اللا منتمي ..! منى أبو زيد «غضبت للحق فغضب الحق على « .. ميخائيل نعيمة! بعض الأشخاص يلوح لمن حوله من النظرة الأولى كمشكلة اجتماعية، فهو يرى نفسه المبصر الوحيد في بلد العميان ويميل إلى التعبير عن قناعاته بمصطلحات وجودية لا علاقة لها بلغة الواقع ..! مثقفاتي غريب الأطوار تصادفه فتظن أنه يقف على تخوم الجنون .. درويش يتعامل وفقاً لمبادئ لا يكترث لها الآخرون .. موظف مطحون يجهد نفسه في الالتزام بمسارات أخلاقية ويحقق من خلال التزامه نتائج إيجابية من وجهة نظره، غير مرئية لمن حوله من المنتمين إلى مجتمع يرفض منطقه ..! «كولن ويلسون» صاحب كتاب (اللا منتمي) يعرف الشخص الذي ينطبق عليه عنوان كتابه بأنه العاقل الوحيد في عالم المجانين لأنه يدرك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية من أساس واهٍ ، ويشعر أن الاضطراب والفوضوية ? في كثير من الأحيان - أعمق من النظام الذي يؤمن به قومه ..! فاللا منتمي شخص خارج على أطر المجتمع ، غير منتمٍ لتقليده وأعرافه الملزمة .. يطمح في عالم مثالي غير موجود .. يتعذب بتفرده واختلافه عن بقية من حوله .. ينفر من المجتمع لأنه لا يستطيع أن يخضع لشروطه ولا ينجح في أن يخضع المجتمع لشروطه هو .. يظهر عدم انتمائه وعزلته الفكرية عبر منجزه الإبداعي ..! في مجتمعاتنا يعيش صاحب الفكر السياسي غير المضبوط على موجة حزب أو تيار سياسي بعينه مأساة اللا منتمي بكل أبعادها القاسية .. فلا مظلة ديمقراطية تحفظ حقه في التعبير ? عملياً ? عن رفض مثالب واقعه السياسي ..! مثال حي على ابتلاءات اللا منتمي في محيطنا القريب قضية الصحفي المصري إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة «التحرير» الذي تمت إحالته للتحقيق بتهمة الإساءة للأديان في عهد الإخوان المسلمين الذين يعارض حكمهم، تماماً كما كان يفعل أيام حكم مبارك ..! ابراهيم عيسى - صاحب مقال «صحة الرئيس» الشهير، الذي تعرض للسجن بسببه أيام الرئيس السابق محمد حسني مبارك - حالة خاصة في الصحافة المصرية والعربية، لالتزامه بحرية الصحافة كما ينبغي لها أن تكون، ولمقدراته المهنية العالية، ولشجاعته في الوقوف مع «حق» الآخر لا مع فكره .. ومع ذلك قدره أن يظلمه معاصروه، وأن يباركه التاريخ في عصر آخر لن يكون شاهداً عليه ..! الراي العام