ضد الانكسار ماذا بعد الانفصال ؟ أمل أحمد تبيدي احتفلنا باستقلال البلاد دون أن نضع فى الحسبان انه استقلال جزئى، فقد كان سياسيا، بينما المستعمر كالسوس ينخر فى البلاد بعد أن ارتدى ثوبا جديدا «اقتصادى اجتماعى ثقافى»، وبدأ سياسة التجزئة وتحويل الدول الى دويلات يسهل استغلال مصادرها الاقتصادية، ويدخل بصورة غير مباشرة بعد أن يمهد الطريق بشعارات الديمقراطية ونصرة المظلومين من المضطهدين والمهمشين، ثم يكشر عن أنيابه بعد ذلك لتظهر مآربه الحقيقية التى لا علاقة لها بالعدالة الاجتماعية ونمو وتقدم المجتمعات. والآن دخلنا مرحلة التجزئة، وفى يوليو يأخذ الانفصال شكله الرسمي بعد إعلان النتائج للاستفتاء التى أسفرت عن التصويت لصالح الانفصال بنسبة 98.83%. التربية الوطنية السليمة هى أولى لبنات سير الأمم والشعوب فى طريق التنمية ثم التقدم فيما بعد، وهى تقليد توارثته الاجيال جيلا بعد جيل، فلو نظرنا لتاريخنا الحديث بكل تجرد فإننا نجد أن أساس مشكلاتنا افتقادنا للتربية الوطنية فى ادنى مستوياتها، وذلك لأننا نركن كثيراً للتاريخ، ونعلق كل مشكلاتنا على فترة الاحتلال. ولعمرى فإن ذلك هروب من مسؤوليتنا التى يجب أن نتصدى اليها، بدلا من الركون والاستسلام لنظرية المؤامرة، فلو كان الاحتلال فيما مضى قد أسس لتعميق مشكلاتنا فماذا فعلنا نحن بعد استقلالنا؟ فما ارتكبناه من أخطاء يفوق عشرات المرات أخطاء الاحتلال، وما سفكناه من دماء يفوق عشرات المرات ما سفكه المحتل، فأين تكمن العلة وأين مربط الفرس؟ المرحلة القادمة ستشهد ميلاد دولة جديدة، ولا ندرى هل هو ميلاد صراع جديد بين الشمال والجنوب فى ظل قضايا عالقة بدايةً بالديون والحدود والعملة، الى قضية أبيى التى لم يتم حسمها رغم اتفاق الشريكين على استمرار الترتيبات الادارية والسياسية والأمنية، مع نشر قوات مشتركة. ولكن هذا الملف يظل عالقا محاطا بكثير من التوترات والبؤر القابلة للاشتعال التى هى نتاج طبيعى للصراعات الخفية. فهذه القضايا كان يجب حسمها بدلا من أن تطفو للسطح كلما حدث توتر بين الشريكين. وأهم القضايا هي أبيى ومسألة الجنسية المزدوجة والقوات المشتركة ووجود الجيش الشعبى بالنيل الازرق وولاية جنوب كردفان، والوجود الجنوبى بالشمال والشمالى بالجنوب، وجميعها قضايا حساسة، خاصة أن الحزب الحاكم أعلن أن الجنوبيين فى البرلمان والهيئة التشريعية القومية ومجلس الوزراء سيحرمون من مناصبهم، ناهيك عن بقية القضايا والصراعات. ودولة الشمال امامها ملفات يجب ان تحسمها بدءاً بدارفور وانتهاءً بالمعارضة ومطالبها والازمات الاقتصادية التى يمكن أن تحدث بعد فقد ميزة البترول. وأمامها أيضاً مهام وتحديات جسام حتى تتمكن من النهوض بصورة سليمة قوامها الديمقراطية والعدالة والتنمية المستدامة. ولا بد أن ينتهج الحزب الحاكم فى المرحلة القادمة سياسات تؤدى الى الانفراج من خلال الانفتاح على الآخر، فسياسة الاحتكار والعزل والترهيب اثبتت عدم جدواها، والتجارب اثبتت فشلها، فلا بد من الاستفادة من التجارب واخذ العظة ممن سبق، فالتجارب الآنية التى فرض فيها الحكام سيطرتهم عبر القبضة الامنية والعسكرية وانتشار الفساد والانحلال، أدت إلى تأزم الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ومهما امتد عمر الانظمة القمعية إلا أن الشعوب لا تقهر وارادتها لا تكسر، وروح التغيير والاصلاح اقوى من الترسانة العسكرية. فيجب أن ينتبه الحكام والساسة قبل وقوع الفأس على الرأس، وعليهم العمل الجاد من أجل بتر كل مواطن الفساد، والنزول الى الشارع والاحتكاك بالمواطن، ومعرفة قضاياه ومطالبه، لتكون اولى البنود، مع وضعها فى حيز التنفيذ الفورى.. و «ربنا يكضب الشينة» فى ظل هذه الاوضاع غير واضحة الملامح وبالغة التعقيد بين سياسات متأرجحة وتصريحات مطاطية، فالسؤال الذي يبقى فى حاجة إلى إجابة، ماذا بعد الانفصال؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الصحافة