المتتبع لمحاولات تشافي السودان وخروجه من العُزلة الدولية، وجُحر الضبّ الإخواني، الذي أدخلوه فيه- عُنوة وإقتدارًا- وصبّوا عليه صوتًا من العذاب، نستقرئ من بين ثناياه، أن الخروج من الهرج والمرج ليس بهيّن، سيما وأنه قد لازم سياسات القوم، منذ إحتلالهم للوطن، وبالطبع فإنها متّسمة بالعنتريّة والهمجية، ثم ألبسوها- زُورًا وبُهتانًا- قيم الإسلام، ظلوا عبرها يستبدّون على الوطن دون شِرعة أو مِنهاج. وما زادوه بهتافاتهم التي- أزكموا بها الأنوف- إلا خبالًا وتصدية، ولم تجْن البلاد إلا فسادًا وظلمًا، وبعدًا عن القيم، فشعار: (أمريكيا روسيا قد دنى عذابها … عليّ إن لاقيتُها ضِرابُها)، كان سببًا في العزلة، وفي كثير مما نحن فيه الآن، لكن دعونا نطرح تساؤلا: أحقًا لاقوها ضِرابًا؟!، أم أنهم فرّوا منها بعد أن أخبرتهم نجوم (القايْلة)، وأدخلتهم في (فتيل)، فصاروا ألعوبة بين يديها، ثم ما الذي جنته البلاد من شعار: (لا لدنيا قد عملنا … نحن للدّين فداء)، أتُراهم هل فَدُوا الدّين أم أساؤوا إليه وعملوا للدنيا؟!، وإنتزعوا قيم الدين من نفوس الكثيرين. فمشروعهم الحضاري ما كان إلا مشروعًا لدمار الأرض وخرابها، (سفّوا) عبره مال الأحرار بالباطل، وهبرُوا قناطيرها المقنطرة من الذهب والأرض، وما تدّخره من الكنوز والثروات. أؤلئك الخونة رهنوا بلادنا لثلاثين عامًا ونيّف: للحروب والصراعات، لقِصر نظرهم وتفاهاتهم، مما جعلت الوطن بعيدًا عن الأسرة الدولية، وصار منبوذًا أينما حلّ، لدرجة أن رئيس أمره الواقع، كان لا يستطيع الذهاب إلى كثيرٍ من دول العالم، وإن قيّد الله له ذهابًا إلى بلدٍ ما، فيتحاشونه القوم، ولا يستقبله وجهاء الدولة ورؤسائهم، وصار أجْربًا ينفره الأصحاء، ناهيك عن فساده وظلمه وقتله للناس وإهداره لمواردهم، ذاك هو جُحر الضَب، الذي ما كان لنا الإنعتاق أو الإنفكاك منه إلى يومنا هذا، لولا عناية الله ولطفه، ومنّته علينا في هبّة ديسمبر الشعبية. وعلى كلٍ نحمده تعالى على ذلك، لأنه أهدانا لهذا، وأخرج عنّا أذى الفاسقين، الكافرين بنعم الحق والفضيلة وقيم الديمقراطية- مستنصرين- بشيطاين الإنس والجن، ونسوا أن الذي فلق الحبّ من النوى، إذا أراد شيئًا، أن يقول له كُنْ فيكون. بيد أنّه ما زالت البلاد تعاني من الأذى وتلعق مراراته، غير أن خروجها بات وشيكًا، أو قاب قوسين أو أدنى، لتصبح جُزءًا من المجتمع الدولي، بعد أن كان تحت أسْر (الإنقاذيين)، وها هو المجتمع يقدم لنا عربونا ويمد يد العون، في عقده للمؤتمرات، وعفوه لديون السودان التي غلّت يديه، وهي متجاوزة الستين مليارًا من الدولارات، وإخراجه مما هو فيه، فبرنامج ثمرات ما هو إلا أحد الثمار الذي ستجنيه البلاد، إيذانًا بالخروج من ربقة الإسلام السياسي. فالمنحة المالية التي قدمها شركاء السودان الدوليين، (مانحون) أسمتها الحكومة الإنتقالية بثمرات، تيمنًا بالثورة- أي أحد- ثمار ثورة ديسمبر الشعبية المجيدة، التي سيجنيها الشعب، يتم فيها منح فقرائه الذين يقارب عددهم (80%)، كبارًا كانوا أو صغارًا، ذكورًا أم إناثًا، يمنح فيها كل فرد خمس دولارات شهريًا، ولمدة عامٍ كامل، تحت رعاية صندوق النقد الدولي، وإشراف وزارتي المالية والإقتصاد والتنمية الإجتماعية السودانية. والهدف الإستراتيجي لبرنامج ثمرات يتلخص في: 1) تخفيف أعباء المعيشة، و2) تقليل البطالة، و3) السعي لتنشيط الإقتصاد السوداني، خاصة البنكي منه، وربطه بالعملاء، الذين فارقوه منذ زمن ليس بالقريب، لسوء السياسات: البنكية، المالية والإقتصادية ذات الرعونة، ممّا سيفتح بابًا لفتح الحسابات البنكية ودعم التوجّه الجديد الخاص بالعملة والرقمنة البنكية والحكومة الإلكترونية، ليصبح الوطن عضوًا في الأسرة الدولية، له ما لهم وعليه ما عليهم، مثلما يهدف البرنامج كذلك إلى 4) الإحصاء الإكتروني، الذي يساعد في رسم السياسات ووضع الخطط. ويشمل البرنامج ولايات السودان الثمانية عشر، لكن كانت ضربة البداية، بولايات: الخرطوم، بورتسودان، كسلاوجنوب دارفور. وبدأ البرنامج في جنوب دارفور تحت رعاية وإشراف وزارتي المالية والإقتصاد والشؤون الإجتماعية، حيث تم إسناد الإشراف الولائي، إلى الشاب الخلوق، علي عمر آدم (علي حقّار)، الذي عرفناه منذ أن كنّا طلابًا في الجامعة، بالصبر والحكمة، نرجو له التوفيق والسداد، وسنظل سندًا وعونًا له كذلك، قد حكى لي عن إنشائهم مكتبًا في وزارة المالية، بالشراكة مع وزارة الشؤون الإجتماعية بالولاية، وقال: إنهم قاموا بإفتتاح ستة مراكز، مناصفة بين محليتي: بلدية نيالا، ونيالا شمال، لتسجيل المستفيدين، وتابع: مراكز البلدية في: (السوق الشعبي، الوحدة الشرقية، والبلدية)، أما مراكز محلية نيالا شمال في: (سوق المواشي، موقف الجنينة، وحي التضامن). وطمأن علي عمر، وبشّر مواطني الولاية أنهم عاكفون على فتح المزيد من المراكز، حتى يتم إستيعاب جميع المستفيدين في المشروع، فضلًا عن إستمرار التسجيل لشهرين أو أكثر، لتحقيق الربط المطلوب. ورهن علي عمر، إعتماد المستفيد من المنحة، إلى شروط تتمثل في: 1) أن يكون سوداني الجنسية، 2) وأن يحمل رقمًا وطنيًا، 3) وأن يكون لديه رقم حساب بنكي، أو رقم تلفون مسجل بإسمه، وأبان أنه وبمجرد تسجيل الإسم، سيظهر في الشبكة القومية، بعد ذلك سيتم توريد المبلغ المقرر له بحسب عدد أفراد أسرته، في حسابه، أو رقم تلفونه ونوّه علي عمر، المواطنين إلى ضرورة تجنّب الإزدحام، الذي تشهده المراكز الحالية، واعدًا إياهم بزيادة المراكز في نيالا، وفتح المزيد منها في كل محليات الولاية ال(21)، إلى جانب قيامهم بإنشاء موقع إلكتروني، وكود رقمي للتلفونات، بغرض تسهيل عملية التسجيل، وحماية الناس من مشاكل الإزدحام، سيما وأن العالم يعيش هذه الأيام جائحة كورونا- أجارنا الله وإياكم- منها، الأمر الذي يتطلب من الجميع الإحتراز والعمل بالإشتراطات الصحية.