لعلكم لاحظتم الحملة الإعلامية الشرسة على الوجبات السريعة وكيف أنها تسبب البدانة، ومن ثم أمراض القلب والأوعية الدموية، ولعل بعضكم يعرف ان الكثير من الدول الغربية منعت بث إعلانات الوجبات السريعة عبر الإذاعة والتلفزيون، إلا في ساعات متأخرة من الليل اي بعد ان ينام صغار السن، وبعض هذه الدول يفكر في منع بث تلك الإعلانات نهائيا.. وعلى مدى قرابة نصف قرن نجحت جمعيات مكافحة التدخين في إقناع الملايين بترك التدخين وإجبار شركات التبغ على وضع تحذيرات على منتجاتها تفيد بأن التبغ يسبب السرطان والإسهال والعجز الجنسي وبلاوي أخرى لا حصر لها.. ولم تقبل شركات التبغ بتلك الشروط التي تقلل من مبيعاتها إلا بعد ان انكسرت شوكتها بتدني أعداد المدخنين.. ولكن العجيب في الأمر هو ان الخمر التي هي أكثر فتكا بالصحة من التبغ تسوَّق بلا تحذيرات صحية، بل ليس هناك - حتى في الدول الغربية - جمعيات لمكافحة تعاطي الكحول، (هناك جمعيات طوعية أهلية لمساعدة مدمني الكحول على الإقلاع عن الشرب،.. يعني بعد وقوع الفأس على الرأس)، والسبب في ذلك هو ان اقتصاد بعض الدول مثل فرنسا واسبانيا واليونان يقوم على تصدير النبيذ (الواين)، وبريطانيا تكسب مئات الملايين من تصدير الويسكي وألمانيا تشتهر بتسويق البيرة وروسيا هي بلد الفودكا التي جعلت من الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين أراجوزا يتعابط ويتهابل في المحافل الدولية، وأمريكا مكتفية ذاتيا في مجال انتاج وتسويق الخمور! وأعود إلى كلامي عن ان الخمر اكثر فتكا بالصحة من السجائر وأقول ان أكثر من نصف جرائم العنف والحوادث المرورية في بريطانيا مثلا تكون تحت تأثير الكحول، وواحد بين كل خمسة من ضحايا جرائم القتل يموت على يد مخمور..دعك مما تفعله الخمر بالكبد والجهاز العصبي و.... الجيب.. ياما «خربت بيوت» لأن رب او ربة العائلة «سكرجية» وعند المدمن (مدمن أي شيء يُذهب العقل) تكون الأولوية للشيء الذي يدمنه. أقصد أن أقول ان الدول الغربية تقيم الدنيا وتقعدها فقط في ما يتعلق بمصالحها المادية، ففي بريطانيا يخسر الاقتصاد الوطني نحو 35 مليار دولار سنويا بسبب الخمر (نفقات علاج آثار ومضار الكحول وساعات العمل المفقودة والوفيات والإصابات والإعاقات)، ولكن ومع هذا فقد ارتفعت نسبة الكحول في البيرة بنحو 15% خلال خمس سنوات، بينما ارتفعت بنسبة 20% في النبيذ، ورغم هذا تدرس الحكومة البريطانية السماح للحانات بأن تظل مفتوحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع! فإنتاج وتصدير الخمر يغطي تلك الخسائر ويعود بالأرباح، وكلما سكر الناس كلما فرفش الاقتصاد! هل تخفى مضار الخمر على حكومة لندن؟ لا بالطبع فقد دشن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير حملة تهدف إلى محاربة الإفراط في تعاطي الكحول، فهل فات عليه ان التفريط هو الذي أدى إلى الإفراط؟ طبعا نحن لسنا معنيين بمضار الخمر والمخدرات لأننا نعيش في المدينة الفاضلة، وتلك آفات يعاني منها الغرب الكافر المنحرف الضال! وقد تسمع عن هيئة عربية هنا أو هناك تتولى التوعية بمضار المواد المخدرة، ولكن ليست هناك هيئات او جمعيات عربية لمكافحة الكحول، نعم، الوعاظ ينبهون الناس إلى مضار الخمر! ولكن هذا لا يكفي، فالواعظ ينجح فقط في تنبيه من يخاف من الحرام، ولابد من صوت إضافي يقول للسكير انت تقتل نفسك وقد تقتل غيرك وهذا هو الدليل! وبالمناسبة فإن الذين يروجون لنكات المساطيل يروجون لتعاطي المخدرات لأن تلك النكات توحي بأن المخدرات تقود إلى الفرفشة وخفة الروح والظل. جعفر عباس [email protected]