيفة ولكننا نكتفي بالقول إنه قرار مخالف للقانون وللعقل وللمنطق وللشرع وإذا طبق بأي شكل من الأشكال سوف يورد المزارع والزراعة وخاصة القمح مورد التهلكة . كان ينبغي أن يتحرك ممثلو المزارعين للتصدي لهذا القرار ولكن للأسف الاتحادات محلولة ومجالس تنظيمات المزارعين التي تدعي تمثيل المزارعين الآن أسوأ من القرار نفسه وهي كارثة جديدة حلت بالزراعة والمزارعين وإن شاء الله لنا عودة لها.