كنت قبل فترة تقارب الشهر من الآن قد أطلقت صرخة مدوية حذرت فيها من تداعيات الإجراءات الاحترازية لمجابهة كورونا وذكرت أن أكبر هذه التداعيات تتمثل في انهيار النظام الصحي في البلاد وما يترتب على ذلك عدم تقديم الخدمات الصحية للمرضي من غير المصابين بالكورونا وقد كان الذي حذرت منه وفقد الناس احبائهم ومات عدد كبير من أصحاب الأمراض المزمنة. الشيء الثاني الذي يمثل أكبر التحديات التي تواجه البلاد بسبب الكورونا وهي عدم الترتيب والتحضير للموسم الزراعي الصيفي والذي يمثل أكبر من %85 من إقتصاد البلاد ومعاش الناس وان هناك نقص حاد في الوقود والمدخلات من أسمدة وتقاوى ومبيدات وكذلك عدم تجهيز قنوات الري والمواجر في المشاريع المروية ولم يستجب احد لهذه الصرخة لكني نبهت الشعب السوداني والمسئولين وبلغت. الصرخة الثانية قبل أكثر من 15 يوم عندما تأكدت أن حكومتنا الثورية باعت المخزون الاستراتيجي من ذورة. المخزون الاستراتيجي هو عبارة كميات كبيرة من الذورة يتم شرائها من المزارعين عن طريق السلم أو عن طريق الشراء المباشر في موسم الحصاد ثم يتم تحزينها بطرق علمية محكمة لتحقق ثلاثة أهداف كبرى الهدف الأول وهو تجنيب البلاد اي أزمات تنتج عن فجوة غذائية نتيجة لشح الأمطار في اي موسم حتى لا يكون ظهر البلاد مكشوف كما حدث في العامين 83 ~ 84 لذلك يمنع التصرف في المخزون الاستراتيجي الا بعد ضمان نجاح الموسم وبدايات الحصاد لتتم عملية الإحلال. الهدف الثاني حفظ توازن الأسعار في حال ارتفعت أسعار الذرة إلى المستوى الذي يصعب معه الشراء حيث يتم إخراج جزء من المخزون إلى الأسواق لتنزيل الأسعار وحفظ التوازن. الهدف الثالث وتحفيز المزارعين المنتجين من مضاربات التجار في حال هبوط الأسعار إلى الحد الذي يضر بالمنتجين يتدخل المخزون الاستراتيجي بوضع أسعار تشجيعية (سعر التركيز) هذه هي الأهداف التي من أجلها جاءت فكرة إنشاء المخزون الاستراتيجي. المهم جاءت صرختي الثانية بعد تم بيع هذا المخزون الاستراتيجي محذراً من عواقب وخيمة في حال لم تنزل أمطار غزيرة وبالكميات الكافية مما يدخل البلاد في مجاعة محققة ولم يستجب احد لكني بلغت. والان اطلق آخر صرخة في هذا الموضوع بعد ما نشر جلال الدين طه نائب المدير العام للبنك الزراعي للتمويل تصريحات على صفحات الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي عن خطر فشل الموسم الزراعي الصيفي والغريب أن جلال الدين طه هو من ضمن الناس في البنك الزراعي حيث تم بيع المخزون الاستراتيجي وهو بأيديهم الجزء الأول هو بيعه للبنك الدولي لبرنامج الأممالمتحدة للغذاء مقابل 200000 طن قمح وهذا تصرف ينافي المسئولية كما يتجاهل الهدف الاول من من أهداف للمحزون نفسه.. كما تم بيع الجزء الثاني لشركة قطاع خاص في شكل مقايضة بسماد يوريا تملكه هذه الشركة في مخازنها بمعني أن السماد موجود بالفعل في مخازن هذه الشركة داخل البلاد مما يعني حتما أن هذه الشركة سوف تبيع هذا السماد للمزارعين فكيف تقايض سماد موجود داخل البلاد بذرة المخزون الاستراتيجي لهذه الشركة لتقوم بتصديره خارج البلاد وتضع الشغب في احتمالات المجاعة الجدير بالذكر أن البنك الزراعي هذا العام لم يقوم بتسليم الكميات المشتراة من الذرة للمخزون الاستراتيجي الذي يتبع لوزارة المالية. وحتى نكون أكثر إيجابية ولا نبكي كثيراً على اللبن المسكوب اقترح الآتي 1/ ان يفتح المجال لشركات القطاع الخاص لتوفير المدخلات الزراعية فورا لتلافي النقص وسد الفجوة من أسمدة ومبيدات وخيش وغيرها. 2/ أن تقوم وزراة الزراعة مع الجهات ذات الصلة بتوفير الوقود اللازم للزراعة في فترة أقصاها اسبوع وتوصيل لأماكن الزراعة خصوصاً المطرية التقليدية قبل تساقط الأمطار وقفل الطرق مما يصعب وصول الوقود إلى المشاريع الزراعية في القضارف سنار النيل الأبيض كردفان. 3/ زيادة الرقعة المخصصة لزراعة في المشاريع المروية لزراعة الذرة إلى الضعفين وذلك من خلال تزويد المزارعين بالتقورى المحسنة مجانية لسد النقص الكبير من الذرة في حال لا قدر الله قل تساقط الأمطار حتى نبعد شبح المجاعة. لا تنسوا أن البلاد تعيش ظروف استثنائية وان صرختي هذه الأخيرة وبعدها لا ينفع الندم. محمود عبد الجبار مرشح سابق لرئاسة الجمهورية رئيس لجنة الري برلمان الحوار الوطني خبير في الاقتصاد الزراعي. 31/5/2020