حدثنا مصرفي شهير أنه كان يقلب في عدد من طلبات فتح حساب بمصرفه الأشهر.. لفت نظره أن شركة عالمية ترغب في الاستثمار في مجال تعدين الذهب.. قائمة الشركاء تضم غاني وتونسي وسوداني.. الشركة برأسمالها الضخم اختارت منزلا متواضعا بشارع واحد بالحاج يسف ليكون مقرا لعملها.. المصرفي الدقيق وضع عدد من علامات الاستفهام حول الملف ثم أخضعه لدراسة متأنية ليتأكد أن الأمور في نصابها الصحيح. حضرت ظهر أمس مع لفيف من المختصين محاضرة قيمة عن وسائل مكافحة الفساد نظمها مركز الفاروق للاستشارات.. تحدث في الندوة الأستاذ ناجي خالد إدريس، مدير مركز لندن لممارسة القانون الدولي.. قدم الخبير خالد إضاءات لزوايا كانت مظلمة لشخصي الضعيف حول غسيل الأموال.. العالم الآن أصبح منتبها لهذه القضية وسخر لها الكثير من الآليات.. بل إن كثيرا من المؤسسات المالية باتت تقدم المشورة والعون المادي للدول التي تبحث عن التعفف. بل إن دولة كالولايات المتحدة أصدرت تشريعات صارمة لمكافحة غسيل الأموال.. مثلا تم الحكم على مواطن أمريكي في سبتمبر الماضي بمائة وخمسين سنة سجن مع غرامة ستة عشر مليون دولار.. الفارو لوبيز ترادان شرع في غسل أموال ناتجة عن تجارة مخدرات في أمريكا اللاتينية.. أقام ترادان في مدينة ميامي وشرع في إقامة مؤسسات مالية أثارت الانتباه.. حينما سأله القانون من أين لك هذا لم تكن هنالك إجابة مقنعة. رغم أن بلدنا تحتل موقعا متقدما في قائمة الدول الأكثر فسادا إلا أنها حتى الآن ليست وجهة مفضلة للباحثين عن مغاسل جيدة لتبيض الأموال القذرة.. نشرت صحيفة نيويورك تايمز قائمة من خمسة عشر بلداً تهنيء بيئة آمنة لغسل الأموال ولم تشمل تلك القائمة بلدنا.. جاءت على قمة تلك القائمة دول مثل إسرائيل وروسيا. أغلب الظن أن أحجام غاسلي الأموال من الهبوط في السودان ليس سببه القوانين المانعة لهذا النوع من الجرائم.. بل في تقديري أن الأمر يعود لعزلة السودان المالية وابتعاده عن دوائر التأثير الاقتصادي.. ولكن ربما في القريب العاجل يتحول السودان لمنطقة جذب للأموال المتسخة.. سياسة الأبواب المفتوحة للمستثمرين واللهفة للحصول على نقد أجنبي مع غياب القوانين الرادعة ربما تغري الأشرار باختيار هذا البلد الطيب. حتى هذه اللحظة لا يتم تدقيق في مصادر ثروات مفاجئة هبطت على بعض مواطني بلادي.. بل إن أثرياء الغفلة يكون مرحب بهم ويعتبروا من الكرام البررة.. بل بعضهم واستنادا على المال المجهول المصدر يتحول إلى لعب دور سياسي.. بل إن هنالك في المحاكم الكثير من القضايا التي تتحدث عن أجانب يطاردون مواطنين سودانيين بتهم الاحتيال والشعوذة والهروب بالأموال.. في معظم الأحوال يفشل أولئك الأشقاء في الحصول على ثرواتهم المنهوبة . بصراحة.. نحن في طريقنا أن نصبح دولة سيئة السمعة في مجال غسيل الأموال.. هنالك شواهد تجعلنا نصرخ ولكننا لا نستطيع.. المطلوب إرادة سياسية لمكافحة غسيل الأموال. التيار