المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابراهيم منصور - نجمٌ أفل
نشر في الراكوبة يوم 06 - 05 - 2014


ابْرَاهِيم مَنْصُور – نجمٌ أفل
-1
دَائِمَا مَا يَبْدَأ إبراهيم وَصَلْته الْغِنَائِيَّة الأوْلَى، بِأُغْنِيَةٍ أثِيرَةٍ لَدَيه، مِن شعْر ( محَمَّد بَشِير عَتِيق )، يُجَمِّلُهُا بِصَوْتِه الْشَّجِي الْمُتْرَع بِالْشَّجَن، وَهُو فِي كَامِل أَنَاقَتِه الْمُمَيّزَة، تمَس أَنَامله ( الْرِّق) مَسّاً خَفِيَفاً رَشِيقَا، والكورس (هَاشِم خضْر وَهَاشِم الْحَاج)، مِن خَلْفِه يُصَفِّقَان، وَيَتَبَادَلان مَعَه الْلَّحْن بَتَناغمٍ بَدِيع. وَحَسَنَاء كَمهْر الْسَّبق، ترمح فِي قَلْب الْسَّاحَة، تَتَثَنّى تِيهاً وَغَنجَاً وَدَلالا، عَلَى إيقاع الْصَّفْقَة، وَ(البنقُز وَالطبْلة):
قُوم يَا حَمَام حَي الْغَمَام
انَا ليَّ فِيك شوق وَاهْتِمَام
اسْمعْنِي مِن شَدْوك صَدَى
أَهُو دَه الرَّبِيع نَاضِر بَدَا
وَمن الْرّيَاض يَدَا
وَشّاهَا بِي قَطر الْنّدَا ....
ثُم يَعْقُبُهَا بِرَائِعَة أُخْرَى مِن رَوَائِع شِعْر (عَتِيق ):
الْرّشيم الأخْضَر
فِي الخِديد الأنْضَر
هُم سبب آَلامِي
هُم سَبَب أَلامِي ...
مَاكَان إبراهيم يَعْلَم حِينَذَاك، أَنَّه سيكون يَوْمَاً مَا، سبباً فِي اجْتِيَاح الْحُزْن وَالألَم، قُلُوب مُحِبيه وَأَصْدِقَائِه وَعُشَّاق فَنِّه.
في ذلك الزمن الجميل،اعْتَاد نَاس حِلّتنَا، فَتح قُلُوبهم، وَأَبْوَابَ بيوتهم، بِأَريحِيَّة وَرَحَابَة صَدْرٍ لكل قادم إليها من خارج المدينة. يَتَحَدَّد بَعْدَهَا مَوْقِع ذَاك القادم مِن قَلْب مُجْتَمَع حِلّتنَا، بِمدى احْتِرَامِه لِلتقَالْيد وَالْعَادَات وَالأصُول، وَإِلا، فَالرّحيل مآله غَيْر مَأْسُوفٍ عَلَيْه.
فِي أَوَاسِط خَمْسِينَات الْقَرْن الْمَاضِي، وَالْمَدِينَة تَتَلَمَّس طَرِيقهَا نَحْو الْتَّطَور وَالانْعِتَاق مِن قُيُوْد الْبَدَاوَة وَالانْعَزَالِيّة، وما تبع ذَلِك مِن انْشَاء الدواوين، والمصالح الْحُكُومِيَّة الْجَدِيدَة، وَالتَّوَسُّع فِي الْمَصَالِح الْقَائِمَة مِن قَبْل.حينئذٍ، بدأت تصل إليها مجموعات الْمُوَظَّفِين وَالْعُمَّال القادمين مِن حَوَاضِر أُخْرَى. مِن الْخُرْطُوْم، وَالْجَزِيرَة، وَالْغَرْب الأوْسَط وَالْبَعِيد، وَالْشِّمَال وَغَيْرِهَا من مدن البلاد.
الغريب في الأمر، أَن معظم القادمين إلى المدينة، فَضَّلواْ الإقامة فِي حِلَّتنَا دُون غَيْرِهَا مِن الأحْيَاء الْقَلِيلة الْمَوْجُوْدَة آَنَذَاك. إِمَّا لبعد تلك الأحياء عن قلب المدينة، كَالخَتْمّيّة مثلاً، التي تقبع بعيداً تحت سفح الجبل، مَع شِبْه انْعِدَام لِلْمُوَاصَلات مِنْهَا وَالَيْهَا، وَإِمَّا لِعَدَم تَوَفُّر الْسَّكَن، في أحياء مثل الحلنّقة، وَالبرْنو وَالْبَرْقُو، وَالبِاشَكَاتِب، والْبُوَلَيس الْقَدِيْم. وَمَن الْبَدِيْهِي أَنَّه لا مَجَال لإقامتهم فِي غَرْب الْقَاش، أَو الْسَّوَاقِي، جنوبها وشمالها، لبعد المسافة.
وَكَم مِّن قادمٍ وَجَد فِي حِلَّتنَا إِلْفَة، وَطِيب مَعْشَر، وَأَصْبَح جُزْءً مِن الْنَّسِيْج الاجْتِمَاعِي فِيهَا، فَتَوَّج ذَلِك بِالْمُصَاهَرَة .
في تلك الأيام، جَاء إبراهيم مَنْصُور لَيَعْمَل مُمَرِّضاً بِالُمْسْتَشْفَى، وَلِيُعطِّر لَيَالِي حِلَّتنَا وَالْمَدِينَة عَلَى مَدَى عقدٍ مِن الْزَّمَان، بِأَرِيّج شَدْوِه، وَرَهَافَة حِسه، وَسُمُو أَخْلاقِه. وَلَيُصبح فِي فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ، رَقْماً مُمَيِّزَاً فِي حِلتنَا بِصِفَة خَاصَّة وَالْمَدِينَة عُمُومَا.
-2
بِالْرَّغْم مِن صَوْتِه الْعَذْب الْشَّجِي، إِلا أَن عَدَم قُدْرَة إبراهيم عَلَى الْخُرُوج مِن عَبَاءَة الْمُطْرِب ( عوَض الْكَرِيم عَبْداللّه )، أَضَرَّ بِه فِي نِهَايَة الأمْر.
لَقَد كَان وَاضِحاً إِعْجَابه بِالْمُطْرِب ( عوَض الْكَرِيم )، فِي كُل شيء، من أسلوب الأدَاء، وَالْصَّوْت، وطريقة إمساك ( الرق)، إلى تَفَصِيْلّة الملابس. نسخة طبق الأصل من ( عوض الكريم ). كل ذلك يعتبر مقبولا في البداية، إلا أن إبراهيم استطاب التقليد، ولم يحاول تطوير مستواه الفني، وتقديم أعمال غنائية خاصة به، مما أدى إلى تدهور شهرته واضمحلالها فيما بعد.
إبراهيم مَنْصُوْر، شَخْصِية بَسِيطَة خَجَوّلَة، حَتَّى ظُهُوْرِه فِي الْحَفَّلات أَخَذ مِنْه وَقْتاً، قَبْل أَن يَتَجَرَّأ عَلَى الْغِنَاء فِي الْمُنَاسَبَات، بِدَفْعٍ مِن زُمَلائِه الْمُقْتَنعُون بَحَلاوة صَوْتَه. وَبِمُسانَدةٍ من (الهاشمين)، اسْتَطَاع أَن يَتَأَلَّق، وَيَسْطع نَجْمه، وَيُصْبح الْرَّقْم الأوَّل فِي الْحَفَّلات وَالْمُنَاسَبَات الْمُخْتَلِفَة.
حِراكٌ نشِط ساد الْوَسَط الْفَنِّي وَالأدَبِي، فِي الْنِّصْف الْثَّانِي مِن سِتِّينَات الْقَرْن الْمُنْصَرِم، حيث كانت َالْمَدِينَة تَعُج بِالأدّبَاء، وَالشُّعَرَاء، وَأَهْل الْطَّرَب وَالْغِنَاء، وَالْفرق الْمُوسِيْقِيَّة والشعبية، كَفرْقَة (مصَنع الْبَصَل)، الْمُتَخَصِّصَة في أداء أغاني الْحَقِيبَة، وَالأغَانِي الْشَّعْبِيَّة، وَفِرْقَة (السِّكَّة حَديد) الْمُوسِيقِيَّة، الَّتِي كَان مِن أَبْرَز عَنَاصِرهَا الّفّنّان ابْرَاهِيم حُسَيْن، وَعَازِف الْكَمَنْجَة نَاصِر عُثْمَان، وَأبنص، وَوَرَّاق وغيرهم. وَفِرْقَة اتِّحَاد الْفَنَّانِين، بِقِيَادَة الأستاذ عبد الرحمن الْسَّيِّد. وذلك المطرب، الَّذِي كَان يَخْطُو أَوْلَى خُطُوَاتِه فِي مَجَال الْغِنَاء الشعبي وغناء الحقيبة، بِأُسْلُوب مُمَيَّز وَأَدَاء حَدِيث فَرِيد، يدل على موهبةٍ كامنة. لَم يَجِد فِي بادئ الأمْر قَبُوْلاً لَدَى الْمُسْتَمِعِين، الَّذِين كَانَت آَذَانهِم ( مُبَرْمَجَة ) عَلَى نَمَط مُعَيَّن مِن الْغنَاء. وَحَتَّى يَصِل صَوْته لِلْنَّاس، كَان يَكْتَفِي بِالْغِنَاء فِي الْحَفَّلات أَثْنَاء اسْتِرَاحَة الّفّنّان الأصْلِي لِلْحَفْل وَكَان غَالِبا مَا يَكُوْن ذَلِك الّفّنّان هُو (إبراهيم مَنْصُوْر ). كان ذلك المطرب يُقَابَل بِالاحْتِجَاج وَالْرَّفْض مِن الْحُضُوْر، إِلا أَنَّه وَبِثِقْتِه فِي مَوْهِبَته، لا يَكْتَرِث كَثِيْرَاً بِذَلِك الْرَّفْض وَالاحْتِجَاج، وكان يُصِر بِكُل جُرْأَة، عَلَى الاستمرار في الْغنَاء، ذَلِك الإصْرَار وَتِلْك الْجُرْأَة الْلَّتَان لازمَّتَاه حَتَّى لَمَع نَجْمُه فِي الْنِّهَايَة، وَأَصْبَح رَمْزاً مِن رُمُوْز الْطَّرَب فِي الْقُطْر كُلِّه.
وَكَان هُنَالِك المطرب عَبْد الْلَّه عَبْد الْقَادِر، الَّذِي أُطْلِق عَلَيْه اسْم ( الِبَعيو )، لِقِصَر قَامَتِه، وَهُو يَشْدُو بِالأغَانِي الْتُّرَاثِيَّة، وَأَغْنَيتَه الْمَشْهُوْرَة الْمَطْلُوبَة فِي الْحَفَّلات دَائِمَا ( سِت الْوَدِع )، يجمّلها بحَرَكَاتِه الْمُصَاحَبَة لِلإيْقَاع الَّتِي تُثِير إِعْجَاب الْنَّاس.
و( الْتَّاج مَكّي )، بِعَزْفِه الْمُتَفَرِّد عَلَى الْعُوُد، وَتَأَثُّرِه الْوَاضِح فِي بِدَايَاتِه، بأسلوب الّفّنّان ( مُحَمَّد الأمين )، فِي الْعَزْف وَالأدَاء، حَتَّى كُوْن ثنَائِيَّتِه وَالْشَّاعِر ( اسْحَق الْحَلَنْقِي )، وَتَحلِيقِه مِن بَعْد فِي سَمَاء الْفَن وَالشُّهْرَة بِأَغَانِيه الْخَاصَّة.
والْفَاتِح عوَض كَسلاوِي، ابْن خَالَة الْشَّاعِر عوَض أَحْمَد خَلِيفَة، وَالَّذِي أَصْبَح فِيمَا بَعْد ملحناً مَشْهُورَاً و قَائِدَا لاورْكِسترا فِرْقَة سِلاح الْمُوسِيقَى.
وكَان هُنَالِك أَيْضا، عُمَر عَبْد الْلَّه الْشَّاعِر، الَّذِي بَدَأ مَادِحاً، فِي مَعِيَّة وَالِدِه الصُّوْفِي الْمُتَشَدِّد، وَمَن ثُم تَعَلَّم الْعَزْف عَلَى آَلة الْعود سرَّاً، وَبَدَأ يُغْنِي فِي الْحَفّلات، ثم بِانْتِقَالِه إلى الْخُرْطُوْم، تسلق سلم الشهرة بألحانه البديعة.
مِن بَيْن كُل هَؤُلاء، كَان (إبراهيم مَنْصُوْر) هُو سَيِّد الْسَّاحَة الْغِنَائِيَّة بِالْمَدِيْنَة دُون مُنَازِع .
-3
كَان بِإِمْكَان ابْرَاهِيم أَن يتواصل مع عمالقة شعراء الأغنية من أبناء المدينة،كالأستاذ ( كَجَرَاي )، والأستاذ( إسحاق الْحَلَنْقِي )، الَّذِين ضمخوا بأريج رَوَائِعَ أشعارهم، الْسَّاحَة الْغِنَائِيَّة عَلَى الْمُسْتَوَى المحلي والْقَوْمِي، وتغنى الْعَدِيْد مِن الْمُطْرِبِين بِأَشْعَارِهِم، الَّتِي فتحَت لَهُم أَبْوَاب الْنُّجُومِيَّة عَلى مِصْرَاعَيْهَا. وَرْدِي، الْتَّاج مَكّي، ابْرَاهِيم حسين، .. وَغَيْرِهِم.
وَ من المؤكد أنهم لن يبخلوا علي إبراهيم بأشعارهم، ليَقْتَفِي أَثَر الآخِرِين، وَيُبْرِز مَوْهِبَته بِأَعْمَالِه الْخَاصَّة، لَكِن، يَبْدُو أَنَّ إبراهيم اكْتَفَى بِمَا وَصَل الَيْه مِن شُهْرَة مَحَلِّيَّة، إلى جَانِب قُصُور مَدَارِكَه وَالّذِين مِن حَوْلِه، فلم يحاول الاستفادة من وجود هؤلاء المبدعين. لِتُصِيْبَه الْحَسْرَة فِيْمَا بَعْد، وَهُو يَرَى مجايليه مِن المطربين، قد شقُّوا طَرِيقهِم، بطموحهم واجتهادهم، إلى قِمّة الْشُّهْرَة وَالْمَجْد، فِيمَا هُو ( مَحَلَّك سِر).
وَبَدَأ الْعَد الْتَّنَازُلِي لأيَّام الْشُّهْرَة وَالنُجُومِيّة، وَحِزْمَةٌ مِن الأزَمَات النَّفَسْية تُصِيب إبراهيم. زَادَهَا عُمْقَاً مَا أَصَابَه مِن مَرَضٍ غَيْر مَعْرُوْفَة أَسْبَابه، ظَهَر فِي هَيْئَة تَعَرُّقٍ دَائِم بِكَفَّيِّه، حَتَّى أَنَّه يُضْطر فِي بَعْض الأحْيَان لإيقاف الغناء، حِيْن يَتَشَبَّع سَطْحَ الرِّق بِالْعَرَق، وَيُصَدِّر أَصْوَاتَا تُخَالِف الإيقَاع، ( يْتَخْتِخ )، فَيهْرع أَحَد الْهَاشمْين إليه لِتَجْفِيف كَفَّيِّه، وَتَغْيِير الْرّق بِآَخَر.
سَافَر إبراهيم عِدَّة مَرَّات إلى الْعَاصِمَة لِعِلاج هَذِه الْحَالَة، وَمَع الْعِلاج الْمُكَثَّف، خَفَّت حِدَّة الْتَعَرُّق، وَإِن لَم يَخِفّ أَثَرُهَا الْنَّفْسِي، الذي بات واضحاً في ضعف حباله الصوتية، والحشرجة التي أصبحت تلازمه بين فترة وأخرى وهو يغني.
وَمِمَّا زَاد فِي أَزمّتَه النَّفَسية، حكاية مؤسفة رَوَاها لِي أَحَد أصدقاء إبراهيم الْمُقَرَّبِين، والتي حدثت عندما زَارَ ذلك الْمُطْرِبِ الَّذِي كَانُ يَتَصَيَّد اسْتِرَاحَة إبراهيم بَيْن فَوَاصِل الْغِنَاء أَيَّام شُهْرَتِه وَتَأَلُّقه، لِيُقَدِّمُ نفسه لِلْجُمْهُور. ذَلِك الْمُطْرِب والذي حَاز شُهْرَة وَاسِعَة بَعْد هِجْرَتِه إلى الْعَاصِمَة، َوفِي إحدى زَياراتِه لِلْمَدِينَة، عرج عَلى إبراهيم فِي مَنْزِلِه، واستهلَّ زيارته تلك بعبارةٍ تهكميةٍ أدمت قَلْب إبراهيم:
- يَا ابْرَاهِيم انْت لِسَّه سَاكِن فِي بَيت الْطِين المكَسَّر دَه ؟ وَلِسَّه بِتْغسِّل هُدُوُمك فِي الْطَّشْت ؟ الخلا عليك
فِي هَذِه الْفَتْرَة الْعَصِيبَة الَّتِي أَلْقَت بِثقلهَا عَلَى إبراهيم، وَمَع بِدَايَة انْحِسَار الأَضْوَاء عَنْه، قَيَّض الْلَّه لَه أَحَد أَبْنَاء الْمَدِيَنَة، والَّذِي كَان يَتَبَوَّأ مِنْصباً رَفِيعَاً بِمَصْنَع نَسِيج (الحصَاحِيْصا). َكَان الرجل مِن الْمُعْجَبِين بغناء إبراهيم. أشفق عليه حين ألمّ بحالته، فَعَرَض عَلَيْه الْذَّهَاب مَعَه، وَالْعَمَل بِالْقَسَم الْطَّبِّي التابع للمصْنع. وَبِمَا أَن ابنه الَّذِي أَنْجَبَه مِن صديقته الأثْيُوْبِيَّة، أَخَذَتْه أُسْرَتِه، لِيَعِيش مَعَهَا فِي مَسْقَط رَأْسِه ( شَنْدي )، بَعْد سَفَر صديقته لدولة أوربية ما، وَتخَلِّيَها عَن ابْنَهَا. لذا أَصْبَح لاشيء يَرْبِطه بِالْمَدِينَة، فقَبل الْعَرض الْمُقَدّم لَه، وَغَادَر الْمَدِينَة مودَّعاً بدموع أصدقائه ومحبيه.
فِي الحصَاحِيصا، اعْتَاد أَن يَذْهَب إلى الْنَّهْر صَبِيّحَة كُل جُمعَة، يُمَارَس هوَايَته المحببة والتي يجيدها، الْسِّبَاحَة وَالغَطس. وَيُغْنِي لِبَعْض رِفَاقِه الَّذِيْن يَغْتَنِمُون الْفُرْصَة، لِلْتَرْوِيح عَن أَنْفُسِهِم بِالسَّبَّاحَة وَالْغِنَاء وَالْطَّرَب.
فِي يَوْم جُمعَة مَا، أواخر سبْعِينَات القرن الماضي، نَزَل إبراهيم إلى الْنَّهر، سَبح قَلِيلا، ثُم غَطَس كَعَادَتِه، وَكَانَت تِلْك هِي الغَطْسة الأخِيرَة. (رحمه الله)
انتهى
بعد سنوات عديدة وهو يواجه فرقة لاطلاق النار كان000 يتذكر بعد ظهيرة احد الايام عندما اصطحبه والده لاكتشاف الثلوج
وخلال السنوات اللاحقة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.