ست سنوات بالتمام والكمال هو عمر جمهورية جنوب السودان المستقلة، عقب الإستفتاء الذي تم إجراؤه في العام (2011) واختار فيه الجنوبيون إقامة دولتهم المستقلة، بنسبة تصويت عالية فاقت التسعون بالمائة من جملة أصوات الناخبين. لكن واقع الحال اليوم يقول أن حوالي (3.5) مليون جنوب سوداني شردوا من ديارهم، فيما لا تزال أسر عشرات الآلاف الذين قضوا نحبهم جراء الحرب الاهلية تبحث عن الأجوبة، وتتطلع ليوم تضع فيه الحرب أوزارها، بعد أن اندلعت في ذلك البلد الوليد عشية الإستقلال، ونتيجة لصراعات الساسة التي سرعان ما تحولت إلى صراع إثني بغيض، قضى على أمنيات الجنوبيين في مستقبل أفضل في بلادهم الغنية بالنفط والموارد الطبيعية. ومن عجائب الأمور أن يصير هذا البلد إلى مجاعة، جعلت المراقبون في حيرة من أمرهم وهم يصنفونها كمجاعة من صنع الإنسان، فهل كان رحيل عراب الحركة الشعبية د.قرنق في الثلاثين من يوليو من العام (2005) هو نذير تشرذم وتفرقة بين رفاق السلاح في سنوات الكفاح المسلح، والتي تجاوزت العقدين من الزمان؟ ما يحدث في الجنوب يطرح أسئلة تلو أخرى دون أن يعرف الجنوبيون لها سبيلاً للإجابة، فالمزارعون يتضورون جوعا لأنهم ببساطة لا يستطيعون الذهاب إلى مزارعهم، وأصبح ذهاب الأطفال للمدارس مستحيلاً في ظل الحرب الطاحنة والقتل على الهوية. وعلى الرغم من محاولات الأسرة الدولية والمنظمات الإقليمية الأفريقية لرأب الصدع، وتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتقاتلين، لا تكاد تهدأ أصوات البنادق، إلا تعلو من جديد، وتعود الإمور إلى أسوأ مما كانت عليه. لتظل جمهورية جنوب السودان في بؤس مقيم، ويتواصل سيلان الدم والدموع في ذلك الجزء من العالم، الذي لم يعرف السلام إليه طريقاً ولا سبيل. وعلى الرغم من حديث بعض المراقبين مؤخراً عن عزم الحكومة الجنوب سودانية على اجتراح حلول صعبة وجريئة، من قبيل تنحي الرئيس سلفاكير عن السلطة، وتسليمها لشخصيات تجد قبولاً أوسع وسط المواطنين، وتحقن دماءهم، لا يلوح في الأفق ما يبشر بذلك، بل هي محاولة النظام للتعايش مع الوضع، واعتماد الحلول الأمنية لكل ما يطرأ من مشكلات. إن عقلاء الجنوب الذي أنجب قرنق ديمابيور وباقان اموم ونيال دينق وابيل الير وغيرهم أمام مهمة تاريخية، ومصيرية، وهي أن ينهضوا لإيقاف هذه الحرب، التي تحولت من صراع على السلطة والمكاسب الشخصية، إلى حرب إثنية لا تبقي ولا تذر، ولا تستثنى في طريقها عدواً ولا صديق. وعلى الحركة الشعبية كحزب أن تستدعي أدبيات مؤسسيها، وهم يحلمون بسودان التعايش من حلفا إلى نمولي – ما قبل استقلال الجنوب - وعليهم أن يستدعو كلمات الراحل قرنق، وبريق عينيه الساطع، حين يتحدث عن صناعة نموذج سوداني تحتذي به أفريقيا كقارة، في النهوض من وهدتها، ويحتذي به العالم في صناعة المستحيلات. صحيفة الأيام [email protected]