بشفافية القشف الاقتصادي والبكش السياسي حيدر المكاشفي قال شاعر حلمنتيشي مغمور: يا حبشتكة يا حبشتكة القلب من الحب إشتكى يوم دمع وحزن ويوم فرح وهشتكه... وقال وزير ماليتنا بعد أن تحسس القشف المنتشر على جلد الاقتصاد الوطني، تقشفوا واخشوشنوا فان النعم لا تدوم، أكلوا الكسرة بدل الرغيف واشربوا «الموص» بدل العصير، أو كما قال علي محمود عبد الرسول، بالمناسبة «قشف وبكش» عربيتان فصيحتان، ولهذا لم نضعهما بين معقوفتين، الاولى «قشف» لا جدال حول عروبيتها القحة، أما الثانية «بكش» ففيها قولان بحسب «تموضعها» في الكلام، ففي الفصحى لها معنى هو غير معناها في الدارجة... والقشف هو تلك القشور والبثور الجلدية الصغيرة الجافة التي تظهر على الجلد بسبب جفافه لاي سبب... أما البكش بالعربي الفصيح على ذمة لغوي غير حصيف يتكيء على المعجم الوسيط فهو من بشك بمعنى كذب أو إختلق اقوالاً غير حقيقية ليحتال بها على الناس، ويقول قدماء العرب «بَشَك يُبشّك فهو بشّاك»، ولكن رأي محديثهم أن يقلبوا الكلمة إستسهالاً للنطق فجعلوها «بكش يبكش فهو بكاش» وهو الشائع الآن مع ملاحظة أن الاستخدام الدارجي للكلمة يختلف إختلاف مقدار عن استخدامها الفصيح، فهي في الدارجة لا ترقى لمستوى الكذب الصراح واختلاق الاقوال بغرض الاحتيال وإنما بهدف التجمل على غرار «أنا لا أكذب ولكني أتجمل»، فاذا قال لك «عنقالي» يا بكّاش فهو لا يعني أنك كاذب وبالضرورة لا يعني أنك صادق، بل أنك بين ذلك عوان، قفزت فوق الحقيقة وذوّقت الواقع وجملّته بما ليس فيه، وبهذا المعنى فإن البكّاش يبقى نديداً ل «الهرّاش»... السيد وزير المالية يدعو للتقشف، ويقصد أن يتحمل الناس صعوبة العيش وخشونته خلال الايام العصيبة القادمة بأن يشدوا الاحزمة على البطون وأن يكونوا أكثر إستعداداً لبذل التضحيات حتى تتجاوز البلاد الازمة وتعود الاوضاع الاقتصادية إلى دورتها الطبيعية، وعن هذه الحالة «الشلش» قال واحد «مخستك»، وجوعان: يا حاجة أشبه بالرغيف، مرقوها هسع من الفرن، أنا بفقدك لما العيون تشتاق أماسيك الشبع، واتخيلك قدرة ورحيق الفول، إن شاء الله في أحلك ظروف، ما نشتهي الجبنة ونطوف، كل الدكاكين مغلقة، والزيت صبح يا زيت مناى ما في ونشف مصران مشاعري المرهفة... ولكن وبينما الخلق في لجة القشف وأحاديث وزير المالية التقشفية، إذا بوزير التنمية البشرية يطلع عليهم بحديث يحيّر حتى علماء وخبراء الارشفة والتصنيف في أي خانة يضعوه، في خانة البكش ام البشك، مقارنة باحاديث صنوه وزير المالية، فمن أين لوزارة التنمية البشرية الموارد المالية التي تكفي لاستحداث مليون وظيفة جديدة في ظل هذه الاوضاع التي لم يكف يوماً وزير المالية والاقتصاد عن الشكوى منها، مليون وظيفة والخدمة المدنية أصلاً تعاني من الترهل والانبعاج، وتحتاج أول ما تحتاج إلى إعادة الهيكلة و«التخسيس»، لا ندري فربما كان مرد هذا التضارب للمشكلة المزمنة التي طالما جأر بها الخبراء وهي عدم الاتساق والتنسيق بين القرارات السياسية والاقتصادية، الاقتصاديون يدعون للتقشف والسياسيون يمارسون البكش، ولكن رغم ذلك ربما كان وزير التنمية البشرية يعني ما يقول ويعرف كيف يدبر هذه المليون وظيفة، فكلٌ ميسر لما خلق له، على رأي المتشاعر المتواضع «الحلو حلو ولو لسه صاحي من النوم، والشين شين ولو يغسل وشو مرتين». الصحافة