الإنسان الجنوبي حتى وقت قريب كان ما يميّزه عن انسان باقي المجتمعات السودانية من حوله هو حرِصه الشديد في الحفاظ على قِيّمه المَوروثة من الاندثار، وهي قِيّم متمثلة في الصدق والأدب والأمانة، والمسؤولية، والأخلاص والاخلاق الحميدة، بالاضافة الي الكرم الذي عرف به كل القوميات السودانية. الصحيح ان الصفات المذكورة بصفة عامة هي أصيلة في ثقافة جميع اهل السودان دون استثناء، ولكن الجنوبيين كانوا على حرص زائد في الحفاظ عليها، فاشتهروا وسط اقرانهم بالإستقامة لدرجة انهم اصبحوا مضرب مثل في كل المؤسسات التى عملوا بها في الدولة السودانية قبل الانفصال، فكان من الصعب جداً للمرء تمرير اجندات او أُمُور ملتوِية خاصة به في مؤسسة ما وجنوبى طرف في ادارتها، او جزء من موظفيها. هكذا عُرِفْنا نحن الجنوبيين بين الناس، لانه حتى الحروبات التى خضناها مع كل انظمة المركز والتى تعاقبت على حكم السودان لم تغيّر من قِيّمنا ومورثاتنا شيئاً بل بقينا عليها حافظين حتى في اهلك اوقات المعاناة في تاريخنا النضالى، فما ألذي تغيّر بعد ان اصبحنا دولة حتى نشهد كل هذه الانتكاسة المُخْزِية في قيمنا المعهودة؟ فجنوبيو اليوم لا يشبهوا جنوبيو أمس القريب في شيء ، فلقد انقلبت كل موازين القيم والاخلاق رأساً على عقب في دولتنا الوليدة بطريقة هستيرية تدعو للدهشة والحيرة معاً! واصبحنا مضرب مثل لمفاسد الدنيا ورذائلها من مشارق الارض الي مغاربها بجدارة لا نحسد عليها، فما ذُكِرَ جنوب السودان اليوم بين العالمين الا ومعه اخبار القتل والفساد والنهب والسرقة وكل انواع الإجرام المختلفة، وكم حزنت لمنظر السرقات التى طالت حتى لوحات الطاقة الشمسية المربوطة على الإشارات الضوئية المرورية في تقاطعات الطرق الرئيسية بمدينة جوبا، وهي اشياء يفترض ان تكون آخر ما يفكر فيها اللص الجنوبي نسبة لاهمية هذه اللوحات للاشارات المرورية لانها تغذي البطاريات التى تعمل بها بالطاقة الكهربائية، ويستفيد رواد الطريق من من خدماتها، فما الذي اصابنا ايها القوم؟ فشماعة الحرب القائمة في البلاد ليست بمبرر للحضيض الذي بلغناه في الاخلاق، فكثيرة هي الحروب التي خضناها ولنا تجارب وخبرة طويلة معها ولا يمكن لها ان تغيرنا وتجردنا بهذه السرعة من قيمنا وتلبسنا هذا الوجه القبيح الذي لا يشبهنا بالمرة كما هو الحال اليوم ، عودوا لعهدكم وقِيّمكم يرحمكم الله. ألقاكم سايمون دينق [email protected] جوبا / جنوب السودان