بعد رفع الدعم عن المحروقات، واشتعال السوق ناراً على النار العلية، يمر المواطن السوداني بثلاثة ظروف، كل واحد أقسى من الثاني، أولاً تفتح المدارس يوم الأحد القادم أبوابها ونحن نعلم مدى المعاناة التي يواجهها الآباء والأمهات عند فتح المدارس، فمن كان له أكثر من طفل في مرحلة الأساس من الصعب عليه تحقيق كل مطالبهم في هذا الظرف العصيب، فالزي المدرسي المكون من قطعتين (بنطلون وقميص) إذا كان له طفلان، لا تقل تكلفته عن (150) جنيهاً، أما (الشنط) فأبسط (شنطة) لإكمال نصف العام لا تقل عن (35) جنيهاً، والكراسات الدستة التي كانت في العام الماضي لا تتعدى الثمانية جنيهات، الآن هناك كراسات من اندونيسيا، وكراسات من مصر ومن بقية دول العالم الأخرى التي سعى لها كل مصاصي دماء الشعب السوداني من التجار، والآن أصبح سعر الدستة من الكراسات (21) جنيهاً وأقلها (18) جنيهاً. أما الكتب، والرسوم الدراسية، والمصاريف اليومية، وحق الترحيل فحدث ولا حرج. هذه تعدّ من المراحل الصعبة التي تعيشها الأسر هذه الأيام.. ألا يتذكر أولئك الحاكمون كيف تعلموا؟ وكيف كانت الدولة تصرف عليهم؟ وكيف كانوا ينالون تعليمهم مجاناً؟ ألا يتذكرون رائحة الكتب الجميلة عندما يفتحون الكتاب والكراس؟ ألا يتذكرون كيف كانوا يجلسون في الفصل؟ وكيف كانت تصرف لهم المحابر والريش والأقلام والأساتيك مجاناً؟.. لماذا جاءوا الآن ليعذبوا هذا الشعب المسكين؟ لماذا لم يتذكروا الحكومات السابقة، وأن وزارات التربية والتعليم لم تطلب من تلميذ مليماً واحداً في العام، حتى النتائج لا يُطلب من التلميذ دفع قرش من أجلها. هذا واقع مرير في التعليم.. كل هذا في مرحلة الأساس.. أما الثانوي والجامعات ف(حديثها تاني)، من لا يملك المال لن يتعلم ابنه أو ابنته. المرحلة الصعبة الثانية التي تواجه المواطن السوداني، بعد أثني عشر يوماً من بداية العام الدراسي يدخل علينا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، وهذا من الشهور التي يكثر فيها الصرف من الأكل والشرب، فكيف لهذا المواطن الذي أُنهك برفع الدعم عن المحروقات وارتفاع أسعار كل السلع الضرورية، كيف له مواجهة الشهر، ونعلم أن الصرف فيه بلا حدود، ولن تستطيع إغلاق دارك أمام الزائرين، وهذا شهر لا يستأذن الضيوف فيه. وحتى لو قلنا إن شهر رمضان يأتي بخيره ورمضان شهر يقين، لكن الواقع يختلف، فلا بد أن تعمل كل أسرة حسابها لهذا الشهر من مواد تموينية: دقيق، سكر، عدسي (بليلة)، زيوت وغيرها من المواد الاستهلاكية في هذا الشهر، والمرتب محدود والسوق واقف، وحتى الدستوريين والمستشارين والوزراء الذين تم إعفاؤهم من أين سيأكلون إن كانوا طاهري اليد واللسان؟! أما الموقف الصعب الثالث فهو العيد، والعيد يختلف عن المدارس ورمضان، وله طقوس عند السودانيين، ولن تتنازل أية أسرة عنها، أولاً صناعة الخبيز وطلاء الجدران وتغيير الستائر والملاءات وتغيير الأرضيات، وكلها بغرض الشوفانية، فالسودانيون جميعاً مهتمون بالشوفانية (ناس فلان عملوا كذا وكذا، ونحن لم نعمل)، وأحياناً تصير حرباً بين رب المنزل والزوجة المصون التي لا ترضى إلا بتلبية كل طلباتها. إن الظرف الاقتصادي عصيب على كل الأسر السودانية، في ظل مرتب محدود، وركود في الحياة، وخريجين بدون عمل، وآباء في المعاش وآخرين فصلوا. إن الواقع مرير والمعالجات بالقطّارة، فالناس لا حل لهم إلا انتظار رحمة ربهم، فهو كفيل بهم.