الخرطوم - عامر إسماعيل ما أن يذكر مصطلح (نازحين) حتى تطفو إلى السطح تلك الصورة الذهنية المتعلقة بالنزوح من تشرد ومعاناة وفقر التي نجمت عن تخلي أولئك النازحين عن ممتلكاتهم والفرار بجلدهم من الكارثة التي حلت بهم، عبر السطور التالية نحاول أن نتلمس ضوءاً في عتمة كل ما ينتجه (النزوح) من ظروف قاسية أو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (الايجابي من النزوح)، وهو الأمر المتعلق بعملية نقل الثقافات (الخام) من الريف إلى المدينة التي تعاني من عوامل العولمة واندثار خارطتها الثقافية والمدى الذي يمكن أن يحدثه تأثير النازحين على مجتمع المدينة. مما لا شك فيه أن انتقال أي شخص إلى مكان آخر يكسبه مع مرور الوقت صفات جديدة ثقافية واجتماعية نسبة لقابلية البشر للتأثر والتأقلم على الأوضاع الجديدة، وبالتأكيد لا يكتسب ذلك إلا بتبادل عاداته القديمة والتي يجتذبها منه السكان المقيمون بجواره أو المحتكون به احتكاكاً مباشراً وبذلك تكون قد اكتملت الدائرة. استقبلت الخرطوم خلال الفترة السابقة نازحي مناطق كردفان الذين (نزحوا) إلى الخرطوم بعد العمليات العسكرية الأخيرة في (أبو كرشولا) و(أم روابة)، واستقرار عدد كبير منهم بمناطق (سوبا) و(جبل الأولياء) وبعض أحياء الخرطوم، وبالطبع مثلما لهؤلاء النازحين نصيب من الخدمات الأساسية المقدمة في العاصمة، فإن لسكان العاصمة الخرطوم نصيباً سينالونه مع مرور الوقت من ثقافة وعادات هؤلاء السكان الجدد. يقول "الحسن فضل المولى" المذيع بإذاعة (الفولة) بغرب كردفان عن الطقوس الرمضانية المتعلقة بكردفان عموماً ومدينة الفولة تحديداً والتي قد تكون شارفت على الذوبان في خضم صخب العاصمة الخرطوم، وقال ل(المجهر) إن (صينية) رمضان تتكون من العصيدة كشيء أساسي لا فكاك منه، إلا أنها غير تلك العصيدة الموجودة في الخرطوم التي تؤكل بالملاعق وتكون في الغالب (لينة)، فهي تتميز بأنها أقرب إلى أن تكون (جامدة) بسبب عناصرها المكونة لها، ثم كل العصائر المستخدمة هي في الغالب عصائر طبيعية محلية الصنع مثل (الكركدي) و(التبلدي) و(القضيم) و(الضرى) وهو شيء أساسي في كردفان، ولا يوجد شخص يفطر داخل منزله مثل الخرطوم، والذي يفطر في بيته يعد شخصاً منبوذاً، كما يعد (الضرا) منتدى مصغراً حيث يقوم المواطنون بتبادل الأخبار والسؤال عن حال بعضهم البعض، حيث يجلسون إلى وقت صلاة العشاء، ويضيف "الحسن" أن معظم هذه الأشياء شارفت على الاندثار في الخرطوم إن لم تكن اندثرت بفعل التقدم الحضاري، وأشار "الحسن" إلى السؤال عن حال الجيران وتفقدهم يومياً، بالإضافة إلى ثقافة النفير والمشاركة، لافتاً إلى أن كل هذه الأشياء تبلغ ذروتها خلال شهر رمضان، وأضاف مستدركاً ولكن إذا كانت كل هذه الصفات ستحملها بين ليلة وضحاها مجموعة تفوق آلاف الأشخاص إلى مدينة أخرى بالتأكيد ستغير الكثير. لكن يرى "حسن ربيع" - مواطن من الخرطوم - أن هذه الثقافة الجديدة تبقى منحصرة في حدود الأحياء الشعبية والفقيرة ولا يتأثر بها سكان المناطق الراقية، لان النازحين لا يسكنون المناطق الثرية أو الراقية، وأيضاً أصحاب الأحياء الفقيرة هم في الأساس محتفظون إلى حد كبير ببعض مكنوناتهم الثقافية، وهذه الهجرات لا تشكل لهم إلا إضافة على أصل موجود، لكن إذا وجدت هذه الأشياء منفذاً نحو (الهاي كلاس) على حد تعبيره ستنتشر بصورة أمثل . لكن "أنور حسن" - طالب - نفى تماماً أن يكون لهم تأثير على مجتمع الخرطوم، وأضاف أن تلك الثقافات استمرت في الصمود لأن المجتمع منكفئ على نفسه ما يجعل صعوبة دخول عادات جديدة إليهم، بالإضافة إلى أن احتكاكهم بوسائل التكنولوجيا أقل، لكن في الخرطوم ستتغير طريقة حياتهم تدريجياً (للصمود) في هذه العاصمة (الصعبة) على حد قوله، وأضاف "أنور" بابتسامة (ما في مجال للمصاقرة والتأني لازم يتعلموا الجري الشديد وهنا أي زول جاري).