الكثير من التعاسة التي يعاني منها البشر اليوم تعود إلى خطأ جوهري في نماذج التفكير التي قامت عليها العلوم، والتي تقول بأن الطبيعة وجود مكتفي بذاته؛ وهي الصورة الأولية والكلية والنهائية للوجود. وهذا التصور الناقص هو نتيجة لميل الانسان (الذي صار طبيعي) لتغليب وعيه الحسي على وعيه الروحي. ان ما نقوم به هنا هو تقويم لوعي الانسان في محاولة لموازنة بين الوعي الروحي والوعي الحسي وذلك عبر تقديم حلول فكرية وممارسات عملية تحقق للبشر شيئاً من الطمأنينة والسعادة وشيئاً من اليقين. هنا نقدم طريق ثالث للعقل والنفس. طريق يتوسع فيه وعي الإنسان. في طرحنا هذا سنقدم منظور لا يخلو من الجدة عن العالم، حيث قسمناه إلى قسمين عالم الممكنات وعالم الكائنات المتحققة. وهذه مواضعة. المواضعة ليست الحقيقة ذاتها ولكنها إتفاق على أن تلك هي الحقيقة حتى إشعار آخر. إنها إتفاق على أن الأشياء تبدو كما هي ونتفق عليها على سبيل المواضعة والتوافق. وهكذا يمكننا القول بأن النماذج المعرفية عن الكون والتصورات القائمة اليوم هي كذلك مواضعة وليست نهائية! علينا أن نهيىء أنفسنا لنقلة جديدة في نماذجية الوعي البشري (Paradigm Shift). وأول مدخل لهذا "البارادايم الجديد" هو إعادة صياغة مناهج علم النفس لتشمل البعد الروحي أو الغيبي للنفس البشرية. فالبشر لديهم مكون خارج أطر المعرفة العلمية الطبيعية الحسية. لدى البشر قابلية للتعامل والتواصل مع أشكال أخرى من الوجود الحي العاقل الفعال والمؤثر في حياتنا. ولكن هذا البعد الغيبي للإنسان ما زال غارقاً في الذاتية والإمكانية ويحتاج إلى عمل يخرجه إلى حيز المعرفة الحسية العقلية. و لن يتحقق ذلك إلا عبر تطوير العلوم الإنسانية وتطوير الآليات غير الحسية (ما يعرف بالحاسة السادسة أو الحواس الروحية الخمس الموازية لحواسنا الطبيعية). ويتحقق ذلك بإخضاع الظواهر الروحية للتجربة العلمية المضبوطة بمناهج العلوم الطبيعية الحديثة. كما ذكرنا آنفا، يقول المثاليون المتافيزيقيون بأن النشاط والحركة في الكون القائم على الحرية والإبداع ناتج عن الأساس الروحي للكون. وبالرغم من ملاحظتنا لحكم الضرورة القاهر لمعظم مظاهر الطبيعة إلا أن طبيعة الإنسان بخلاف ذلك. إن نشاط الروح الإنساني من نشاط الروح الجامعة لهذا الكون! وهذا نراه ظاهراً في الوجود الإنساني الذي يحن للروحانية وللخلود والمطلق والأزلي الذي يجد فيه اليقين والطمأنينة لأنه يتوافق مع طبيعته الباطنية. كل ذلك يعطي الحياة معناها ويعطي الوجود طعمه ويجعل البشر أكثر سعادة وأكثر يقيناً. وهذا هو ما نسعى لتقديمه للناس لعلهم يسعدون. [email protected].com