حينما وصل الرئيس المشير البشير، إلى مطار الرياض، ووجد جلالة الملك سلمان يقف في انتظاره على سلم الطائرة، كان ذلك مؤشرا على أن هذه الزيارة ليست عادية.. لن يتضح ذلك إلا إذا عرفت أن من قابل الرئيس اليمني هادي منصور، في ذات المطار لم يكن سوى الأمير محمد بن سلمان نجل الملك ووزير دفاعه. المفاجأة الثانية التي كانت تنتظر البشير في الرياض كانت مأدبة طعام حاشدة.. الملك سلمان حشد جمع كبير من الوزراء والأمراء.. كان ذلك يعني فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الخرطوموالرياض.. ولكن قبل ذلك يجب الإقرار أن ثمة تغيرات جوهرية طرأت في العلاقة بين البلدين.. المشير البشير، قدم السبت حينما أقدم على قطع العلاقة مع إيران دونما أن يتبين ما سيكسبه لاحقا.. التطور الأكبر كان في المملكة السعودية.. الملك الجديد الأكثر تدينا يهتم أكثر بالخطر الشيعي ولا يرى في الإسلام السياسي السُني خطرا كبيرا.. بل إن التغييرات الوزارية التي أعقبت وفاة الملك عبدالله استهدفت الإطاحة بالنخبة الليبرالية والاستخباراتية التي وضعت خططا مناهضة نتائج الربيع العربي. التغيير الجديد في المملكة السعودية أبرزه الاستقبال الحافل للرئيس التركي رجب أوردغان الذي اختلى بالملك الجديد.. فيما كان ولي العهد السعودي الأصغر الأمير محمد بن نايف يمارس دبلوماسية الشباب حينما اجتمع مع الأمير القطري الشاب تميم بن حمد.. هاتان الدولتان لديهما علاقة متميزة مع الخرطوم وغرام غير مخفي مع حركة الأخوان المسلمين.. حتى غياب الملك سلمان من قمة دعم الاقتصاد المصري تعطي مؤشرا لنظرة الملك الجديدة للأوضاع. في تقديري أن الرئيس البشير حينما وصل الرياض كان كمن يبحث عن ثغرة في سور عال ليلج منها إلى المحور العربي المحافظ.. ولكن لحُسن حظه وجد من يفتح له الأبواب مع ابتسامة ترحيب.. لم تكن السعودية محتاجة لسلاح الجو السوداني ولا كتائب سودانية لتخوض حرب اليمن.. كانت المملكة تحتاج للاطمئنان أن السودان أوصد الباب بشكل نهائي في وجه إيران.. الإجابة على هذا الهاجس لم تستغرق غير أن يكمل جلالة الملك طلبه بأن يكون السودان عضوا فاعلا في التحالف الجديد. في تقديري أن الانخراط في التحالف الجديد كان من الناحية السياسية أمر معقول ومقبول.. إلا أن السودان تعجل في الاستجابة.. حتى هذه اللحظة لم يعلن البرلمان مصادقته على إعلان إرسال جنود سودانيين كما تقتضي المادة 91( ز ) من الدستور والتي تقول إن إعلان الحرب يقتضي مصادقة البرلمان.. التبرير الذي أوردته الدبلوماسية السودانية أن المشاركة في الحرب من اجل حماية أمن المملكة العربية لم يكن موفقا وإن تم ربط ذلك بالحرمين الشريفين.. كان من الأوفق ربط ذلك بأمننا القومي والحفاظ على الشرعية الدستورية في اليمن. بصراحة.. السودان اتخذ القرار الصائب ولكن قدم مبررات خاطئة. التيار