وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا استدامة الديمقراطية: المؤسسة العسكرية دور احترافي مهني أم سياسي؟(5):
️محمد الأمين أبو زيد
نشر في الراكوبة يوم 13 - 11 - 2020

حظي دور المؤسسة العسكرية باهتمام كبير في دوائر العلوم الاجتماعية والسياسية، تحت اسم العلاقات المدنية – العسكرية، يعنى بدراسة أنماط العلاقة بين الجيش والإدارة السياسية للدولة والمجتمع.
معظم المفكرين والمشتغلين بالسياسة يعتبرون وجود العسكر في المجال السياسي له انعكاساته السلبية على الحياة الديمقراطية، نسبة لطبيعة المؤسسة العسكرية، باعتبار ديناميتها الهرمية القائمة على إعطاء الأوامر وتنفيذها.
يري عالم الاجتماع الأمريكي صمويل هنتنغتون وفق نظرية حياد الجيش إن العلاقات المدنية – العسكرية كمتغير تفسيري يقوم على مبدأ الاحتراف والمهنية، بمعنى أن الجيش يجب ألا ينخرط في الحياة السياسية، ومهامه تنحصر في تنفيذ وإنجاز السياسة الدفاعية للبلاد، ويعتقد أن احترافية الجيش عامل أساسي في تحديد الدور السياسي، وأن الجيش الذي يقوم بأدوار سياسية جيش غير محترف. بينما يعارضه في النظرة العالم البرازيلي ستيفان الذي يرى أن احترافية الجيش قد تزيد دوره السياسي، ويدلل على ذلك بأن الجيش البرازيلي لم تمنعه الاحترافية من تنفيذ انقلاب 1964، وأن دور الجيش مرتبط بعوامل تاريخية واقتصادية. ويتفق معه في ذات النظرة كمرافا: حيث يرى إن الاحترافية تزيد من تنامي شعور الاستقلال والهوية الجمعية، فيؤدي ميل الجيش إلى التدخل في السياسة.
ويؤكد موريس جانوبيز، الأب الروحي لنظرية الحياد العسكري، على ضرورة مشاركة المؤسسة العسكرية في وضع أسس النظام الديمقراطي، حيث يعتقد بأنه من الصعوبة التطبيقية تحييد المؤسسة العسكرية.
يؤكد صمويل فاينر إن دور الجيش مرتبط بالثقافة السياسية للمجتمع، فكلما كانت ضعيفة ونامية زادت من فرص تدخل الجيش، وكلما كانت عالية تمنع التدخل.
وفي جانب آخر يرى المفكر الفلسطيني د. عزمي بشارة: صعوبة التوصل إلى قانون يضبط علاقة الجيش بالسياسة. ويربط روبرت بين الحراك الاجتماعي ودور الجيش: كلما زاد الحراك الاجتماعي، كلما زادت القيود على احتمالات تدخل العسكر في السياسة.
يرجع تاريخ ظاهرة تدخل العسكر في السياسة في المنطقة العربية إلى الأربعينيات، حيث يشكل انقلاب حسني الزعيم في سوريا، أول تجربة، تبعتها تجارب متعددة في مصر، والعراق، وليبيا، والسودان، وتونس، واليمن…الخ، وتمددت الظاهرة في المحيط الأفريقي، شرقا وغربا في الخمسينيات، والستينيات، والسبعينيات.
السودان يتسم بعدم الاستقرار السياسي منذ استقلاله في 56، نسبة لعدم استدامة الديمقراطية، وغياب التنمية المستدامة، وغياب دستور دائم للبلاد، وعدم التوافق على مشروع وطني للتقدم والنهوض.
يشكل السودان أبرز مظاهر تمدد ظاهرة التدخل العسكري في الشأن السياسي، حيث اختصم العسكر 52 عاماً من عمر الاستقلال، حيث ارتبط تدخلهم بوأد الديمقراطية، وقمع الحريات، والفساد، وتعطيل التطور الدستوري بالبلاد من خلال تنفيذ المؤسسة العسكرية لثلاثة انقلابات عسكرية، مارست التسلط، والدكتاتورية، وصادرت الإرادة الشعبية، أسقطت بثورات شعبية في 64، و85، و2019، لتؤكد على عمق الإرادة الشعبية السودانية، ونزوعها الفطري نحو الحرية ورفض الديكتاتورية.
يرجع دور العسكر الإيجابي فى القضايا الوطنية إلى ثورة 1924، وبروز الروح الوطنية للضباط السودانيين، ودورهم في مواجهة المستعمر وارتباطهم الصميمي ببواكير نشأة الحركة الوطنية السودانية، وبعد نشوء الكلية الحربية السودانية، وبناء قوات عسكرية على أسس مستمدة من العسكرية البريطانية، وبالرغم من أن عقيدتها العسكرية تؤمن بحياد الجيش تجاه السياسة، إلا أن الانقلابات العسكرية السودانية عرفت طريقها باكرا للتطور الوطني، بعيد الاستقلال السياسي بنحو عامين (انقلاب عبود58).
من المعلوم بالضرورة إن الانقلابات العسكرية تقف خلفها قوى سياسية واجتماعية، تشكل لها حاضنة شعبية تدعم برنامجها واتجاهها الانقلابي، فانقلاب نوفمبر 58، كان تسليم وتسلم من سكرتير حزب الأمة الأميرالاي، عبد الله خليل إلى الفريق إبراهيم عبود، عندما شعر بعدم مساندة حزبه له في الانتخابات القادمة بحسب إفادة السيد الصادق المهدي، بالإضافة إلى أجواء الصراع السياسي بين الحزبين التقليديين الكبيرين، وسقطت نوفمبر بانتفاضة أكتوبر 64.
ويعتبر انقلاب مايو 69 نتاج طبيعي لعجز قوي اليمين والتآمر على قوى التقدم بحل الحزب الشيوعي 65، وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان، في انتهاك فاضح للدستور، رغم أبطال المحكمة الدستورية للقرار، وبذلك تهيأت الأجواء لتنفيذ انقلاب مايو 69، بقيادة جعفر نميري الذي ساندته أغلبية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كرد فعل لتآمر اليمين وتقديرهم لانحياز الحركة لبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية، والشعارات الثورية، حيث وقف إلى جانبهم تيار ينسب للقوميين العرب، واسقطت مايو انتفاضة مارس_ابريل 85. ويرى بيتر كولد (إن الستة أشهر التي سبقت مايو 69 مليئة بالكيد، والكيد المضاد والتواصل مع أحزاب وتحركات خلف الكواليس)..
أما انقلاب 89 فقد تم بتخطيط متكامل من قبل الحركة الإسلامية، من خلال التنسيق مع تنظيمهم داخل الجيش، والتنظيم الخاص، لشعورهم بتغير موازين القوى السياسية بقرب تحقيق اتفاق السلام مع الحركة الشعبية بعد اتفاق الميرغني – قرنق، وتحديد موعد انعقاد المؤتمر الدستوري في يوليو 89، فاستبقت تنفيذ انقلابها الذي اسقطته ثورة ديسمبر الخالدة.
وإذا استثنينا انقلاب عبود فإن التجربة السياسية تقول إن كل القوى التي وقفت إلى جانب الانقلابات العسكرية ارتدت عليها ونكلت بها أيما تنكيل، في مرحلة من مراحل تطورها السلطوي.
تعتبر فترة الديكتاتورية العسكرية الانقاذية أسوأ مرحلة تمر على تاريخ السودان، وعلى المؤسسة العسكرية، التي استغل الانقلاب اسمها وتمت أكبر عملية تصفية وتسييس وادلجة في صفوفها، حيث ظلت المؤسسة العسكرية رهينة في يد الجبهة الإسلامية، وتنظيمها الخاص، الذي أصبح يتدخل في ترشيح منسوبي الكلية الحربية، في تجاوز على المؤسسية والمهنية والتراتبية، دجنت من خلالها المؤسسة العسكرية تدجينا كاملا لصالح التنظيم الحاكم، من خلال تضخم دور الجيش الاقتصادي بالسيطرة على الأنشطة الاقتصادية الكبرى، وعلى السياسات العامة وتمليك الشركات، والامتيازات، وصعود برجوازية عسكرية بيروقراطية جديدة، متربحة مستفيدة من بقاء النظام، بعيدة عن امتثال الدور المهني والاستقلالية في الدفاع عن وحدة البلاد وحماية ترابها وسيادتها، حيث تم في هذا الأثناء انفصال الجنوب، وانتقصت سيادة البلاد في حلايب وشلاتين والفشقة وغيرها.
في ظل سيطرة انقلاب الإنقاذ تمددت الحركات المسلحة كتطور لحركات مطلبية إقليمية ناتجة عن التخلف، وغياب التنمية المتوازنة، اقحمت من خلالها القوات المسلحة في أطول حرب أهلية، امتدت منذ الخمسينيات في الجنوب، حتى نيفاشا 2005، لتلد حروبا أخرى في دارفور منذ 2003، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، عقب انفصال الجنوب 2011، تستنزف القوات المسلحة وتضعها في مواجهة شعبها، وتتورط في انتهاكات جسيمة، جعلت قادتها تحت مطلوبية المحكمة الجنائية الدولية، لتدفع بذلك فاتورة التسييس والأدلجة، والتنازل عن المهنية والمؤسسية التي ادخلتها فيها سلطة الإسلاميين.
يعتقد كثير من المفكرين إن منطق الانقلابات العسكرية جاء ثمرة سياسة أمريكية تقول: إن العالم الثالث متخلف، إلى حد أن الديمقراطية فيه فاشلة حتما، وأن الحكم الوحيد الذي يمكن أن يكافح الفساد، ثم يوقف المد اليساري هو حكم الجيوش، لأن الجيش هو المؤسسة النظيفة الوحيدة في هذه الدول، ووحده يقدر أن يُبقي على وحدة الأمم في ظل نظامية صارمة.. وعندما اتجهت بعض النخب العسكرية في العالم الثالث للتحالف مع قوي اليسار اتجهوا لدعم قوي الإسلام السياسي، ظنا منهم إنها يمكن أن تلعب دورا مهما في مواجهة المد الشيوعي (أفغانستان أنموذجا)، وهذا ماشي يفسر دعم الأمريكان لأنظمة عسكرية ديكتاتورية في العالم الثالث بعيدة عن قيم الحقوق والديمقراطية..
يري د. رحيل الغرابية إن الجيوش وجدت لحماية الحدود، والدفاع عن الأوطان ضد أي عدوان خارجي.. فالجيوش ليس لها دور في الشأن السياسي، وفي طريقة إدارة الدول فهذه مهمة الحكومة، وأجهزتها المختلفة التي تمثل الإرادة الشعبية.
بالرغم مما أشرنا إليه عن الدور الأساسي المنوط بالمؤسسة العسكرية، إلا أن الواقع في السودان، وغيره، يعكس تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي لعدة أسباب:
▪الصراع السياسي السلبي وتصدع الجبهة الداخلية.
▪تسييس المؤسسة العسكرية وابتعادها عن الاحترافية.
▪تدهور الديمقراطيات المدنية وضعف أداءها.
▪كلما ضعفت شرعية السلطة الانتقالية، كلما تدخل الجيش في السياسة.
▪تصدع التحالفات السياسية المدنية، وعدم توافقها على مشروع وطني توافقي..
▪توافر فرص الانقسام السياسي، والفشل في طرح البدائل الوطنية، والحلول الدستورية والسياسية للأزمات.
▪ الاستهانة بالعامل الخارجي، ودوره في التضحية بالديمقراطية من أجل الحفاظ على أنظمة وظيفية عميلة باستغلال نخب عسكرية ومدنية.
▪الدفاع عن الامتيازات الاقتصادية، والاجتماعية، والنفوذ، يجعل كبار الضباط متماهين مع اتجاه المغامرة.
يرى الباحث الجزائري مولود حمروش عوامل أخرى:
▪ضعف البنى الاجتماعية والسياسية بسبب التنوع العرقي والثقافي والصراعات الجهوية والتدخلات.
▪غياب أطر وقنوات المشاركة.
▪استخدام الجيش ضد المعارضين، والتعبير عن مصالح الحكام وقهر الشعب.
▪ضعف التماسك الاجتماعي وانتشار الفساد.
▪الأزمات الاقتصادية الحادة.
▪الهزائم العسكرية ومشاكل الحدود.
في السودان ومع انتصار ثورة ديسمبر، وإتاحة فرصة للانتقال الديمقراطي طرح الدور السياسي للجيش جدلا كبيرا في أوساط الفاعلين، لا سيما عند بروز مظاهر الوصاية على الثورة، من قبل العسكريين، وادعاء المشاركة في حماية التغير، وضمان نجاحه، في ظل تسييس المؤسسة العسكرية، وعلاقاتها الإقليمية، الأمر الذي وضع مهام الانتقال الديمقراطي أمام تحديات جوهرية.
الثابت أن المؤسسة العسكرية لن تكون صادقة في الانتقال الديمقراطي، إلا إذا قبلت بالشفافية والرقابة والمؤسسية والهيكلة.
ولكي تتواءم المؤسسة العسكرية مع مهمات ومتطلبات الانتقال الديمقراطي فإنه يلزمها:
▪فصل العسكر عن مهام السياسة..
▪بناء العقيدة العسكرية للجيش على أسس المهنية والاحتراف والحياد السياسي وعدم زج الجيش في مسائل الاختلاف السياسي والصراع.
▪عدم وضع الجيوش في مواجهة الشعب، لكي لا تفقد احترام مواطنها.
▪مأسسة الجيش وبناء تقاليد راسخة داخله.
▪ارتباط الجيش بالمجتمع والتخلي عن السلطة.
▪بناء جيش وطني وتحديد موقعه داخل النظام السياسي، وعلاقته بمؤسسات الدولة.
▪الانتقال من شرعية القوة إلى قوة الشرعية.
▪صرف الجيش إلى مهامه المهنية في حماية التراب، والسيادة والدستور والنظام الديمقراطي.
▪أهمية الحوار ومشاركة القيم العليا، بين المؤسسة العسكرية والنخب، ومؤسسات المجتمع المدني.
▪إبعاد الجيش عن ممارسة أي نشاط اقتصادي مدني، وضمان حقه في تطوير صناعات مرتبطة بمهامه.
يتجه العالم في سياق الموجة الديمقراطية التي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، في أول التسعينيات إلى رفض الأنظمة الشمولية، وتجذير مفاهيم الدمقرطة، وفي هذا الاتجاه ينحاز المجتمع الدولي عبر منظماته الدولية والاتحاد الأفريقي، من حيث المبدأ إلى رفض أي انقلاب عسكري منذ مطلع الألفية، في ظل متغيرات سياسية، واقتصادية، حيث تقول المؤشرات بتراجع الانقلابات في أوربا بزيادة الوعي، واستدامة الديمقراطية، وهو ما يلزمنا في إطار التجربة السودانية الرابعة للانتقال الديمقراطي، رغم التحديات الماثلة..
لا مجال لاستدامة الديمقراطية، إلا بقطع الصلة كلية بصيغ التغيير الفوقي، وتجفيف منابعها بتدخل العسكر في الشأن السياسي، ووضع قوة العسكر في حماية الشرعية، وحراسة اردة الشعب والدستور.لبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية، والشعارات الثورية، حيث وقف إلى جانبهم تيار ينسب للقوميين العرب، واسقطت مايو انتفاضة مارس_ابريل 85. ويرى بيتر كولد (إن الستة أشهر التي سبقت مايو 69 مليئة بالكيد، والكيد المضاد والتواصل مع أحزاب وتحركات خلف الكواليس)..
أما انقلاب 89 فقد تم بتخطيط متكامل من قبل الحركة الإسلامية، من خلال التنسيق مع تنظيمهم داخل الجيش، والتنظيم الخاص، لشعورهم بتغير موازين القوى السياسية بقرب تحقيق اتفاق السلام مع الحركة الشعبية بعد اتفاق الميرغني – قرنق، وتحديد موعد انعقاد المؤتمر الدستوري في يوليو 89، فاستبقت تنفيذ انقلابها الذي اسقطته ثورة ديسمبر الخالدة.
وإذا استثنينا انقلاب عبود فإن التجربة السياسية تقول إن كل القوى التي وقفت إلى جانب الانقلابات العسكرية ارتدت عليها ونكلت بها أيما تنكيل، في مرحلة من مراحل تطورها السلطوي.مع الأخذ في الحسبان أن هناك عشرات الانقلابات التي لم يكتب لها النجاح، الأمر الذي يعكس الدور السياسي المتعاظم للمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي بينما انحصر دورها العسكري في مواجهة التمردات الداخلية وبعضا من أدوار خارج الحدود في مصر والكويت واليمن مؤخرا.
تعتبر فترة الديكتاتورية العسكرية الانقاذية أسوأ مرحلة تمر على تاريخ السودان، وعلى المؤسسة العسكرية، التي استغل الانقلاب اسمها وتمت أكبر عملية تصفية وتسييس وادلجة في صفوفها، حيث ظلت المؤسسة العسكرية رهينة في يد الجبهة الإسلامية، وتنظيمها الخاص، الذي أصبح يتدخل في ترشيح منسوبي الكلية الحربية، في تجاوز على المؤسسية والمهنية والتراتبية، دجنت من خلالها المؤسسة العسكرية تدجينا كاملا لصالح التنظيم الحاكم، من خلال تضخم دور الجيش الاقتصادي بالسيطرة على الأنشطة الاقتصادية الكبرى، وعلى السياسات العامة وتمليك الشركات، والامتيازات، وصعود برجوازية عسكرية بيروقراطية جديدة، متربحة مستفيدة من بقاء النظام، بعيدة عن امتثال الدور المهني والاستقلالية في الدفاع عن وحدة البلاد وحماية ترابها وسيادتها، حيث تم في هذا الأثناء انفصال الجنوب، وانتقصت سيادة البلاد في حلايب وشلاتين والفشقة وغيرها.
في ظل سيطرة انقلاب الإنقاذ تمددت الحركات المسلحة كتطور لحركات مطلبية إقليمية ناتجة عن التخلف، وغياب التنمية المتوازنة، اقحمت من خلالها القوات المسلحة في أطول حرب أهلية، امتدت منذ الخمسينيات في الجنوب، حتى نيفاشا 2005، لتلد حروبا أخرى في دارفور منذ 2003، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، عقب انفصال الجنوب 2011، تستنزف القوات المسلحة وتضعها في مواجهة شعبها، وتتورط في انتهاكات جسيمة، جعلت قادتها تحت مطلوبية المحكمة الجنائية الدولية، لتدفع بذلك فاتورة التسييس والأدلجة، والتنازل عن المهنية والمؤسسية التي ادخلتها فيها سلطة الإسلاميين. انتشرت في السودان خلال الثلاثين عاما المنصرمة الظاهرة المليشاوية القبلية والسياسية المرتبطة بالنظام،(دفاع شعبي، كتائب ظل، أمن شعبي) مع انتشار السلاح في مناطق النزاعات بمايشكل تهديدا مستقبليا لاستدامة الديمقراطية.
يعتقد كثير من المفكرين إن منطق الانقلابات العسكرية جاء ثمرة سياسة أمريكية تقول: إن العالم الثالث متخلف، إلى حد أن الديمقراطية فيه فاشلة حتما، وأن الحكم الوحيد الذي يمكن أن يكافح الفساد، ثم يوقف المد اليساري هو حكم الجيوش، لأن الجيش هو المؤسسة النظيفة الوحيدة في هذه الدول، ووحده يقدر أن يُبقي على وحدة الأمم في ظل نظامية صارمة.. وعندما اتجهت بعض النخب العسكرية في العالم الثالث للتحالف مع قوي اليسار اتجهوا لدعم قوي الإسلام السياسي، ظنا منهم إنها يمكن أن تلعب دورا مهما في مواجهة المد الشيوعي (أفغانستان أنموذجا)، وهذا ماشي يفسر دعم الأمريكان لأنظمة عسكرية ديكتاتورية في العالم الثالث بعيدة عن قيم الحقوق والديمقراطية..
يري د. رحيل الغرابية إن الجيوش وجدت لحماية الحدود، والدفاع عن الأوطان ضد أي عدوان خارجي.. فالجيوش ليس لها دور في الشأن السياسي، وفي طريقة إدارة الدول فهذه مهمة الحكومة، وأجهزتها المختلفة التي تمثل الإرادة الشعبية.
بالرغم مما أشرنا إليه عن الدور الأساسي المنوط بالمؤسسة العسكرية، إلا أن الواقع في السودان، وغيره، يعكس تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي لعدة أسباب:
▪الصراع السياسي السلبي وتصدع الجبهة الداخلية.
▪تسييس المؤسسة العسكرية وابتعادها عن الاحترافية.
▪تدهور الديمقراطيات المدنية وضعف أداءها.
▪كلما ضعفت شرعية السلطة الانتقالية، كلما تدخل الجيش في السياسة.
▪تصدع التحالفات السياسية المدنية، وعدم توافقها على مشروع وطني توافقي..
▪توافر فرص الانقسام السياسي، والفشل في طرح البدائل الوطنية، والحلول الدستورية والسياسية للأزمات.
▪ الاستهانة بالعامل الخارجي، ودوره في التضحية بالديمقراطية من أجل الحفاظ على أنظمة وظيفية عميلة باستغلال نخب عسكرية ومدنية.
▪الدفاع عن الامتيازات الاقتصادية، والاجتماعية، والنفوذ، يجعل كبار الضباط متماهين مع اتجاه المغامرة.
يرى الباحث الجزائري مولود حمروش عوامل أخرى:
▪ضعف البنى الاجتماعية والسياسية بسبب التنوع العرقي والثقافي والصراعات الجهوية والتدخلات.
▪غياب أطر وقنوات المشاركة.
▪استخدام الجيش ضد المعارضين، والتعبير عن مصالح الحكام وقهر الشعب.
▪ضعف التماسك الاجتماعي وانتشار الفساد.
▪الأزمات الاقتصادية الحادة.
▪الهزائم العسكرية ومشاكل الحدود.
في السودان ومع انتصار ثورة ديسمبر، وإتاحة فرصة للانتقال الديمقراطي طرح الدور السياسي للجيش جدلا كبيرا في أوساط الفاعلين، لا سيما عند بروز مظاهر الوصاية على الثورة، من قبل العسكريين، وادعاء المشاركة في حماية التغير، وضمان نجاحه، في ظل تسييس المؤسسة العسكرية، وعلاقاتها الإقليمية، الأمر الذي وضع مهام الانتقال الديمقراطي أمام تحديات جوهرية.
الثابت أن المؤسسة العسكرية لن تكون صادقة في الانتقال الديمقراطي، إلا إذا قبلت بالشفافية والرقابة والمؤسسية والهيكلة.
ولكي تتواءم المؤسسة العسكرية مع مهمات ومتطلبات الانتقال الديمقراطي فإنه يلزمها:
▪فصل العسكر عن مهام السياسة..
▪بناء العقيدة العسكرية للجيش على أسس المهنية والاحتراف والحياد السياسي وعدم زج الجيش في مسائل الاختلاف السياسي والصراع.
▪عدم وضع الجيوش في مواجهة الشعب، لكي لا تفقد احترام مواطنها.
▪مأسسة الجيش وبناء تقاليد راسخة داخله.
▪ارتباط الجيش بالمجتمع والتخلي عن السلطة.
▪بناء جيش وطني وتحديد موقعه داخل النظام السياسي، وعلاقته بمؤسسات الدولة.
▪الانتقال من شرعية القوة إلى قوة الشرعية.
▪صرف الجيش إلى مهامه المهنية في حماية التراب، والسيادة والدستور والنظام الديمقراطي.
▪أهمية الحوار ومشاركة القيم العليا، بين المؤسسة العسكرية والنخب، ومؤسسات المجتمع المدني.
▪إبعاد الجيش عن ممارسة أي نشاط اقتصادي مدني، وضمان حقه في تطوير صناعات مرتبطة بمهامه.
يتجه العالم في سياق الموجة الديمقراطية التي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، في أول التسعينيات إلى رفض الأنظمة الشمولية، وتجذير مفاهيم الدمقرطة، وفي هذا الاتجاه ينحاز المجتمع الدولي عبر منظماته الدولية والاتحاد الأفريقي، من حيث المبدأ إلى رفض أي انقلاب عسكري منذ مطلع الألفية، في ظل متغيرات سياسية، واقتصادية، حيث تقول المؤشرات بتراجع الانقلابات في أوربا بزيادة الوعي، واستدامة الديمقراطية، وهو ما يلزمنا في إطار التجربة السودانية الرابعة للانتقال الديمقراطي، رغم التحديات الماثلة..
لا مجال لاستدامة الديمقراطية، إلا بقطع الصلة كلية بصيغ التغيير الفوقي، وتجفيف منابعها بتدخل العسكر في الشأن السياسي، ووضع قوة العسكر في حماية الشرعية، وحراسة اردة الشعب والدستور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.