قديمًا في عهد سلاطين دارفور- وما زال- عند أهل دارفور أمثالًا وحكمًا، تمثّل: إرثًا قِيميًا مجتمعيًّا، يديرون من خلاله حياة وحركة الإنسان والحيوان، فيقولونها بألسنتهم، ويحتكمون إليها في شؤونهم، ويجعلونها قاضيًا في سلوكهم، وفصلًا بين قضاياهم، وبسطاء القوم وعامّتهم، يعتقدون فيها الحِليَةً التي يُزيّنون بها التعاملات، ويضعونها قلادة أدبٍ وشرفٍ علي جيدَ الأبناء والأحفاد، فكانوا يقولون للذي يرتدي ثوبًا باليًا- أي الجَنْقُور بينهم- أنّ ليس له رأيًا في مجالسهم، ويقول المثل: (سِيدْ جَنْقُورْ في فَاشِر ولا عِنْدُو رَايْ)، ويبدو للعيان والمتمعّن، أن هذا المثل ما زال يسري عُنوة، على أهلنا في هامش السلطان والسودان إلى يومنا هذا، كيف لا؟ وقد ظنّنا أنّه وبعد ثورتنا، التي أطاحت بالحكم العضود الجؤور، بعد زواج المتعة الذي دام ثلاثين سنة أو تزيد، بين دهاقنة الكرباج والكهنوت والأيديولوجيا، حلم بعدها أهلي في كادقلي والضعين وكسلا وغيرها، أنّه سيكون لهم رشدًا في أمرهم، يشعرون عبره أنهم أصحاب حقٍّ، وأهل حلٍّ وعقْدْ، بيْد أن فألهم خاب وصار (حلمًا زلوطيًا)، فشعب الهامش في بلادي، لم يزل يجأر بالشكوى والأنين، ويلحُّ بالطلب، دون الإستجابة وتحقيق ما يودّون، وصار مرادهم حلمًا كالظمآن في هجير البيدآء، يحسب السراب ماء، أو كالذي بإنتظار إيلاج الجمل في سَمّ الخِياطْ، في الوقت الذي تستجيب فيه السلطة في الخرطوم مهرولةً، لناس الخرطوم إذا صدحوا برأيٍ أو أكثر، وإن لم يتجمهروا أو يخرجوا رافعين الشعارات- وبالطبع لا نلومهم في ذلك- بل نفرح لفرَحِهم، عند إستجابة السلطة لرأيهم وطلبهم دونما عناء، ونحزن لِحُزْنِهم عندما لم تستجب لهم السلطة، بعد وعثاء المظاهرات ومشقّاتها، وهنا لسنا متجنّين بالطبع على السلطة الإنتقالية، في المركز أو الولايات، بل لنا ما يشير إلى إحترام رأي الخرطوم، دون إحترام رأينا في الهامش، وفي ذلك نقدم نموذجًا وبرهانًا واحدًا، لأن قاموس الهامش مليئ- بالجَنَاقِيرْ- ألم تقرؤوا في القرآن الكريم، قوله تعالى: (قُل هَاتُوا بُرهَانَكُم إنْ كُنْتُمُ عَالِمِينْ)، فعلى الرغم من كثرة النماذج إلا أنّ آخرها: إقالة عيسى آدم عيسى، مدير شرطة ولاية الخرطوم، وتعيين زين العابدين عثمان، لأن المُقال حادَ عن طريق الجادّة، وصرّح تصريحًا لم يمض له كثير زمن، حتى ضجت به مواقع التواصل الإجتماعي، وثارت له الأفئدة، لأن التصريحات تريد أن تُرجِعَنا إلى السياط!!، وكبت الحريات!!، وكتم الأنفاس!!، وهي ما لا تتماشى وروح الثورة- لا شكلًا ولا مضمونًا!!- وآهٍ يا ربّاهُ من تصريحاتٍ عصيّةٍ على المضغ كهذه!!، في بلاد الجَنْقُور والهامش، وكم من فِعالٍ شنيعةٍ كهذه!!، ولكن لا حياة لمن تُنادي، لأن زامر الجَنْقُور لا يطرب!!، ولذلك نقول: عليكم يا منْ تسيّدتُم على بلاد الجَنْقُور، بعد ثورة دماء ودموع، أفيقوا من سُباتكم وعليكم أن تعوا الدرس جيّدًا، لأن ظلم ذوي القُربى أشدّ مضاضة، وسيد الجَنْقُور، سيكون له رأيًا وإن طال السفر. نور الدين بريمة