الصورة المرفقة تعد أحد أشهر اللقطات المصورة ، من التي أرخت لانتفاضة جماهير الشعب السوداني في 26 مارس – 6 أبريل ، والتي بواسطتها استطاعت جماهير شعبنا العملاقة هزيمة النظام الديكتاتوري المايوي وتمريغ أنفه في التراب، بعد فترة امتدت لستة عشر عاماً عجافاً، أذاق فيها السفاح جعفر النميري، الشعب السوداني مرً العذاب طيلة سنوات حكمه. بذل قسم " منوعات الأحد " في الميدان جهوداً مكثفة للوصول إلى تلك الفتاة التي تظهر في الصورة، والتي سميت (بفتاة الانتفاضة) وسعى للتعرف عليها، حتى تكللت مساعيه بالنجاح حيث تم جمع حصيلة وافرة من المعلومات عنها نلخصها في الآتي:- هي أمل عبد الله الطاهر، خريجة كلية التجارة بجامعة القاهرة الفرع سابقاً، والحاصلة على ماجستير علوم التنمية من جامعة الخرطوم، والموظفة بوزارة المالية التي فصلت عنها لما يسمى بالإحالة للصالح العام، والتي امتدت من سنة 1990 وحتى 2007 ، حيث عادت بعد اتفاقية نيفاشا. علماً بأنها ناشطة نقابية وضمن القيادات النقابية بوزارة المالية. أمل عبد الله الطاهر، وكغيرها من ملايين السودانيات والسودانيين الذين كرهوا النظام المايوي و "كجنوهو ومقتوهو" شر مقت ومكاجنة، عمل منهم ما عمل من أجل الاطاحة به، وعمل منهم من عمل من أجل كبح جماحه الأرعن!. كرت أمل عائدة صباح السادس من أبريل إلى منزلها الكائن بمنطقة الخرطوم غرب، جوار شركة الخطوط الجوية السعودية، والمشترك مع بعض زميلاتها بوزارة المالية، وذلك بعد أن تأكدت لها صعوبة الوصول لمقر عملها، نسبة للإجراءات الأمنية الإحترازية التي فرضتها القوات المسلحة منذ ليلة الجمعة في 5 أبريل 1985، ربما تمهيداً لإنحيازها للشارع واستلام السلطة، الأمر الذي صعب من توفر وسائل المواصلات بالعاصمة، عادت إذن أمل لمنزلها وبدلت ملابسها، وارتدت لباس البيت العادي، وأمسكت بالمذيلع لمتابعة مستجدات الأحداث التي تتلاحق كحبات المسبحة، وكغيرها من غالبية شعب السودان، من الذين هرعوا هم أيضاً متحلقين حول أجهزة الإذاعات والتلفزة، والجميع متحفز في خضم سيل من أحاديث التوقعات والتكهنات والتي كان جلها أقرب إلى الواقع الآتي! ، وإن هي إلا دقائق معدودة، حتى يذيع كل من التلفزيون بإذاعة أم درمان، وبذاك الصوت الآثر للمذيع الراحل أحمد سليمان ضو البيت، بأن بياناً هاماً من القيادة العامة للقوات المسلحة، سيعلن للمموطنين بعد قليل، ثم بدأت المارشات العسكرية التي تتخللها الأغنيان والأناشيد الوطنية تتتالى، ويتلى معها التنبيه لبيان القوات المسلحة، بحسها قدرت أمل – كغالبية شعب السودان في صدق توقعاتهم وتحليلاتهم السياسية أحياناً" أن لهذا البيان أهمية سياسية كبيرة في حياة السودانيين، وربما سيضع فواصلأ أخيرة بين فترتين ،، فترة نظام مايو ومستقبل البلاد الآتي!. إن هي إلا دقائق لم تتعد نصف الساعة، حتى أطل المشير عبد الرحمن سوار الدهب وزير دفاع نظام النميري والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، وهو بكامل زيه العسكري ويحفه علمان - بين ميمنته وميسرته، ليلقي على جماهير الشعب السوداني، قرار القوات المسلحة بالانحياز لإرادة الجماهير، والإستيلاء على السلطة، في وجهة إنهاء حكم المشير جعفر النميري، ونزولاً على رغبة الشعب السوداني، حقناً للدماء وتجنباً للفتنة!. في هذه اللحظات إنتفضت أمل ،، نهضت من مجلسها متوثبة ،، لم تلتفت شمالاً أو يميناً ،، لم تنتبه لتغيير ملابس البيت العادية ،، وهكذا بثوب شعبي بسيط وسفنجة على رجليها، وكأنها تزاور الجيران في الحي حولها، انطلقت "فتاة الانتفاضة" بكل هذه المشروعية تلك وبسفنجتها، صوب باب المنزل " كريح صرصر عاتية"، لتجد نفسها بين ألاف البشر من السودانيين الذين لم تسعهم الفرحة هم أيضاً، والذين تتقاذفهم أمواج آلاف آخرون، خرجوا جميعهم للشوارع والأزقة والطرقات، بعضهم يضحك والآخر يذرف الدمع الهتون وجلهم يهتفون ويرقصون ويغنون " السفاح شرد وييييينو،، فات قمح البلد ،، ويييينو "! وهكذا ،، ففي زحف الجماهير المقدس ذاك، وجدت أمل، وهي في منتصف ذاك الموج المتلاطم في المنتصف، أنها وصلت مع الجموع الهادرة إلى منطقة القصر الجمهوري، أي تلك الساحة الشهيرة، التي خلدها الشاعر هاشم صديق في ملحمته الرائعة تمجيداً لثورة الشعب التي قبرت ديكتاتورية عبود العسكرية الأولى التي امتدت من صبيحة السابع عشر من نوفمبر وحتى الحادي والعشرين من أكتوبر 1964 :- (يا ساحة القصر ،، يا حقل النار). وهو يوثق لشهداء ثورة 21 أكتوبر المجيدة!. وهكذا ،، ومرة أخرى، توثبت أمل ،، لم تلتفت شمالاً أو يميناً،، وهكذا وبثوب عادي وسفنجة على رجليها التي انطلقت بها، شقت الجموع الهادرة واعتلت أحد الأماكن العالية، لتخاطب تلك الجموع، قالت حديثاً ثورياً بالطبع، ولكنها ومن شدة التأثر والتأثير لا تستطيع تذكر ما قالت به أو أعلنت عنه،، هو خليط من هتاف وأهازيج وغضب مشروع وانفعال ودموع مترعة،، مع زهو بانتصار ،، ويا له من انتصار!. أمل عبد الله الطاهر تنتمي للراحل العزيز محمد إبراهيم نقد بصلة قربى حميمة،، فهي إبنة شقيقته، وكان نقد قد أُعجب باللقطة حد أنه بروزها وعلقها على حائط الصالة بمنزله. التقدير ل " فتاة الانتفاضة " أمل عبد الله الطاهر .. ومجداً للشعب السوداني ،، وكل عام والوطن بخير وعافية وطنية!.