السودان يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسئولياته تجاه ممارسات المليشيا المتمردة في الفاشر وإدانة جرائمها الوحشية    خالد سلك: النظام السابق هو العائق الأساسي أمام السلام — والجيش قطع علاقته بإيران    السودان يدعو العرب لدعم إعادة تعافي القطاع الزراعي في الاجتماع الوزاري المشترك الثالث بالقاهرة    بنك الخرطوم يعيد تشغيل فرع الكلاكلة: إيذانًا بعودة الحياة الاقتصادية    بوتين: روسيا وسوريا تتمتعان بعلاقات خاصة منذ عقود    القاعدة المريخية تترقب "تعيين التسيير .. وتوقعات بأسماء جديدة    شاهد بالفيديو.. بلة جابر يكشف عن اللاعب "الشفت" في الكرة السودانية    مجازر مليشيا الدعم السريع المروعة في الفاشر ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية    بحثا آفاق التعاون المشترك بين البلدين – البرهان والسيسي يعقدان جلسة مباحثات ثنائية بقصر الاتحادية    القوز يطلق صافرة إعداده للموسم الجديد    راقبت تعليقاتهم على مواقع التواصل.. إدارة ترامب تفاجئ 6 أجانب    هلال سنار يوقع عقد إنشاءات استثمارية جديدة امام رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة    تدمير راجمة صواريخ لمليشيا الدعم السريع المتمردة كانت تقصف المواطنين بالفاشر    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: «كوشيب» مرآة منظومة الإنقاذ في السودان    قبل صدام الكونغو الديمقراطية.. تصريحات صادمة لمدرب منتخب السودان    قادة عسكريون يكشفون أسباب محاولة اغتيال كيكل    الجيش يوجّه ضربة موجعة جديدة للميليشيا    المريخ يواجه التحدي الليبي في ثاني تجاربه الإعدادية ببنغازي    وفاة صحفي سوداني    قرارات مهمة لنادي الهلال السوداني    مَا تطلِّعُوه لينا (بَطَل)    إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستعادة البيانات    الموت يغيب الفنان السوداني علي كايرو بعد يومين من إعلان توبته والحزن يخيم على مواقع التواصل الاجتماعي    الهلال إلى نيروبي لمواجهة البوليس الكيني    لجنة أمن ولاية نهر النيل: القبض على مطلق النار بمستشفى عطبرة والحادثة عرضية    شاهد بالفيديو.. بمشاركة عدد من المطربين بقيادة "فرفور".. المذيع أحمد العربي يبدأ مراسم زواجه من الصحفية لينا يعقوب بحفل "حنة العريس"    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء ضيقة ومحذقة.. حسناء سودانية تقتحم المسرح وتدخل في وصلة رقص مثيرة مع الفنانة توتة عذاب والجمهور: (فك عرش واضح واستعراض للجسم)    تعيين محافظ جديد لبنك السودان    ترامب: أميركا مع السيسي دائما    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة تهاجم الناشطة "ماما كوكي": (تسببتي في طلاقي وخربتي بيتي..ما تعمليني موضوع وتلوكيني لبانة وشريف الفحيل دفعتي)    تقرير الموارد المعدنية: 909 ملايين دولار حصيلة الصادرات    ترامب : أنجزنا المستحيل والدول العربية والإسلامية شركاء في السلام    الفنان علي كايرو يكتب رسالة مؤثرة من سرير المرض: (اتعلمت الدرس وراجعت نفسي وقررت أكون سبب في الخير مش في الأذى وشكراً الشعب السوداني العظيم) والجمهور: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)    قوات الطوف المشترك شرق النيل تدك اوكار الجريمة بدائرة الإختصاص وتوقف (56) أجنبي وعدد من المتهمين    حاج ماجد سوار يكتب: كيف يكتمل تفكيك المليشيا (1)    انا والسياسة الاقتصادية والكورنة    السفارة القطرية: وفاة 3 دبلوماسيين في شرم الشيخ بمصر    وزير المعادن يترأس اجتماع مناقشة الخطة الاستراتيجية لتأمين المعادن ومكافحة التهريب    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    احبط تهريب أخطر شحنة مخدرات    هل انتهت الحرب؟    منة شلبي: «حاجة كبيرة جدا وأنا لسه صغيرة عليه»    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    ويسألونك عَن فَرفور    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    الدولار يبتلع الجنيه السوداني.. أزمة اقتصادية بلا كوابح    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    حادث مرورى لوفد الشباب والرياضة    عملية أمنية محكمة في السودان تسفر عن ضبطية خطيرة    السودان..محكمة تفصل في البلاغ"2926″    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضبط شخص بالإسكندرية ينصب على المواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اساتذة فى الذاكرة
نشر في الراكوبة يوم 17 - 10 - 2014

فى رحلة التدرج الطويلة و المستمرة نحو المعرفة و الممتدة طوال العمر،تلعب المدرسة بمراحلها المتعددة قبل الألتحاق بالجامعة دورا اساسيا و رائدا .يساهم فى اثراء تلك المرحلة المبكرة من الحياة عدد كبير من الأساتذة و الموجهين ، لكن من كل هؤلاء المعلمين يلتصق أسم واحد منهم فقط بذاكرة المتلقى و يظل كبؤرة ضوء لا يبارحها. من شاكلة تلك الأسماء التى ترسخ فى الذاكرة استاذى بابكر أحمد موسى أستاذ مادة التاريخ.
الزمن النصف الثانى من ستينات القرن الماضى،المكان مدرسة المؤتمر الثانوية بامدرمان و التى حملت أسم مؤتمر الخريجين الذى قام بتأسيسها ابان حقبة الأستعمار.فى ذلك الزمن كانت المدارس منارات للعلم مناهجا و اساتذة،بل كانت المدرسة مؤسسة مكتملة تمد المنتمى اليها بكثير من المعارف الثرة و التجارب التى تساهم فى تنمية وعيه و اثراء وجدانه.
مدرسة المؤتمر الثانوية التى قام بتأسيسها مؤتمر الخريجين كانت واحدة من تلك المدارس الرائده،ناظر المدرسة أو مديرها فى تلك الحقبة كان مربى الأجيال العظيم الطيب شبيكة والد زملاءنا فى نفس المدرسة ( رشاد و فارس )، و هو الذى حول المدرسة و بتطبيق ديناميكى الى مؤسسة تعلمية،ثقافية،اجتماعية و رياضية لا يستطيع الدارس بها الأبتعاد طيلة مراحل دراسته.
المدرسة فى تلك الفترة كانت تضم كوكبة من الأساتذة الأفذاذ السودانيين و الأجانب،نذكر منهم استاذ النضيف نائب الناظر الذى عمل لاحقا بجامعة الخرطوم، استاذة مادة العربى بدوى طيب الأسماء،استاذ مادة الدين شيخ العقلى،الأستاذ عربى الذى يدرس مادة التاريخ، الأستاذ محمد الزبير الرشيد استاذ الفنون و المريخابى المتعصب، استاذ الرفيع مادة الفيزياء و الذى عمل لاحقا سكرتيرا لامتحانات السودان.من الأجانب استاذ العلوم الفلسطينى سمير، و مدرس التربية البدنية المصرى الأستاذ على،و مدرسى اللغة الأنجليزية مستر " كوك " و مستر " شو ".فى التدريب العسكرى فقد كان هنالك الصولان العشا و الأمين بالأضافة الى استاذ مادة الموسيقى الأستاذ الصول عبدالقيوم و قد كان لاعبا مشهورا فى فريق الموردة الرياضى فى فترة الخمسينات.
الأستاذ بابكر أحمد موسى كان هو أستاذنا فى الصف الثانى الذى انتمى اليه، وكان يقوم فى تلك الفترة بتدريس مادة تاريخ أوربا
الدراسة فى ذلك الوقت كانت باللغة الأنجليزية قبل تعريب المدارس الذى جاء لاحقا فى حقبة مايو عام 1969 عندما كان محى الدين صابر وزيرا للتعليم.الأستاذ بابكر كان مثقفا من الطراز الأول و موسوعيا،يوصل مادته الى عقولنا الطرية بشكل سلس و مبسط لكنه رفيع، كانت دروسه تفتح ابواب المعرفة و التساؤل الدائم وهو دائم الأستعداد للأجابة عن تساؤلاتنا المنهمرة المتعطشه للمزيد من المعرفة.كنا نحن الأربعين طالبا لا نتغيب مطلقا عن حصصه.
كانت له طريقة متفردة فى التدريس،يلقى بدرسه فى النصف الأول من الحصة و من ثم يفتح الباب للنقاش و الأسئلة،العشرة دقائق الأخيرة فى الحصة فقد كانت مخصصة للأدب و موضوعه المفضل شعراء الجاهلية الصعاليك.
كان حينما يتحدث عن تاريخ أروبا و يحلل الوقائع تشاهد الأحداث مجسمة تتحرك امام ناظريك،لا تستطيع حتى الألتفات،استقينا و تعلمنا منه المنهج الموضوعى و الجدلى لدراسة التاريخ. عرفنا الأسباب و الجذور الحقيقية للنزاعات و الحروب فى اروبا و العالم، منه فهمناتقسيم العالم وفقا للمصالح بين القوى الكبرى و طموحات الدول الاستعمارية،كان يفعل ذلك مع احترام كامل لعقولنا الفتية و كنا نبادله نفس الأحترام.
حديثه عن الأدب العربى كان يفتح لنا نوافذ جديدة بقراءات لم نعهدها من قبل، و باختيار نصوص لم نتعرف عليها خاصة تلك المرتبطة بشعراء العرب الصعاليك.تعرفنا منه على اولئك الشعراء و عشنا فى عصرهم، الشنفرى،تأبط شرا،السليك بن السلكة و عروة بن الورد،حكى لنا عن رؤيتهم و أحلامهم فى عالمهم الصغير المسيج بقيم القبيلة و التقاليد التى ليس منها فكاكا.عندما يضرب الجرس معلنا انتهاء الحصة كنا نحس بالضيق و الغضب و نطالب بالمزيد. من تلك الدروس بدأ ت اولى خطواتنا فى معرفة " الدنيا " امتدادا لأختيار الدروب الصحيحة نحو الأنتماء لقضايا البسطاء و محاولات تغير الواقع نحو الأحسن.
علمنا لاحقا و نحن نحاول التعرف عليه أكثر، أن الأستاذ بابكر لم يكن منفصلا و منعزلا بافكاره يهوم فقط فى بطون الكتب و دنيا الشعر، فقد كان من أوائل المنتمين لحركة التحرر الوطنى ابان نهوضها فى بديات خمسينات القرن الماضى نحو التحرر و الانعتاق من الأستعمار و مشاركا بفعالية فى أحداثها و تعرجاتها.
بابكر أحمد موسى كما علمت من شقيقى هلال زاهر الساداتى صديقه الشخصى، من مواليد سوق الشجرة بامدرمان عام 1924 و تخرج من كلية غردون عام 1943، سكن لاحقا العباسية جوار ميدان الربيع حتى وفاته 2005.كان منزله يمثل مكتبة كاملة مكتظة بكل انواع كتب المعرفة فى جميع المجالات كما كان عالما فى اللغة العربية و مرجعا و حجة فى الشعر،الأدب و البلاغة.كان اديبا،شاعرا و مؤرخا ،ألف عددا من الكتب منها ( تاريخ المهدية و التركية فى السودان )، ( الفلاح الفصيح )،ديوان للشعر باسم ( فى الظلال ) و عدد من المسرحيات.تفرغ فى آواخر أيام عمله بوزارة التربية و التعليم للكتابة و كان ذلك فى زمن الأستاذ محمد توم التجانى.
التقيته ابان حياتى العملية فى بداية ثمنينات القرن الماضى فى شارع الجمهورية و اصريت على حضوره الى مكتبى الذى لم يكن بعيدا. طلبت منه أن يجلس على المكتب و أن أجلس أنا على الأريكة فرفض فى حزم و لكن فى رقة، فجلست محرجا على مكتبى.حدثنى عن مشاريعه و عزمه على تأليف كتاب عن البلاغة فى الأدب العربى ثم عرج فى حديثه متناولا مواضيع كثيرة و شيقة.جلست أستمع اليه كطالبه القديم،نفس الحكى،اللغة الفخمة البسبطة و ابتسامته التى تكسو وجهه، معيدا امامى شريطا من الذكريات و مجسدا أمامى جيلا من عظماء الرجال العلماء الأفذاذ.لم التقيه بعد ذلك حتى وفاته التى عرفتها عن طريق الصدفة.
الأستاذ بابكر أحمد موسى قد تعلمنا منك،النهل من المعرفة أينما وجدت،احترام الآخرين و الاستماع اليهم،حكمة البحث و التساؤل الدائم و من ثم الأنحياز الى قضايا و هموم بسطاء الناس،لك الرحمة و المغفرة.
عدنان زاهر
اكتوبر2014
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.