موسي [email protected] عاصرنا حدثين هامين, في تاريخ السودان الحديث و هما غرق مدينة وادي حلفا في عام 1964م, بفعل السد العالي .ثم إنفصال الجنوب في عام 2011م. كنت صغيراً في السادسة, حين غرقت وادي حلفا. لا أعرف عن ذلك الحدث شيئاً وقتها, سوي أني كنت ألعب مع أقراني في شاطئ النيل عند الأصيل, في بلدنا في دنقلا و شاهدت باخرتي الثريا و هي من البواخر القوية لها قدرة علي الإبحار لما وراء الشلالات شمال دنقلا العرضي و جنوب كريمة , و هي تمخر عكس تيار النيل و تحمل أهالي وادي حلفا إلي وطنهم الجديد, في خشم القربة, التي سموها حلفاالجديدة. كان صياح الأطفال و النساء ينبعث من داخل الباخرتين. كان حدثاً علق في ذاكرتي. و بعد سنين, قرأت الكتاب الذي وضعه الضابط الإداري المرحوم حسن دفع الله , معتمد وادي حلفا و الذي أشرف علي عملية التهجير بعنوان The Nubian Exodus أي هجرة النوبيين و ترجمته إلي العربية , سمية عبدالمجيد محمد , عن مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية في جامعة أم درمان الأهلية. كان ذلك الحدث مأساوي لأهالي حلفا و للسودان كافة. كان بداية لنقصان الأرض من أطرافها, إذ فقد السودان مدينة عامرة و مهمة و فقد تراثاً عظيماً إنطمر تحت الماء, اللهم إلا ما قدرت الجهة المختصة علي إنقاذه بمساعدة اليونسكو, حيث نقل إلي المتحف القومي في الخرطوم. و تم تهجير أهالي وادي حلفا من بيئتهم النيلية , إلي بيئة صحراوية لم يعتادوا عليها من قبل, حتي قال ذلك الحلفاوي و هو ينظر إلي السماء ليلاً و هي تمطر بغزارة ( أعمل حسابك يا هي ... تحتك ناس... إيه دة )! كما تقول الطرفة. هل تم حساب تكلفة الآثار الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و الصحية التي نتجت عن غرق هذه المدينة ؟ و هل يسوي ذلك التعويض الذي قدم لحكومة السودان شيئاً, مقابل هذه المصيبة التي حاقت بالبلد ؟ و الحدث الثاني و الأكثر مأساوية, هو إنفصال الجنوب عن الشمال. هذا حدث زلزالي, ستترتب عليه آثار وخيمة علي مستقبل بلادنا في قابل الأيام, إن لم يتم تدارك الأمور. و هو حدث يؤشر إلي أن بلادنا ستواجه بمستقبل لا يبشر بخير, من عدم الإستقرار, إن لم يتم تدارك الأمور في الوقت المناسب. يحدث هذا بفعل ما يتردد من دعاوي التهميش و المظالم التي يدعيها الناس هنا و هناك. لقد دخل مصطلح الهامش و التهميش, إلي قاموسنا السياسي في السنين الأخيرة, فأصبح الكل يتحدث عن التهميش الذي يعانيه. و إذا سلمنا بصحة هذه الدعوي, فإن أطراف البلد كلها تعتبر هامشاً, لا يتوفر فيها الخدمات التي ينبغي أن تتوفر للمواطن, حتي يعيش حياة كريمة. و نحن في سعينا لعلاج هذا الوضع الذي نشأ من تململ هنا و هناك, علينا أن نحتكم إلي صوت العقل و أن نغلب مصلحة البلد علي المصلحة الخاصة و الآنية. و السبيل إلي إيقاف هذا التململ و هذه الشكوي, يكمن في التوزيع العادل للسلطة و الثروةequitable resource allocation Fair and . لا أقول تقسيم لهاتين المفردتين, ذلك أن التقسيم, يعني أن هناك كيكة جاهزة يتعين إقتسامها. ليست هناك كيكة جاهزة, و إنما البلد في حاجة إلي عمل و جهد أبناءها لإنجاز عملية التنمية. و التنمية تؤدي إلي النمو الذاتي. و هناك فرق بين التنمية Development و النمو Growth و هو ما ينتج عنه من ثمرة يتم إقتطافها أو كيكة يتم قسمتها بين مختلف الأطراف, كل بحسب نسبته. لن يتم هذا, إلا إذا إتفق الناس علي العمل سوياً من أجل المصلحة العامة. أما التعلق بالأوهام و التمني علي الله الأماني, فلن يفيد شيئاً, مثل حديث البعض, و هو حديث القصد منه تطييب الخواطر, مثل حكاية ( الجنوب إنفصل , لكن سيعود إلي حضن الوطن الأم قريباً ). الجنوب إنفصل و ذهب لحاله . لكن يبقي السؤال : ماذا بعد إنفصال الجنوب؟ هذا هو التحدي الذي يواجهنا في الأيام القادمة. الرياض / السعودية