فرق. دورك في الطابور..! منى أبو زيد وقفت طويلاً بانتظار دوري في أحد صفوف دواوين الحكومة – بسبب امتلاء المقاعد- فهب شاب كان يجلس على المقعد المخصص لصاحب المعاملة، وعرض علي الجلوس بلطف، شكرته جداً، قبل أن أذكِّره بأن ذلك الكرسي مخصص– فقط - للعميل صاحب الملف.. فالموظف المسؤول يحتاج إجابات شخصية دقيقة لملء بيانات مهمة، وعليه فلا يجوز أن يجلس على ذلك الكرسي غيره، حتى وإن كان ذلك الغير سيدة استفز وقوفها الطويل شهامته السودانوية..! جلس الشاب اللطيف مكرهاً، وبقيت واقفة – أفكر في أسباب بطء سير العمل– قبل أن يقودني التأمل في لوحة الواقفين والجالسين إلى إجابة منطقية، مفادها أن معظم الموظفين كانوا ينحون ملفات الجالسين جانباً، ثم ينهمكون في ملء ملفات مجهولة يضعها بعض زملائهم على مكاتبهم، بينما يجلس أصحابها للثرثرة واحتساء الشاي في مكاتب مسؤولين أعلى درجة..! أما صفوف دفع الرسوم فحدث ولا حرج، طوابير أفقية، ثلاثة يقفون أمام النافذة الزجاجة والبقية يتجمهرون خلفهم كيفما اتفق.. يحدث هذا في صفوف معاملاتنا كل يوم، لذا فعلينا ألا نغضب عندما نسمع جملاً على غرار \"أنتم شعب عشوائي لا يحترم الطوابير\"..! الرئيس الأمريكي أوباما خرج يوماً لتناول شطيرة (هامبورجر) في مطعم شعبي، فانشغلت صحف العالم بدلالة الحدث وتداعياته، ركزت الصحف الأمريكية والأوروبية على صورة (البساطة)- التي سوق لها الرئيس بتناول الغداء في مطعم شعبي– بينما انشغل الإعلام العربي (الذي يترفع حكامه على رتابة صفوف الطواف حول الكعبة، فيأتون بمن يشق لهم صفوف الطائفين!) بوقوف فخامة الرئيس في طابور هامبورجر..! حتى الزلزال الذي ضرب اليابان- والذي اعتبر الأكثر عنفاً خلال قرن من الزمان– لم يحدث تغييراً يذكر في صرامة الطوابير التي اشتهرت بها.. وفي بريطانيا هنالك بحث أجري للتدليل على انخفاض معدلات الصبر على الطوابير.. الطريف أن نتائج المسح لم تذكر شيئاً عن عدم الالتزام بالأولوية في الصفوف، بل دللت على نفاذ صبر البريطانيين بظهور شعورهم بالضجر بعد مرور عشر دقائق على وقوفهم، ولجوء معظمهم إلى التسوق ليلاً، ودفع الفواتير عبر شبكة الانترنت..! الصحف المصرية دللت على التغيير الجذري الذي أحدثته ثورة 25 يناير في علاقة الحاكم بالمحكوم بحادثة وقوف الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء في طابور التصويت الطويل لبعض الوقت، قبل أن يتخترق الصفوف متعللاً بمواعيد رسمية عاجلة.. أما الشعب الذي اعتاد على تجاوزات الحكام، فقد قبل منه تلك الوقفة الرمزية، التي كانت بمثابة (نقوط) مجاملة في يوم عرس الديموقراطية..! احترام الطوابير دلالة تحضر دامغة، والعلاقة بين دقة وانتظام الطابور وتطور المجتمعات طردية.. لكن من يسمع إن كان الذي يخرق نظام الطابور– في مجتمعنا المحلي- هو المسؤول نفسه.. إذا أردنا تعميم ثقافة احترام الطوابير، علينا أن نبدأ بالحاكم قبل المحكوم..! التيار