في هذه اللحظة، وأنا أكتب هذه السطور، أقيم في فندق في العاصمة الماليزية كوالالمبور، وهذه هي المرة الثانية التي أزور فيها هذه البلاد الجميلة، وأتذكر مشاعري وأنا في عواصم ومدن غربية، بمشاعري هنا في ماليزيا، ففي تلك العواصم والمدن كنت أحس بين الحين والآخر، أنني شخص غير مرغوب فيه، مع أنني لم اذهب اليها لاجئا أو مهاجرا باحثا عن عمل او وطن بديل، وهما من الأمور التي تجعل كثيرا من الغربيين يكرهون المهاجرين الأجانب، فالمهاجر، يشكل عبئا على الخدمات الصحية، ويعمل ساعات أطول وبمقابل مالي أقل من نظيره الأوروبي، وبالتالي ينظر اليه الغربيون على أنه سرق فرصة عمل يستحقها أحد أبناء أو بنات البلد. أينما ذهبت يعرف الماليزيون أنني عربيقي، وهو أمر يحيرني، فملامحي ولون بشرتي توحي بأنني إفريقي، ولكن ربما لأن الماليزيين لم يألفوا وجود أفارقة غير عرب في بلادهم، فإنهم يستنتجون انني عربي بدرجة او بأخرى، وماليزيا من البلاد القليلة في العالم التي وجدت فيها ان انتمائي العربيقي يرفع من قدري في نظر أهل البلد.. فالماليزيون يحبون العرب ويعرفون أنهم يضخون الملايين في اقتصاد بلادهم عبر السياحة او الاستثمار المباشر، ومسلمو ماليزيا يعتبرون العرب «سدنة الإسلام»، مع ان انطباعي الشخصي هو ان الماليزيين (أتحدث هنا عن المالاي وهم سكان البلاد الأصليون وليس عن الهنود والصينيين من أهل البلاد) أكثر التزاما بتعاليم الإسلام من كثير من الشعوب العربية سواء في المظهر العام او السلوك او العبادات، ومنذ زيارتي الأولى لماليزيا في عام 1999 أعرف أن السودانيين يحظون باحترام شديد فيها، لكون أول من عرفوهم من السودانيين كانوا أساتذة الجامعات والمهنيين، ثم تدفق مئات الطلاب السودانيين في السنوات الأخيرة على الجامعات الماليزية. أظن أن سر احترام الماليزيين للعرب والعربيقيين، هو أنهم يأتون إلى بلادهم طلبا للسياحة النظيفة، أو العلم أو للتجارة، وتستطيع ان تترك ماليزيا خلال دقائق لتجد نفسك في تايلند، وتكتشف فيها أن النظرة فيها تجاه العرب مختلقة تماما عما هي في ماليزيا، ففي تايلند يستقبلونك كعربي باحترام متكلف ومصطنع، يقوم على البكش، فهي بلد تفترض ان الأجانب والرجال منهم على وجه التحديد، لا يأتون إليها إلا طلبا للهلس، ولا يمشي العربي بضع خطوات في بانكوك أو بتايا او فوكيت من دون أن يتطوع أكثر من بضعة أشخاص بعرض خدماتهم: تريد بنات تحت سن ال15؟ حشيش؟ أفيون؟ وإياك ثم إياك أن تقبل الخضوع لمساج (تدليك/علاج طبيعي) خارج مستشفى او مرفق علاجي في تايلند، حتى لو كان عمودك الفقري في شكل علامة الاستفهام، فإذا طلبت في مراكز المساج المنتشرة في الشوارع مساعدتك على التخلص من ألم في الرقبة، طلبوا منك أن تشلح أي تخلع ملابسك بالكامل، وهذا في حد ذاته مؤشر على ان الحكاية فيها «إن». وبما أنني أعاني من «عرق النسا» - يا للعار يا ابو الجعافر سليل أبو العناتر- وبما أنني جئت مع زوجتي إلى ماليزيا، لتخضع لعلاج طبيعي مكثف لتخليصها من آلام مزمنة في الكتف والعنق، فقد قيل لي إن جلسات قليلة من العلاج الطبيعي ستخفف عني آلام أسفل الظهر، ولكن المفاجأة كانت في أن كل من يقمن بعمليات المساج «نساء»... بالتحديد فتيات شابات... فقلت: احترم نفسك يا ابو الجعافر، وطالما ابتلاك الله بعرق النسا فاستر نفسك ولا تسلم جسمك لأصابع «النسا».. اعتداء مزدوج على الشرف؟ ما بدهاش. جعفر عباس [email protected]