(2) خطر الإسلام السياسى على قضية المواطنة والديمقراطية (مصرنموذجا) Danger of political Islam on the issue of citizenship and democracy Egypt model تنبيه مهم: لابد أن نميز منذ البدء بين (الإسلام) كدين، نعترف بأنه يشتمل على جوانب أخلاقيه وموجهات تربويه رائعه، خاصة عند بداية ظهوره فى (مكة) والنصوص التى نزلت فى ذلك الوقت والتى دعت للديمقراطية على قدر عال مثل: (فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) ولبسط الحريات وحق الناس فيما يعتنقون، مثل: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وبين تيارات (الإسلام السياسى) وسلوكياتها و(منهجها) الذى تتبعه وتعتبره مرجعية وخطا أحمر دونه خرط القتات وقطع الرقاب واراقة الدماء، والذى يستند على فقه وأحكام (الشريعة) الأسلاميه التى فرضت فى القرن السابع الميلادى فى (المدينة) بعد 13 سنه من ظهور الأسلام، التى يعتبرها (الأسلامويون) حسب فهمهم للأسلام وثقافتهم التى ترفض التطور، اساسا للدساتير والتشريعات والقوانين، وأى تشريع خلاف أحكام تلك (الشريعة)، يعد عندهم حكم (طاغوت) وكفر وفسوق يجب محاربته، لأنه على حسب ما يرون ياتى على خلاف نص الآيات القرآنيه التى تقول: (ومن لم يحكم بما انزل الله، فاؤلئك هم الفاسقون) أو:(ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون)، مع ان آية ثالثه تذهب فى نفس هذا السياق وتقول: (ومن لم يحكم بما انزل الله، فأؤلئك هم الظالمون). والشئ الطبيعى والمنطقى عند كل من كان له عقل يفكر به، أن (الإله) الذى يعبد لا يمكن أن يناقض نفسه، فهذه الآيه الأخيره كما هو واضح تحدثت فى بدايتها عن (الحكم) وفى نهايتها عن (الظلم) وتلك اشارة الى أن (العدل) هو حكم الله المطلوب لا أحكام (الشريعة)، كما نزلت فى القرن السابع القابله للتطوير والتغيير .. لأن العدل هو القيمه العليا والسامية التى جاءت بها كآفة الأديان ومن أجل تحقيقه على الأرض ارسل الرسل والأنبياء وعمل الحكماء والمصلحون والفلاسفة والمفكرون والمثقفون والأدباء والشعراء .. والعدل اسم من اسماء الله فى الإسلام، والناس على أختلاف دياناتهم ومعتقداتهم وافكارهم يتفقون – جميعا - على ضرورة تحقيق (العدل) فى مجتمعاتهم وأوطانهم وفى الكون كله، لكنهم لا يتفقون على تطبيق تشريع منبثق من دين من الإديان ليحكم الناس جميعا، مهما كانت مثاليته وصلاحيته، وفى ذات الوقت لا يمكن أن يرفضوا القيم الإنسانية التى يحتوى عليها ذلك الدين – أى دين - بل يمكن أن يستفيدوا منها فى تشريعاتهم دون الأشارة اليها اذا عجز الفكر الأنسانى من أن يقدم أفضل منها طالما كانت تلبى حاجات الناس جميعا وتحل مشاكلهم دون تمييز بسبب انتماءاتهم الدينية .. وفى هذا الجانب للشيخ (محمد متولى شعراوى) وهو احد أئمة المسلمين الكبار فى العصر الحديث وله مكانة خاصة فى قلوب الكثيرين، رؤية ثاقبه قال فيها: "اذا لم يتجدد الفهم للقرآن بين كل وقت وآخر بل فى كل ساعة فلا قيمة للآية التى تقول: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلماته)، ولأكتفى الناس بمعنى وأحد ولأنتهى الأمر على ذلك"وأضاف: " اتوقع قريب جدا أن يصل الناس لمعانى وأسرار لم تكن معروفة من قبل" .. لعل ذلك سببه التطور الهائل الذى أحدثته الثورة الإعلاميه والتكنولوجيه وتقنية المعلومات، على الرغم من ان الشيخ (الشعراوى) شهد جزءا ضيئلا جدا منها وأرتحل. وللدكتور/ سعد الدين الهلالى استاذ (الفقه المقارن) بجامعة الأزهر وقد كان من بين المرشحين لمنصب (مفتى) الديار المصريه، كذلك رأى جيد فى مسألة (الشريعه) وأحكامها، أدلى به خلال مراجعته وحواره مع د. اسمه (محمود شعبان) افتى بقتل رموز المعارضه المصريه فى جبهة الأنقاذ، قال فيه: ((الشريعة نصف من الله ونصف من العبد)) وأوضح أكثر قائلا: ((من الله (النص) وهو ثابت ومن العبد (الفهم) وهو متغير)) واستدل فى ذلك بالحديث الذى يقول أن (الصلاة مقسومة بين الرب والعبد). وما هو عجيب وغريب أن ذلك الدكتور (السلفى) الذى دعا لقتل رموز المعارضه المدنيه بأسمائهم فى احدى الفضائيات، تنكر لقوله بصورة لا تجوز فى حق انسان يدعى التدين ويظهره، وبدلا من أن يعترف بخطئه ويعتذر، صب جم غضبه على الأعلام الذى لم يفعل شيئا غير انه عكس للناس ما قاله بلسانه، لكن ما هو اعجب من ذلك أن النيابة قضت بالأفراج عنه بكفاله ماليه ضئيلة لا تتناسب مع الجرم الذى ارتكبه، وكأن الأمر اصبح عاديا فى ظل نظام يدعى تمسكه (بالدين) فمن قبل كذلك أفتى أحد (فقهاء) الأزهر بقتل المتظاهرين الذين يخرجون على الرئيس المصرى، وراوغ ولف ودار لكى يبرر فتواه، وكذلك خرج طليقا يتحدث من خلال الفضائيات من جديد. رغم كل ذلك .. لا يستطيع كائن من كان مهما بلغ علمه أن يرفض (الدين) أو التدين بصورة مطلقة أو أن ينفى ارتباطه بمعتنق روحى، حتى لو كان ذلك الكائن لا دينيا unbeliever فعدم التدين نفسه نوع من الإعتقاد طالما كان مستندا على فكر ورؤية. ومن حق أى انسان أن يؤمن بما يشاء (اله) أو (كجور) أو انسان أو بقر أو حجر أو شجر، والقرآن نفسه الذى نزل فى (مكة) يقر بذلك ويقول: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ويقول:(لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا) ويقول: (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة، ولا يزالون مختلفين). وفى ذات الوقت لا يستطيع كائن من كان أن يدعو للإباحية وللفوضى وللفساد (الأخلاقي) لكى تصبح سائدة فى مجتمع له عاداته وموروثاته وقيمه وثقافته (المحافظه)، كما تروج لذلك تيارات (الأسلام السياسى) كذبا وأفتراء، للنيل (سياسيا) من مخالفيها الليبراليين والعلمانيين، مسلمين وغير مسلمين، وتعلو تلك الأتهامات وحملات التضليل الممنهج بصورة خاصة، فى الوقت الذى يسبق اجراء انتخابات أو استفتاءات فى نظام ديمقراطى أو شبه ديمقراطى كما تابعنا فى مصر بعد الثوره، أو لكى يثبتوا قرارات حاكم ديكتاتور فاقد للشرعية والجماهيريه الحقيقيه كما فعلوا فى السودان مع (النميرى) ومن بعده (عمر البشير)، أو للدفاع المستميت ونسج (الحيل) والتبريرات التى تستخف بالعقول كما فعلوا مع القرارت غير (الدستوريه) التى تعدت على سلطة القضاء وأفقدته هيبته وأدخلت مصر فى فوضى أمنيه وأزمه سياسية، التى اصدرها حاكم منتخب مثل (مرسى) جاء عن طريق (ديمقراطى)، أوصلته لكرسى السلطه اصوات مواطنين كثيرون لا يؤمنون بفكر (الأخوان)، لكنهم رأوا بأنه أفضل (السيئين)، الشاهد فى الأمر أن (الأسلاميين) عند التطبيق ينسون القيم والمبادئ، ويصبح كل همهم (التمكين) والهيمنة و أن يستمر نظامهم ويبقى حاكمهم متشبثا بكرسى السلطة عن طريق انتخابات نزيهة أو مزوره ومزيفة مستخدما الشعارات الدينيه والتمسك (بالشريعة) فيسيئوا بذلك للأسلام اساءة بالغه .. لذلك ولكى لا يساء (للدين) أو يتاجر به، فضبط القيم الأخلاقيه فى مجتمعات (محافظة) ومعتدله، يمكن أن يتم عن طريق صياغة تشريعات وسن قوانين (وضعية) يبدعها فكر أنسانى يتوافق عليها الناس فى دولة أو مجتمع ما، مسلمين وغير مسلمين، حتى لا يستفز معتنقوا الديانات الأخرى ويشعروا بالغبن وبأنهم (غرباء) فى وطنهم وبأنهم ومواطنين درجة ثانية وربما ثالثة، كما تفعل (احكام) شريعة القرن السابع اذا كنا منصفين، والشخص المتدين المنزه عن الغرض والمصلحه الشخصيه أو الحزبية يدرك بان كلما يؤدى الى غرض الدين فهو دين حتى اذا لم يصرح به .. ومن خطل القول وعدم الأمانه العلمية والأخلاقيه، أن يقال بأن المواطن (المسيحى) لا يضار بتشريع مؤسس على تلك (الشريعة) الإسلامية أو أن يقال بأن (الشريعة) الإسلاميه تعدل مع المسيحيين ومعتنقى الديانات الأخرى وتساوى بينهم تماما وبين المسلمين، ولو كان الأمر كذلك، فلماذا يبقى ذلك المسيحى متمكسا بدينه ولا يعتنق الأسلام؟ وفى كل الأحوال من المهم أن يصدر ذلك القانون (الإنسانى) الذى اشرنا اليه دون تغول أو تعد على الحريات الشخصيه، والا يتعارض مع المواثيق الدوليه والا يختلف كثيرا عن دساتير المجتمعات الراقيه التى تحترم حقوق الإنسان وفى ذات الوقت لابد أن يراعى قيم وثقافة وتقاليد المجتمعات المتبائنه و(المحافظه)، من مكان لآخر والا يتصادم معها .. فى هذا الجانب كتب المفكر السودانى المهندس القانونى (محمد أحمد محجوب) عام 1943 قبل أن يصبح قياديا بارزا فى (حزب الأمه) الأسلامى التوجه، مقالا بعنوان (السودان الجديد)، جاء فيه: "يجب أن نكن عادلين مع الآخرين حتى يكونوا عادلين معنا .. وأن العدل لا يتوفر الا بقانون وضعى وانسانى". ولذلك فما هو مرفوض وتأكدت عمليا صحة رؤية من رفضوه ودفع الكثيرون منهم أرواحهم فى سبيل مناهضته ومقاومته، هو (المشروع) الذى يعمل على اقحام الدين فى السياسة أو فى مؤسسات الدوله والمتاجرة بذلك الدين وشريعته من اجل تحقيق هدف واحد هو الوصول (للسلطه)، والتشبث بكراسيها استنادا على فقه (شرعى) يقول (الحاكم) المسلم يبائع من (الأتباع) على المنشط والمكره ولا يجوز عزله أو اسقاطه مطلقا مهما أفسد وظلم وأستبد ولا يجب أن تحدد له فترة ولاية (حكم) كما يحدث فى الدول الديمقراطيه العريقه التى تنص دساتيرها وتقضى قوانينها أو أعرافها الراسخة على عدم أستمرار الحاكم جالسا على كرسى السلطه مهما بلغت انجازاته ومهما حظى بحب الناس، لأكثر من دورتين انتخابيتين .. (فالسلطه المطلقه مفسدة مطلقة). ولقد جرب المسيحيون من قبلنا وخلال فترة بعيدة تدخل الدين فى السياسه وفى العلم، وأتضح لهم فشل تلك التجربه لذلك نأت الكنائس بنفسها منذ وقت مبكر من التدخل فى السياسة بصورة (مباشرة) ملتزمة بتعليمات المسيح التى تقول : (ما لله لله .. وما لقيصر لقيصر)، لا كما نرى الآن يحدث فى المساجد المصريه من التيارات الإسلاميه المختلفه، من خلط شديد بين الدين والسياسة .. ولذلك نلاحظ تطورا تكنولوجيا وتقدما علميا واستقرارا سياسيا ورخاء أقتصاديا ونجاحات واضحة فى معظم الدول الغربية، التى لا يتدخل الدين فيها بصورة مباشرة فى السياسة أو فى مؤسسات (الدوله) وتتمتع شعوبها بقدرعال من الحريه السياسية والعدالة الأجتماعية وتتمتع بالأمن والرفاهية والسلام الأجتماعى ويقل فى اوساطها النفاق والظلم وتبعا لذلك يقل العنف ويسود القانون. وللأسف ومهما ثبت فشل (الفكر) الأسلاموى الذى يخلط الدين بالسياسة، فأنك تسمع للمبررات (المعلبه) والمحفوظه والتى تقول أن (المنهج) سليم والخطأ والقصور يكمنان فى تطبيق من يتبنونه، ولذلك يجب الا تتم محاكمة المنهج، بل أن يحاكم وينتقد من تبنوا ذلك (المنهج) واخطأوا، وهذه ازدواجية فى الفهم والمعايير، غير موضوعية فمن جانب تجدهم يقولون بعدم جواز عزل الحكم (المسلم) واسقاطه ومن جانب آخر يرفضون محاكمة المنهج، الذى يتبناه ذلك الحاكم الفاشل المستبد. فى هذه المسألة أجد نفسى ضد محاكمة التاريخ، لكنى كذلك ضد استدعاء التاريخ (ليحكم) الحاضر، بكلما فيه من نواقص وسلبيات وعجز وعدم اتساق أو مواءمة مع العصر وثقافته وروحه. ولا أدرى كيف يكون منهجا سليما يمكن أن يحل مشاكل الناس، طالما لم تظهر منه نماذج لممارسات ناجحة الا فى (اضيق) الحدود وعند بداياته الأولى وخلال تجربه أو تجربتين على الأكثر طيلة تاريخه الذى يزيد عن 1400 سنة، مع تجاوزنا للعديد من المواقف التى يمكن رفضها أو التحفظ عليها حتى من بين تلك النماذج المشرقه التى التزمت به، اما اذا رصدنا التجاوزات والعنف والغدر والقهر وعدم احترام العهود والمواثيق وسفك الدماء والفساد بواسطة الحكام والأمراء الذين تبنوه ومعاونيهم والفشل الذى لازمهم، فسوف تشيب روؤس الولدان من هول ما حدث. وكيف يكون منهجا سليما وصالحا لهذا العصر وهو يميز تمييزا واضحا وسافرا بين البشر بسبب دينهم (مسلم ومسيحى) وبسبب نوعهم (ذكر وأنثى)، والقصاص فى ذلك التشريع كان يقوم على مبدأ ربما كان مقبولا فى ذلك الزمان، لا يصلح أو يناسب زماننا هذا، عبر عنه القرءان بآية تقول :(العبد بالعبد والحر بالحر)؟ اى اذا قتل فى معركه (عبد) بسيف سيد (حر)، فأن القصاص يكون فى (عبد) مثله ينتقى من القبيله التى قتلته، لا فى السيد (الحر) القاتل الفعلى. وكل من حاول الدفاع عن ذلك المنهج الذى فرض على الناس فى القرن السابع والذى تسعى تيارات الإسلام السياسى لتعميمه على العالم كله فى العصر الحديث، عجز وفشل ولم يقدم دفعا مقنعا وأتجه مباشرة (لشماعة) أنه تشريع الله وحكمه ونحن مأمورون بتطبيق حكم الله وشرعه ويجب أن يتوقف الفكر فى هذا الجانب، مع أن (الأله) فى الأسلام والقرآن يطالب خلقه كثيرا بالتفكر واستخدام العقل .. وتشريع الله وحكمه كما ذكرت من قبل، هو (العدل)، وقد نزلت فى ذلك الكثير من الآيات القرآنيه ولا يمكن أن يرفض انسان مهما كانت ديانته (العدل)، وفى ذات الوقت لا يمكن أن يقال بأن العدل متوفر فى مجتمع من المجتمعات، اذا تحققت المساواة، (فقط) بين المواطنين الذين يعتنقون دينا مشتركا (الأسلام) مثلا أو فكرا مشتركا، كفكر( الأخوان المسلمين) وأنما يتحقق العدل بالمساواة الكامله بين المواطنين المنتمين لدين تعتنقه أكثرية أو أصحاب الفكر المهيمن (والحاكم) وبين المختلفين معهم الذين ينتمون لدين آخر أو فكر آخر، مهما قل عددهم، ولا يمكن أن يتحقق العدل الا اذا تمتعت تلك الأقليات بحرياتها وحقوقها السياسيه والمدنيه والدينيه كامله دون نقصان مهما كان دينهم أى أن يتمتعوا بحق (المواطنه) المتساويه وهذا ما لا تعترف به (أحكام) تلك (الشريعه) وفقهها الذى تتبناه تيارات الإسلام السياسى وأن اظهروا نوعا من تقبلهم لذلك الحق من اجل تجنب المواجهة مع المجتمع الدولى الذى يرفض التمييز تحت اى مصوغ أو من اجل الفوز فى الأنتخابات، وما هو اعجب من ذلك كله ان (المسلمين) انفسهم الذين لا ينتمون لهذه (التيارات) الأسلامويه، لا يحظون بعدالة وأنصاف وقدر من الأحترام، فى دولة تحكم فيها تلك (الشريعة) ويوصفون بأنهم كفارا ومشركين لأنهم يلتزمون فكرا ديمقراطيا أو ليبراليا أو اشتراكيا أو حتى يمينيا، كما راينا فى السودان و(التمكين) الذى أنتهجه (الأخوان المسلمون) هناك لأنفسهم وأتباعهم وحلفائهم خلال 23 سنة. نواصل ... لمراجعة الجزء الأول من الكتاب: http://www.alrakoba.net/articles-act...w-id-38269.htm