[email protected] كنت احس عندما القاه في تجمعات السودانيون هناك ، كنت احس انه كان هنا منذ زمان بعيد و سيبقي هنا الي الابد ، لا تهمه اخبار البلد الا ما يتعلق بانتصارات الهلال او المريخ لا اذكر!، كان يحب برنامج نجوم الغد و يقول ذلك علي الملأ كان يحب هذا البرنامج و يتابعه و لا يألوا جهدا و هو بلا شك لا يدخر وسعا للحديث عن فتيات البرنامج، اتذكر انه قد وصف في احد المرات احدي مغنيات البرنامج \" بالسخلة\" حيث قال : البت تنبح زي السخلة و العبيد المجانين ديل يعزفوا وراها كأنهم يعزفون خلف عمرو دياب او كاظم الساهر. كنت وقتها لا اعرف الرجال الذين ذكرهم. في اول مرة التقيه كنا جلوسا الي طاولة مرتجفة ، بيضاء، بلاستيكية و هي عبارة عن سطح بلاستيكي سميك في اركانه اربعة فتحات مستديرة ستخترقها ارجل الطاولة ، الارجل اسطوانية يبدو انها كانت سبب الارتجاف و ربما ارضية نادي الجالية التي ارهقتها اقدام المغتربين فانتشرت في انحائها الحفر تماما كما هي في شوارع الخرطوم. و نحن حول الطاولة نتشارك عشاء في مهجر عربي ، يطوف علينا عمال آسيويون، يطوفون علينا بالشطة الحمراء متقاسمة فضاء الصحن الصغير مع الملح و تتدردق علي الحيز ليمونة مشقوقة و ريانة، يطوفون علينا باطباق الفول المصلح بشرائح جبنة بيضاء غريبة الطعم، حتي الشمار له طعم مشاتر ، البصل نفسه آسيوي المزاج، كان اغرب ما في المائدة هو صحن الطعمية ، فهي مكتنزة ، محشوة بالشمار الاخضر انتفاخها و عدم انضباط مقادير بهاراتها و شمارها الاخضر تشعرانك باغتراب في جوف اغتراب آخر، من هذه الطعمية البدينة ستكون قطعة واحدة كافية لاطعام طفل في الخامسة. بادرني بالسؤال \" كيف السودان علي حسك؟ هل جلبت معك علبا من سجائر البرنجي ؟ فاجبته السودان يا هو السودان! و لم احضر مع سجائر البرنجي . ترددت في داخلي هذه العبارة \" لماذا ليس التمباك؟\" كنت قادما للتو من السودان ، منشغلا بتجميع ملاحظاتي عن المكان و الناس، استقبلني اخي بالمطار و انزلني معه في شقته، هو من ارسل لي الاوراق التي استخدمها لدخول ذلك البلد المنغلق . كنت ايضا مشتتا، لا اعرف هل ستنجح المغامرة و احصل علي عمل هناك حتي اتمكن من ايفاء التزاماتي تجاه نفسي التي احتلتها حبيبتي بالكامل . كنت اتردد علي نادي الجالية في ايامي الاولي ، ليس عندي عمل و هناك ألتقي بمجوعة من الشباب، الشيب و لا سيدات او شابات ، العائلات تؤم النادي في نهاية الاسبوع ، العائلات او ضجيج الاطفال ! لا اعرف ايهم يحضر ليمزق صمت النادي و خدمة الفول و الطعمية الدائبة و عندها عرفت سبب انتشار الحفر في بلاط ارضية النادي انها عطلة نهاية الاسبوع، الصغار بالعابهم و احذية النساء المسنونة او المدببة . عرفت اسمه و عرفت بعدها اننا تخرجنا في نفس الجامعة، لم اتذكره حينما كنا في الجامعة. جلست اليه و كانت تلك الايام منشغلة الاماسي بنجوم الغد و تواصل الحديث عن المنغيات و عبيد الاروكسترا المصاحبة، ثم التعليقات حول كاظم الساهر او عمرو دياب . اخجلني كرم الرجل فلم استطع ان اقول له جهرا هذا الكلام \" انا لا اقبل ان يتم وصف المغنيات بالسخلات او وصف العازفين بالعبيد\" فاكتفيت بقول ذلك لنفسي و تجرعت معه فول الغربة البايخ ذو الطعم الغريب. اسمه هيثم علاء الدين السماني و يعمل مبرمجا في احد شركات خدمات الكمبيوتر. اهتممت بالرجل ثم احببت ان اختبره ، قلت له انني ابحث عن عمل . بدأ يحدثني عن علاقاته بالمتنفذين من مواطني الدولة المنغلقة و عن مدي احترامهم له و أن هذا الامر لا يكلفه ثانية واحدة ، ثم قال: احضر الاوراق، فاحضرت له الاوراق التي طلبها جميعا.لم يكن علاء سببا في وظيفتي الحالية. مازلت احتفظ بعلاقة غاربة مع الرجل ،فنزل علي المدينة شهر رمضان و ضجت الاماسي بالاحاديث عن برنامج \" اغاني و اغاني \" و تواصل النشيد عن السخلات و العبيد العازفين. كنت كلما اغادر نادي الجالية الوم نفسي علي عدم الجهر للرجل برأيّ حول احكامه الجائرة و احساسه الطاغي بامتلاك الحقائق المطلقة و الاجابات الكاملة علي كل الاسئلة و استعلائه السخيف . ادركت ان الرجل كله عبارة عن حل مشوه لعقدتي فقر و حرمان ، هو عبارة عن ذات متورمة كراضم ....كراضم ، منتفش بفرح طفلي يصيب الصغار عندما ينجزون انتصاراتهم الكبيرة في معاركهم الصغيرة، هو هارب من واقع حاط للقدر في بلاده. هذا المسكين يريد ان يركب سيارة فركبها، هذا المسكين يريد ان يعود في اجازته الي اهله مستفيدا من الفرق بين سعر عملتين في بلدين مختلفين و يختلق اوهاما عن نفسه و عمله . التقينا في محطة الوقود تجاورت السيارتين فحييت الرجل و قلت له \" انا لا احترم انسانا يصف مواطنيه بالعبيد و يصف مغنيات بلاده بالسخلات\" تغيرت ملامحه و زمجر غضب دبلوماسي بين حاجبيه ، في تلك الاثناء مر صبية بمحطة الوقود ، تضاحكوا و تغامزوا و هم يمرون بنا ثم صاحوا في وجوهنا بالهتاف يا زول ... يا زول .... يا زول ثم ضحكوا و هم يقولون شوف هادول السودانية!!. ضحك عمال محطة الوقود من عرب و آسيويين غير عرب . فودعته ثم انصرفنا و في وجهي ابتسامة رضا.