تقرير أممي: 2,041 انتهاكاً جسيماً ضد الأطفال في النزاعات المسلحة بالسودان    خامنئي يسمي 3 شخصيات لخلافته في حال اغتياله    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على الناشطة الشهيرة "ماما كوكي": (كنتي خادمة وبتجي تشيلي الحلاوة لأمي)    الحركة الشعبية تقصف مدينة الدلنج بالمدفعية الثقيلة    مجلس المريخ يعبر عن تقديره لمصالحة ود اليأس وفتحي    الهروب الكبير.. وشماعة "الترزي"!    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على الناشطة الشهيرة "ماما كوكي": (كنتي خادمة وبتجي تشيلي الحلاوة لأمي)    اكتشاف فلكي مذهل.. كواكب جديدة فى مرحلة التكوين    سَامِر الحَي الذي يطْرِب    التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    شاهد بالفيديو.. أشهر مصنع سوداني يستأنف العمل بالخرطوم في حضور صاحبه    شاهد بالصورة.. وسط ضجة إسفيرية واسعة افتتاح محل "بلبن" بمدينة ود مدني بالسودان    مواعيد مباريات كأس العالم الأندية اليوم السبت 21 يونيو 2025    العدل والمساواة: المشتركة قدمت أرتال من الشهداء والجرحى والمصابين    يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني    عضو المجلس السيادي د.نوارة أبو محمد محمد طاهر تلتقي رئيس الوزراء    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    الجيش السوداني يعلّق على الهجوم الكبير    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    السودان والحرب    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان والسودان قراءات بعد الاطاحة بالبشير
نشر في الراكوبة يوم 17 - 07 - 2019

لا شك ان فتح ملف الحديث عن (العلاقات) الجنوبسودانية السودانية ،ظلت وعلى مر الزمان مصدرا مزعجا للمنطق العلمي ومرهقا للعقل، نسبة للظروف التي تصاحب دوما طبيعة إدارتها، والتي ينبغي حسب نظريات صناعة العلاقات الدولية ومناهجها بين المكونات الدولية في البيئة الدولية.
لعل التجاور الخاص بين البلدين، بحكم الرباط الاجتماعي ،علاوة على ذلك التقارب او التطابق الوجداني متوجا بالارتباط التاريخي في مسيرة كل منهمها ،تعد احدى اسباب الانشغال بمتطلبات الاستقرار بشكل او اخر بل دافعا قويا يتحتم على كل طرفٍ إحترام إرادة شعوبها في عدم سلب مسلماتها،ويكابر من يغض النظر ، بان جنوب السودان تعد عمقا استراتيجيا للسودان والعكس صحيح ،بعيدا عن امزجة الافكار المتطرفة والتفكير العاطفي المتواضع الذي لا يخدم التقدير الصحيح، والذي دوما ما يلجأ الية الكثير من المهتمين بالشأن العلاقاتي بين البلدين، إذ يتم تشخيصة غالبا وربطة بعوامل هامشية واسقاطات سالبه لا تمت بصلة لطبيعة العلاقة الخاصة ،والمطلوب لدى كل طرف والذي ينبغي ان تسود عمليا.
دعونا نثبت الحقيقة قبل الخوض في ثنايا الموضوع ،بان هنالك تغييرا سياسيا ما قد حدث راسيا وافقيا داخل جمهورية السودان، والاهم ان هذا التغيير لم يات حسب رغبة حزب (المؤتمر الوطني) الحاكم في السودان ورأس الدولة ،بغض النظر عن توفر العوامل المعلومة لقيامها اصلا، بل هي نتاج انتقال وحراك شعبي رهيب يستحق الاشاده به حدث في الشارع حصد ارواح مواطنيين اثناء المواجهة مع السلطة في سبيل العيش الكريم ، توجت مؤخرا بانتفاضة ابريل عملا بالذاكرة التاريخية للانتفاضة السودانية ،والتي نجحت بامتياز في خروج البشير من سدة الحكم. فبرغم ان هذا التظاهر كان في بداياتها لاسباب تتعلق بقضايا اقتصادية بالدرجة الاولى نتيجة للاوضاع المعيشية في السودان ،تطورت لاحقا الى مطالب سياسية وهذا بالطبع تعد ظروف سياسية جديدة بزغت في الافق سوف ينعكس في تفكيري على المنطقة برمته، بمعنى ان التغيير السياسي الذي جرى في السودان بالطبع خلق واقعا سياسيا جديدا واوجد فكرا سياسيا مغايرا حسب متطلبات الشارع العام ليس في السودان لوحده فحسب انما على المستوى الاقليمي، برغم ذلك يصعب التكهن بمحكماتها وفقا لمكونات الواقع الاجتماعي والثقافي السوداني، ولكن لاننا نتحدث بشكل اكثر تركيزا على العلاقة بين جنوب السودان والسودان بعد خروج البشير ،لذلك في تصوري هناك مدخلا اخر ومهم لتقدير العلاقة بين البلدين وهي الشارع السياسي نظرا لمخرجات المزاج العام التي صاحبت اعتصامات الثوار وقتها من حيث الهتافات، بمعنى ان الظروف الحالية مواتية لفتح اواصر التواصل مرة اخرى بين البلدين بعيدا عن ظواهر النظام السابق وتقديره لطبيعة العلاقة التي تبدو دوما في اعتقادي تكتيكيا اكثر مما ينبغي ان تسود، ابان فترة حكم بشير والتي غالبا ما تكون مغبشة بسلبيات غيبوبة الخلاف التاريخي بين رأسي النظام في كلا البلدين ،ومن هنا يكمن السؤال ما اذا كان خروج احدى الانظمة كما الحال في السودان يمكن ان يؤثر نوعٍا ما عمليا في اعادة ترتيب اوراق العلاقة بالصورة الايجابية المطلوبة ،والتي ترتبط موضوعيا بقدرة نظام جوبا في تحريك تلك الاوراق لخدمة مصلحته سياسيا دون النظر اليها بعيون سلبية تسودها روح (التساخر) اوالكبرياء ( الشماتة) لان التجارب التاريخية قد اثبتت بان كل الانظمة السياسية تاتي اليوم لتخرج غدا لتاتي باخرى، بغض النظر عن شكلية الدخول او الخروج، وهذا واقع نعيشه في افريقيا، خاصة ان السنوات العشر الاخيرة شهدت تغييرا سياسيا دراماتيكيا في المنطقة فرضت ثقافة طرد الانظمة من الحكم، وهي بشكل او اخر احدى افرازات الفكر الديمقراطي ومتطلبات المناخ الدولي لإدارة المكونات الدولية ترسخت بحكم التبشير المستمر لثقافة الاحتكام لصوت الشارع الذي تقوده قوى الشعب على مستوى القاعدة.
لان التغيير السياسي الذي جرى في السودان يتطلب موقفا سياسيا يترتب على ذلك إبداء المراقبة مبكرا لضمان المصالح ، في تقديري هذا ما دفع جوبا الى ضمان اهدافها بزيارة وفدا سياسيا رفيع المستوى من جوبا في الثامن عشر من ابريل 2019م بعد اثنا عشر يوما فقط من تنحي البشير،وكان على رأس الوفد مستشار الشؤون الامنية ل "كير " السيد توت قلواك،واجتمع الوفد الزائر مع المجلس العسكري الانتقالي السوداني وهذا بالطبع يعد اعترافا ضمنيا ورسميا بالمجلس ،الذي يقوده الجنرال عبدالفتاح البرهان،اذ ناقش الطرفان قضايا متعددة اهمها الوقوف على التغيير السياسي في السودان والدور التي يمكن ان تلعبه جوبا لتفعيل ملف العلاقة بين البلدين . واشارت التقارير الى ان توت قد سلم خطابا للبرهاني من كير رئيس جمهورية جنوب السودان، لتاكيد دعمة للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار السياسي في السودان، واوضح مييك وزير مكتب الرئيس وعضو الوفد الزائر ،ان كير متمسك بالعلاقة الخاصة بين البلديين وان السودان تعد الضامن الاول لاتفاقية السلام الموقعة بين فرقاء الجنوب في اواخر عام الفين وثمانية عشرة، ومن جانبه اكدت التقارير ان وفد جوبا قد اجتمع لاحقا ايضا مع تجمع المهنيين السودانيين كقوى لا يمكن تجاوزها في مثل هذه الظروف ،وعزز من موقفهم ودورهم في إحداث نقلة نوعية في العملية السياسية في السودان.
اذا هنا علينا ان نستنتج من هذة الزيارة نقاط مهمة تماشيا مع الحراك السياسي الجاري في السودان ما اذا كان سيؤثر على تلطيف العلاقة بين البلديين لاحقا ام لا، لينعكس بدوره على كافة مناحي الحياة او خلافه، وهل لدى جوبا فكرة في كيفية ادارة الحدث التاريخي هذا،لاحداث نقلة نوعية كما دعت عبر وفدها الزائر في المرحلة القادمة بعيدا عن الافتراضات والاحوال المتوقعة ، وحالة الانتقال في الامور بحدوث تغييرً جذريُ وشيك في السودان سياسيا على سبيل المثال ربما سيفضي الى تسليم السلطة الى اصدقاء حكومة جوبا والتي في تقديري تعد ضربا اخر يصعب تاكيده هنا ،الان برغم المؤشرات التي يؤكد وجود طفرة نوعية وانفراجا عمليا للمناخ السياسي العام في السودان ،فقد شهد افتتاح مكتب الحركة الشعبية شمال بالخرطوم المقرن يوم السبت الموافق 20/ ابريل/ 2019 م ورفع عنده علم الحركة الشعبية قطاع الشمال، ولاحقا زيارة لوفد من قيادات الحركة الشعبية عرفت بوفد النوايا الحسنة ، والذي لاحقا لم يحالفه حظ المكوث بالخرطوم لتكملة المشوار ، والتي حالت باستعادتهم الى جوبا في ظروف قاسية.
زيارة وفد جوبا كانت مطلوبة جدا ،للاجابة على تساؤلات ومخاوف الشعب في جنوب السودان والمعارضة المسلحة حول مصير الاتفاقية الموقعة التي كان من المزمع الاعلان عن الحكومة الانتقالية للاتفاقية المنشطة في منتصف مايو السابق حسب جداول تنفيذها والتي لاسباب لوجستية وعدم التزام الطرف الحكومي فشلت وتم مد الفترة ما قبل الانتقالية لست شهور اخرى.
توالت الزيارات بين القيادة السياسية في جنوب السودان والسودان خاصة من طرف جوبا بشكل متكرر توجت بزيارة رئيس المجلس العسكري الى جوبا يوم سبعة وعشرون من مايو ضمن جولة خارجية شملت الامارات ومصر ،إلتقى اثناء الزيارة البرهاني كير وناقش الطرفان حسب افادة الاطراف القضايا ذات الاهمية المشتركة وتأكيدا لدعم المجلس العسكري لجهود عملية السلام الموقعة بين فرقاء جنوب السودان بالاضافة الى تمسك الخرطوم بالاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بينهما، وهذا بالطبع كان مطلوبا وقتها برغم قلق جوبا من التغيير الحادث في الخرطوم وما يمكن ان يترتب تبعا لذلك ، لضمان المصلحة الاحادية التي يشغل بال الحزب الحاكم في جنوب السودان آلا وهي انسياب النفط عبر السودان الى الاسواق الدولية، فسياسي جنوب السودان لا يمكن ان يبقوا ولو لحظة دون نفط باعتبارها مصدر العيش (الكريم) لديهم، وهذا ما اكده الكباشي الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي السودان إذ قال ان الاحداث الجارية في السودان لن تؤثر على انسياب نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية الى ميناء بورتسودان، ونفى الكباشي في السابع عشر من ابريل من العام الجاري ما تناقلته الصحف حول توقف انسياب صادرات نفط الجنوب عبر السودان متأثرة بالتغيير السياسي.وهذا بدوره اذا ما تعمقنا فيه نجده بشكل او اخر تؤكد (قلق) او حرص السودان استراتيجيا على مصلحته الخارجية تجاه جنوب السودان ، بل اشارة الى ان اي تغيير سياسي يحدث في السودان لن يؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين باعتباره خيارا استراتيجيا، لا يتضرر بتبدل اشخاص او خروج انظمة من حكم البلاد، وان مورد النفط يعد احد عناصر الدخل والدعم الاقتصادي في السودان والتي تقدر بمرور 135 الف برميل يوميا عبر انابيب البترول المملوكة للسودان وذلك بدفع قيمة الايجار اليومي حسب اتفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين التي وقعت بين الدولتين ابان فترة حكم البشير إذ تساهم بدرجة كبيرة في إنعاش خزينة السودان، ولكن بحسابات الربح والخسارة نجد ان جنوب السودان لن يستفيد من تلكم الاتفاقيات ،خاصة بند فتح المعابر الذي لم يرى النور حتى الان، واعتقد ان السبب المرجح هنا يكمن في تواضع تعاطي القيادة السياسية في جوبا مع الاتفاق نفسه وانشغالهم الشديد باتفاق (النفط) فقط دون مراجعة البنود الاخرى،وتفعيلها عمليا عبر وزارة التجارة الخارجية والاستثمار.
مبادرات جنوب السودان:
كانت عناوين مبادرات جنوب السودان تجاه السودان، مبهمه وغير واضحة المعالم ، اذا ما فككنا مكنوناتها، إذ تمييز تفاصيلها بتواضع الطرح وحالة من التردد وعدم الجدية إذا ما قورنت بجارتها اثيوبيا التي نجحت بدرجة كبيرة في تقريب وجهات النظر والتي اضفت عليها صفة الاهمية ،بزيارة ابي احمد للسودان لانقاذ الموقف في السابع من يونيو العام الجاري، فمبادرة جنوبا تلك في تقديري تنم عن مستوى التفكير العادي الذي من اجله بنيت مبادرة جنوب السودان،دون اجراء دراسة مسبقة ومتعمقة لما يجري في السودان من جانب ، وفنيا بتكليف شخصية ليس لديها الكثير لتعطية لرآب الصدع بين فرقاء السودان واعني هنا مستشار رئيس الجمهورية السيد توت الذي كان يقود البعثة حاملا خطاب من رئيس الجمهورية، والذي في تصوري يصلح امكانياته وكفاءاته لادارة الملفات الداخلية فقط دون الخارج ويمكن الامتثال هنا بقيادته للجنة ما قبل الانتقالية لسلام جنوب السودان، فالتعامل مع اي ملف خارجي عبر مبعوث لابد ان تؤخذ على محمل الجد مع تضمين كل التناقضات الخارجية على المستوى الاقليمي والدولي التي يمكن ان تشهد تقلبا في كل رأس ساعة ، مما يتطلب ذلك مراقبة لصيقة لردود افعال الخارجية حيال ما يجري عموما من حيث التفاصيل ومن ثم وضعها في قالبٍ علميٌ للاستفادة منها في طرح المبادرة لاحداث فعل سياسيٍ معظم بوزن يمكن الاستفادة منه لتغليب المصالح الاخرى، هذه هي النقطة التي نريدالاشارة اليها هنا بان كان هنالك خطاءاً فادحا وفنيا في تقديم المبادرة. وهذا بالطبع له إنعكاسات سلبية على مستقبل الاستقرار في العلاقة المطلوبة بين البلدين.
من ناحية اخرى يتساءل المرء عن ظروف الوسيط نفسه لإقامة المبادرة، ونشير هنا الى الواقع السياسي لنظام كير الذي تشوبه حاله من عدم المصداقية في الاقليم لادارة ملف السودان وهي تعاني بدوره من ازمات سياسية داخلية جمه بالطبع سوف يحول دون الوصول الى الاهداف المرجوة من الوسيط، وهنا مربط الفرس.
فمثلا عندما تدخلت اثيوبيا كان في بالها الدور المتعاظم في الاقليم وخبرتها في فض النزاعات بشكل مقبول خاصة مايلي النزاعات السودانية، وبجانب الاستقرار والوفاق السياسي النسبي الداخلي، علية يصبح الوسيط على اتم الاستعداد للعب دور كبير في تقريب وجهات نظر الاطراف المتنازعة، هنا نتذكر ان جوبا تواجة ازمة تنفيذ الاتفاق الاخير بين فرقائها لاسباب تتعلق بالالتزام الاداري والاخلاقي لتنفيذ الاتفاق حسب الجداول الموضوعة، لذلك تصبح ظروف الوسيط غير مقبولة وغير مشجعة لتوقيع الوساطة او خلق تأثير ايجابي على فرقاء السودان وهذه بالطبع احدى اهم اسباب فشل المبادرة.
ولكن برغم كل ذلك تظل المبادرة مدخلاً جديرا للاجابة على بعض مخاوف حكومة جنوب السودان حول اتفاقية السلام المنشطة ، بحثا عن موقف المجلس العسكري تجاه جنوب السودان بعد الاطاحة بالبشير، والتي لاعتبارات اخرى يعتقد اخرون بان الرئيس المخلوع ونظامه ،كانوا قد لعبوا دورا كبيرا في سلب الارادة الشخصية لقادة جنوب السودان مايلي مواقفهم الشخصية ، بممارسته سياسة العصا والجذرة ، اثناء فترة المفاوضات للوصول الى الاتفاقية بشكلها النهائي ، إذ اكد المراقبون انه كان وصياً على كل المفاوضين بجانب دوره في دعم مناهضي نظام جوبا، بدليل تواجدهم بالخرطوم ، وهذه هي النقطة التي تراهن عليها جوبا وتتصور فيها انه بعد خروج البشير من سدة الحكم يمكن ان يساهم التغيير السياسي في التضييق على المعارضة في الخرطوم اوطردهم تماما، باستدراجهم للرجوع الى المربع الاولى عبر التلكوء في تنفيذ اتفاقية السلام، واعتقد ان المعارضة كان قلقا على ذلك وكان في حالة ترقب ومتابعا لطبيعة التغيير الجاري في السودان ما اذا كان سوف يؤثر او يحافظ على مكتسباته في الاتفاقية.
ولكن كان الامر ممكنا حال وصل اصدقاء جوبا التاريخيين الى سدة الحكم في السودان، لتكتمل عندهم الصورة، كما اسلفت في بداية هذة المقال بان هذا المنهج التقليدي من التفكير يعد ضربا بعيدا عن واقع السودان نسبة لظروف تركيبة البنية الاجتماعية والفكر السياسي المترسخ في الواقع السوداني على الاطلاق ،والذي لا يقبل اي تفكيك بدرجة ما ، ضف اليه عامل خارجي اخر وهي ما يلي تجربة حكم الحركة الشعبية في جنوب السودان بعد حصوله على جنوب السودان يكفي لتدليل وتعريف بالمستقبل حال وصلت الى سدة الحكم في السودان، وهذا لا يعني بان الامر مستحيل استحالة تطابق الارض مع السماء ،إذا ما صاحبنا اهمية الوفاق السياسي المطلوب الان في تاريخ السودان لادارة المرحلة القادمة.
إذا هنا ما يصدع نظام جوبا ويراهن علية لضمان علاقة تكتيكية اكثر من ان تفكر في جعلها استراتيجية، وفقا للمنطق والعقل،بعيدا عن اي شوائب اخرى يمكن ان تنشغل بها جوبا .في تقديري يبدو المناخ السياسي الان ملائماً لإقامة علاقة حسن الجوار وهذا بالطبع يعتمد وبدرجة كبيرة على موقف التحالف السياسي المتصدر لثورة السودانية في المرحلة القادمة ورؤيتة حول مستقبل العلاقة مع جنوب السودان ، والتي ينبغي ان يستحضر فيها مفهوم (العلاقة الخاصة) بجانب التداخل الاجتماعي ، ضف اليها ايضاً طول الخط الحدودي بين البلدين والذي تعد مكلفا حال لم تستقر الشريط الحدودي امنيا.
إذا قوى اعلان الحرية والتغيير تقع على عاتقها مسؤلية اخلاقية لرسم سياسة واضحة تجاه جنوب السودان وفقا للمصالح السياسية وذلك عبر دبلوماسية اكثر اتزانا ، تضمن حل مرضي للطرفيين حول الاستقرار الامني بين البلدين لمراجعة الملفات العالقة مثل منطقة ابيي التي تعد اكثر القضايا حساسيا ، وذلك بمراجعة معوقات المضي قدما لطي تلكم الاوراق ، لهدف تهيئة الاجواء لعقد اتفاقيات منصفة تعزز من اهمية ومكانة الدبلوماسية الشعبية ، ومن ثم فتح التجارة الحدودية المباشرة ، وعدم الاعتماد على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها النظام السابق على جوبا ، الذي في تصوري سوف ينعكس طرديا على ميزان الاقتصاد السوداني.
تخليصا لهذه القراءة المبسطة، واستصحابا لمفهوم التبادل المستقر والمنهج العقلاني التي دوما ما تؤسس بها صنع العلاقات بين الدول ، تضمينا للمصالح المتبادلة والتي يمكن الاتفاق حولها ، فاعتقد ان المرحلة تعد فرصة تاريخية امام القيادة السياسية في كلا البلدين لبحث معوقات الماضي بجدية والإحتكام لصوت العقل القائل بان هنالك اهمية خاصة وبدرجة كبيرة لقيام علاقة جاده ، خارج صندوق عاطفة غبيوبة التاريخ الماضي عبر سعي الى صنع علاقة حسن الجوار وبحث العلاقات التجارية الممكنة بفتح التجارة البينية بعيدا عن التشاكسات السياسية التي اعتادت عليها جوبا والخرطوم سابقا، بتقديم مصلحة الشعبين في التعابيش السلمي.
والاهم ان اتفاقية السلام الموقعة بين فرقاء جنوب السودان تعد دون ادنى شك مصلحة مشتركه يستوجب السودان النظر اليها بعيون استراتيجية باعتبار جنوب السودان مدخلاً لاستقرار السودان بل وحليف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.