جامعة الخرطوم سابقاً لو نظرنا للملف الاقتصادي على انه أهم القضايا المفصلية التي علينا معالجتها لانها تؤثر على واقعنا الداخلي والاجتماعي ولذا نحتاج الى تغيير الفكر والمنهج مما يعني لا بد من رؤية مبصرة بشأن مستقبل البلاد ومعالجة جزرية لصعوبة الظروف المعيشية الحالية وذلك لاتساع دائرة الفقر والبطالة وإنخفاض مستوى المعيشة نتيجة لسياسات إقتصادية أهملت البعد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية . وهذه الرؤية المفصلية اهم مقوماتها التغيير الذي تنشده كل القوى الوطنية في سوداننا الحبيب . لذلك فإن الديمقراطية هي اكثر النظم كفاءة في تأمين حياة افضل للإنسان مادياً ومعنوياً ولعل ميزاتها الكبيرة أنها لا تسد الطريق امام الابداع البشري . والديمقراطية ظللت الهدف المشترك المعلن بين مختلف القوى والتيارات السودانية إزاء الانقطاعات الديكتاتورية المتتالية منذ الاستقلال . وأن تعميق الثقافة والوعي الديمقراطي لدى الجمهور العام سببه غلبة الثقل الطائفي والعقائدي في تكوينها . إن الإداء اللاقتصادي خلال الربع الاول من هذا العام والذي شهد كثيراً من التحديات الاقتصادية على رأسها مسألة سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار مما ادى الى ارتفاع معدلات التضخم فوق 47 %منذ بداية هذا العام . هذا الى جانب الاختلاسات في الفترة الاخيرة من قبل موظفي الدولة خاصة في مكتب الوالي بجانب قضية الاقطان . وقد صرح وزير الزراعة في البرلمان بأن أهم السلع الغذائية والنقدية تشهد تدهوراً وان إنتاجها العام الحالي اقل من العام الماضي مثال لذلك القمح الذي تراجع عن 324 الى 242 الف طن والزرة من 4.5 بليون طن الى 2.2 والقطن من 288 الى 131 طن . أن قطاعاتنا لم تحقق دخلاً مقداراً من الايرادات لخزينة الدولة من السنوات الماضية وذلك لإهمالها عندما تم إكتشاف البترول ، فالحكومة أهملت الزراعة كما أهملت الصناعة . الشئ الذي جعل الحكومة تقر رسمياً بان هناك مشكلات في الاقتصاد السوداني بعد إنفصال الجنوب وفقدان 75 % من انتاج البترول للجنوب حيث كانت الدولة في العشرة سنوات الماضية تعتمد على النفط بنسبة 90 % من صادراتها كعملة أجنبية وبذلك تحولت ثروة البترول الى رزق مضمون وسهل وقليل التكلفة الى نغمة إذ أهملت القطاعات الانتاجية والتي كان ينبغي توظيف جزء ولو قليل من دخل البترول الى تنميتها وتطويرها وبعد ان فقدت الدولة مصدر النفط بدأت تبحث عن الزراعة والصناعة التي أهملتها فوجدت القطاعين اصابهما الانهيار التام ، فالزراعة مثلاً تعاني من شح الامطار وضعف التمويل وقلة الإنتاجية الى جانب الجبايسات والرسوم . كان القطاع الزراعي في السودان يشكل احد المرتكزات الاساسية للتنمية الاقتصادية إذ يعتمد عليه غالبية سكان السودان في معيشتهم وعملهم ويشكل فيه مشروع الجزيرة العمود الفقري لاقتصاد السودان وهو اكبر المشروعات الزراعية في افريقيا والشرق الأوسط حيث تم مؤخراً بيع كل اصول وبنياته بنظام طن الحديد الخردة متمثلة في السكة الحديد والمحالج والهندسة والعقارات .
و الثروة الحيوانية ايضآ من مشكلاتها حيث انخفضت مساهمتها فى الميزانية عام 20013م إلي 186 مليون دولار وفى عام 2014م تراجعت الى 136.5 مليون دولار وأما قطاع الصناعة فقد أنهارت قطاعاته من نسيج وغزل وزيوت وجلودأى قطاعات الصناعات التحويلية و السبب ضعف التحويل من البنوك وتذبذب سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الى الى جانب تعدد الرسوم و الجمارك مما ادى بصورة مباشرة الى ارتفاع تكلفة الانتاج وعدم منافسة السلع محليآ مع المستوردة ، هذا الى جانب الركود العام فى الاسواق المحلية وسببه ارتفاع سعر الدولار الذى زاد على 9 جنيهات فى السوق الموازى ومن المتوقع ان يصل الى عشر جنيهات قبل نهاية هذا العام فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية . لجأت الحكومة الى تطبيق البرنامج الثلاثى الاسعافى للاقتصاد فى يوليو 2011م والذى يهدف الى استعادة التوازن الاقتصادى وتحقيق الاستقرار. ورغم أن البرنامج الاسعافى للاقتصاد نص على زيادة الانتاج والانتاجية بالقطاع الحقيقى ، لاحلال الواردات من سلع القمح والسكر و الزيوت والادوية وزيادة صادرات النفط و الصمغ العربى والثروة الحيوانية و القطن ووضع برنامج لاعادة تشغيل المصانع المتوقفه ومراجعة وضبط وتنظيم الانفاق الحكومى. أن البرنامج الثلاثى خلال الاعوام الثلاثة الماضية لم يحقق اهدافه برغم اصرار الحكومة على الاستمرار فيه وهذه الفترة شهدت خروج المواطنين الى الشارع بعد قرار رفع الدعم عن السلع الاساسية و المححروقات و التى أدت الى هتافات الرفض عن تلك السياسات فى سبتمبر من العام الماضى . وقد أدى رفع الدعم إلى ارتفاع تكلفة الانتاج وزيادة أسعار السلع بالاسواق ، كما انتقلت الحكومة من الحديث عن البرنامج الثلاثى الاسعافى الى البرنامج الخماسى مما يؤكد فشل البرنامج الثلاثى. أن العبرة ليس فى وضع البرنامج و الخطط بل فى تنفيذها وتطبيقها فى ارض الواقع . أن الاصلاح الاقتصادى يحتاج أن تكون الاصلاحات شاملة لكل المجالات ويعالج الجانب المالى بشقيه الانفاقى والايرادى بجانب معالجة القطاع النقدى و الخارجى وضمان سعر صرف مرن ومستقر مع اهمية وضوح الرؤية وتحديد أهدافها لان النمو الاقتصادى يكمن فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى الذى يتمثل فى المكان الاول فى استقرار الاسعار وسعر الصرف وتهيئة المناخ المناسب لجزب الاستثمار. على ان يتم ذلك بتحقيق نهضة كبرى للقطاع الزراعى بصفته الركيزة الاساسية للبلاد فى سعيها نحو التنمية المستدامة التى تبدأ باصلاح هذا القطاع فى كل أنحاء البلاد لتحقيق النهضة الاقتصادية الشاملة التى تؤدى فعلآ وعملآ إلى تطبيق شعار ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع الذى اصبح نضحك مما نستمع هذه الايام. وتبقى كذلك الثروة الحيوانية المتمثلة فى اكثر من مائة مليون راس من المواشى و الجمال و الخراف مصدرآ رئيسيآ للثروة . وهنالك ملايين الافدنة من الاراضى الزراعية والرعوية التى ترويها الانهار والامطار والتى يجب ان توفر لتوظيف الغذاء للملايين من الشعب السودانى و العالم. يتطلب هذا بذل جهد هائل من الحكومة لاعادة تأهيل هذه الاراضى واعدادها وأن الامن الغذائ ليس مجرد عملية تقنية ولكنه عملية سياسية ومجتمعية تتضمن التوافق و المصالحة الجدية بين كل الاطراف السياسية و القبيلية والرعوية وعلى السودان و المجتمع الدولى استخدام ذلك كوسيلة لتحقيق السلام لكى تتم تلبية احتياجات الاعداد المتزايدة من السكان محليآ وعالميآ . و السودان كان دولة مرشحة لان تكون سلة غذاء العالم بفضل الموارد الطبيعية الضخمة والمياه المتوفرة ولكن لم توظف توظيفآ سليمآ فى مصلحة الاقتصاد الوطنى. أن خفض الانفاق الحكومى وترشيده هو الهدف الاول الذى ينبغى أن نستهدفه لمعالجة المشكلة الاقتصادية وعليه يجب تقليل الانفاق بترشيد وتعميق وسائل ضبطه لتفادى الفجوة الكبيرة بين المنصرفات والايرادات وكذلك العمل على زيادة الايرادات و الصادرات واحلال الواردات بالتركيز على الانتاج والانتاجية وتقديم الخدمات لتلبية طموحات المواطنين. أن ترهل الهياكل الحكومية يكشف بكل وضوح عجز النظام عن التأقلم مع واقع الانكماش الذى فرضه الانفصال الشئ الذى يؤكد عدم قدرته على معالجة قضايا الوطن والمواطن. كما أنه يرجع بالعمل الوطنى إلى الاحزاب الطائفية و العقائدية التى شاخت ووهن عظمها وفشلت فى الماضى وسوف تفشل فى الحاضر و المستقبل فى أحداث اى نقله نوعية فى العمل السياسى السودانى. كما أن مستقبل اقتصاديات الدول النامية يكمن فى فكرة التعاونيات وأعادة بنائها لتقوم بدورها الفاعل فى محاربة الفقر وتوفير فرص العمل و المشاركة الفاعلة لدفع الاقتصاد القومى. وعليه يجب على جهات الاختصاص أن تعمل على تطويرها وترقيتها لانها تحارب البطالة وتوظف مقدرات الشباب نحو الاعمار والتنمية وتحول المجتمع من استهلاكى الى انتاجى ، وايضآ مواصلة التبادل التجارى مع دولة الجنوب يسهم فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى بين البلدين مما يؤدى الى دعم الايرادات وتوفير النقد الاجنبى ، بجانب رفع قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار و العملات الاخرى مما ينعكس إيجاباً على خفض تكاليف الانتاج وانخفاض اسعار السلع وتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين. أن مقولة أن السودان سلة غذاء العالم طال بنا الآمر لتحقيقها وقد أثبتت الدراسات التى قام بها الصندوق العربى للأنماء الاقتصادى و الاجتماعى للقطاع الزراعى فى السودان أنه بالامكان توفير قدر كبير من الغذاء اذا امكن استغلال الموارد المالية العربية للأمكانات الزراعية فى السودان . لان السودان مازال المخرج لتأمين الأمن الغذائ العربى العالمى أذا وظفت مواردها المالية إلى جانب صناديق التمويل المختلفة لتحريك الموارد الطبيعية السودانية وتحويلها الى منتجات زراعية تؤدى الى الإعتماد على الذات وزيادة معدلات النمو واحداث تنمية متوازنة ومستدامة على المستوى القومى و القطرى. كما يجب جديآ أعادة الدعم للمحروقات وتقديم البدائل للدفع بالاقتصاد نحو الاستقرار . كما إن الحل أيضآ يكمن فى حكومة أنتقالية تضم القوى السياسية بما فيها الحركات المسلحة على أن يكون على رأس أولوياتها وقف الحرب واطلاق مبادرات سياسية للمصالحة الوطنية ووضع الدستور والاعداد للانتخابات القادمة وتهيئة البلاد لتحويل دمقراطى حقيقى يقوم على التوافق للخروج بالوطن الى بر الامان. [email protected]