تراسيم.. المصالحة مع صالح الطيب !! عبد الباقي الظافر دخل الروائي الضخم الطيب صالح على نفر من النقاد والأدباء.. وجدهم في جدل منقسمين.. يُنقّبون باهتمام بالغ في زوايا روايته المثيرة موسم الهجرة إلى الشمال.. بعضهم يتحدّث عن صراع الحضارات.. وآخرون يركّزون على البُعد الطبقي للرواية.. وفريق مضى ينظر لغياب البطل مصطفى سعيد.. ويغلّف ذلك الخروج الغريب بأبعاد فلسفية وغيبية..الطيب صالح بتلقائية واندهاش غريب رائع همس في أذن أحدهم \"دا كلوا في روايتي\". خرجت رواية موسم الهجرة.. ولم يحتفي بها أهل السودان ابتداءً.. ومن بين ذلك الإهمال.. أنّ الكاتب تناول الجنس على غير عادة أهل السودان.. والذين لا يتحدثون في هذا الأمر إلا بعد إحكام إغلاق الغرف، والتأكد من إطفاء الأنوار.. ولكن قيّض الله الناقد المصري رجاء النقاش.. وإعادة قراءة الرواية.. واكتشف عبقرية مؤلفها.. وسوقها في المحيط العربي. هنا فقط انتبه أهل السودان إلى ابنهم الضائع الطيب صالح. والذي كان قبل ذلك مجرد مذيع عذب الصوت.. ومُعلم لغة إنجليزية سابق.. وأقبلوا على قراءة رواياته بنهم وشوق كبيرين. وغربة الروائي الثانية كانت بعد وصول الإنقاذ إلى قصر الحاكم العام بالخرطوم.. ولست متأكداً من الذي ابتدأ الحرب.. الحكومة الجديدة حجرت على روايات الأديب الطيب صالح.. ولكن الطيب تمكّن من النيل من الثوّار الجدد.. وسارت عبارة (من أين أتى هؤلاء) التي نحتها لوصف الحكام الجدد.. عبارة يقتبسها كل من يحاول لكم الإنقاذ.. وضاعت تحت ظلالها عبارة أخرى أكثر حدة نسبت إلى (أبي زينب) وفحواها \"انتمي إلى دولة تافهة وأمة مقهورة\". ولكن الطيب صالح ذاته عاد وتصالح مع هؤلاء.. زار عاصمتهم الخرطوم.. واحتفى على إيقاع الطمبور بانجازهم في سد مروي.. وذرف على الهواء دمعاً ثخيناً وصادقاً.. والمحكمة الدولية تدخل أنفها الطويل متشككة في نظامنا العدلي. بالطبع لم تتغير الإنقاذ.. وإن أصابها بعض تطور في كثير من المفاهيم.. ولكن الذي تغيّر هو الطيّب صالح.. مع تقدم العمر وكثرة المرض يتحول الثائر إلى مجرد رجل حكيم.. ليس الطيب وحده.. قريب من ذلك الفرعون محمد عثمان وردي.. والذي صارع الإنقاذ شاباً فصرعته شيباً. في حالة الروائي الكبير تحوّل الطيّب صالح إلى صالح الطيب.. رغم هذا التحوّل الكبير.. لم ينل الرجل من بر الإنقاذ إلا شارعاً عرضياً في شرق الخرطوم . أخيراً أيقنت أنّ الأديب الكبير الطيب صالح رجل مثير، مثل بطله مصطفى سعيد.. هذا ما أكّدته لي جلسة رائعة نظمتها بجدارة أكاديمية مأمون حميدة في إطار فعاليات نادي الكتاب السوداني. التيار