في 2018 أي في نفس عام دخول شركة فاغنر للسودان عبر شركة مروي قولد، طلب رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أرشانج تواديرا الاستعانة بخدمات شركة فاغنر لتأمين مواقع التعدين وحماية كبار الشخصيات بالدولة و تدريب القوات الحكومية. حصلت مجموعة فاغنر مقابل ذلك على عقود امتياز للتنقيب عن الذهب وقامت بالاستيلاء، بالتواطؤ مع حكومة أرشاج تواديرا، على منجم نداسيما أحد أهم مناجم الذهب في البلاد. هذا المنجم كانت تستغله شركة أكسمين الكندية منذ العام 2006 عبر ثلاث رخص امتياز وقامت بصرف ما يقارب ال 750 مليون دولار في تطوير المنجم ومشروعات المسؤولية المجتمعية. في عام 2012 هاجم متمردو تحالف السيليكا معسكر الشركة واستولوا عليه ما اضطر الشركة لوقف عمليات التنقيب. اعتبرت حكومة تواديرا توقف الشركة عن العمل مخالفة لعقد الامتياز وقامت بتجميد رخصة الشركة مما اضطر اكسمين الكندية للجوء للقضاء. وقبل انقضاء إجراءات التقاضي حول النزاع قامت الحكومة بمنح رخصة التنقيب لشركة فاغنر عبر شركة واجهة مسجلة في مدغشقر. منذ ذلك الوقت تمددت شركة فاغنر كالسرطان في هذا البلد واستولت تماماً على كل موارده عبر السيطرة على قادته مستخدمة مختلف الوسائل من رشوة وابتزاز وتخويف. وتعدت استثماراتها مجال التنقيب عن الذهب لتشمل كل مجالات الاستثمار حتى تجارة الأخشاب وتصنيع الفودكا. واستطاعت ان تحصل من الحكومة على امتيازات جمركية وضريبية كبيرة. ليس هذا فحسب، بل كشفت وثائق مسربة من وزارة مالية أفريقيا الوسطى أن شركة فاغنر تتقاضى شهرياً مبلغ مليوني ونصف دولار من الحكومة مقابل خدمات الحماية والاستشارات وتدريب الجيش. ولم ينف وزير المالية هذه المعلومة بل توعد بكشف وعقاب من قاموا بتسريب الوثائق المعنية. إن كانت مجموعة فاغنر قادرة على التلاعب بدولة كاملة والاستيلاء عليها والتحكم في قرارات قادتها فمن اليسير جداً عليها اختراق مؤسسة هشة وهلامية مثل الدعم السريع. والحقيقة أن الدعم السريع كان غنيمة مغرية جداً لفاغنر ليس فقط كمشتري للسلاح ولكن أيضاً لما يتمتع به من نفوذ كبير داخل الدولة وفوق ذلك لسهولة استمالة عناصره لان انتمائهم لهذه المؤسسة قائم على المصلحة المادية باستثناء الدائرة الضيقة حول قائده والتي تدين له بالولاء الأسري ولكن مع وجود المصلحة المادية. أيضاً. كل هذه العوامل جعلت من الدعم السريع هدفاً ليس فقط لفاغنر وإنما لقوى دولية أخرى لتحاول عبره التأثير على مركز القرار في البلاد لصالح تحقيق أطماع سياسية و أهداف استراتيجية واقتصادية في السودان وفي الإقليم. ما حدث في أفريقيا الوسطى هو نفس ما حاولت وتحاول فاغر القيام به في السودان. وجدت مجموعة فاغنر ضالتها في حكومة البشير التي لديها تاريخ طويل في التعامل مع المنظمات المشبوهة واللجوء للأساليب المافيوية في إدارة الاقتصاد. بدأت القصة بعد زيارة البشير الشهيرة لموسكو في 2017 وطلبه الحماية من الرئيس بوتين. بعد عام من تلك الزيارة، حصلت شركة فاغنر على امتياز للتنقيب عن الذهب باسم شركة مروي قولد. نفى بريغوجين مؤسس شركة فاغنر علاقة مجموعته بشركة مروي ورفع دعاوى قضائية ضد وسائل الإعلام التي نشرت تلك المعلومات ثم اعترف بعد سنوات بأن الشركة تتبع لفاغنر. وتلك عادة غريبة لدى بريغوجين فقد كان قد نفى علاقته بشركة فاغنر نفسها ثم اعترف لا حقاً بأنه مؤسس الشركة. ونفى الاتهامات التي وجهت لمجموعته بمحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية ثم أقر بعد ذلك بتلك الحقيقة وبأنه وراء تأسيس "وكالة أبحاث الإنترنت" التي تعمل على بث دعاية مؤيدة لسياسة روسيا وتستهدف الدول الغربية بصفة خاصة. وبالمقابل وجدت حكومة البشير أيضاً ضالتها في هذا اللص الذي قضى في شبابه، حسب بعض الأقوال، أحكاماً بالسجن تصل في مجملها إلى تسع سنوات بتهم متعلقة بالسرقة والسطو على المنازل. وكعادتها في العمل خارج الأطر القانونية، حصلت شركة فاغنر، عبر شركة مروى، على استثناء من الحكومة السودانية يتيح لها شراء الخام من المعدنين التقليديين ومعالجة نفايات الذهب بالرغم من أن القوانين المنظمة للتعدين في السودان تمنع شركات التنقيب من الحصول على الخام بهذه الطريقة. ويقال أيضاً أن الشركة كانت تقوم بتصدير الذهب دون المرور عبر القنوات الرسمية ودون أن يعلم بنك السودان شيئاً عن الكميات التي كانت تصدرها. ليس هذا فحسب، أمر الرئيس عمر البشير شخصياً بإعفاء مروي قولد من دفع حصة الحكومة في إنتاج الشركة والبالغة 30 بالمائة حسب قانون التعدين. استمر نشاط شركة مروي قولد بعد الثورة ولكن في ظل كثير من التعتيم وفيما بعد تم نقل رخصة معالجة مخلفات التنقيب الممنوحة لها لشركة واجهة مسجلة باسم الصولج ويديرها موظف سابق في مروي قولد. ويبدو أن الهدف من ذلك هو الإفلات من العقوبات الامريكية بسبب إدراج شركة مروي قولد في قائمة إدارة الخزانة الأمريكية. فما هو السر وراء تلك التنازلات المهولة؟ هول هو الذهب مقابل السلاح؟ تطورات الوضع السياسي في السودان وعلى المستوى الدولي بعد ذلك جعلت فاغنر تركز على الدعم السريع كمدخل لها للسودان أكثر من الجيش. وفي تقديري أن هذا الاستهداف بدأ عقب انقلاب 25 أكتوبر بتعيين مستشارين حول قائد الدعم السريع تحوم حولهم شبهات بكونهم سماسرة استخبارات دولية بعضهم معروف وبعضهم يعمل خلف الكواليس. بروز مثل تلك الشخصيات يمكن أن نعتبره بداية لفقدان سفينة الدعم السريع لبوصلتها لتجد نفسها في بحار جديدة لا تجيد قياداتها الإبحار في مياهها. خلال الفترة الماضية شاع تعيين ياسر عرمان كمستشار لحميدتي. وفي مقابلة مع قناة الجزيرة في فبراير الماضي، قبل قيام الحرب بشهرين، رفض ياسر عرمان الإجابة بشكل قاطع على سؤال المذيع أحمد طه عن عمله كمستشار لحميدتي واكتفى بالقول أن الحديث عن ذلك الموضوع هو انصراف عن القضية الحقيقية. خلاصة القول أن الدعم السريع نمى بسرعة خلال فترة قصيرة نسبياً فتمدد نفوذه الاقتصادي والعسكري في ظل نظام إداري ومؤسسي أبوي وبدائي ودخل في رهانات دولية أكبر من قدراته ودفع وجوده ثمناً لذلك. وأياً كانت نتيجة الحرب الدائرة الآن فإن الدعم السريع بشكله السابق قد انتهى ولن يعد أبداً. ولا أعتقد أن فاغنر أو غيرها يمكن أن تستمر في دعم هذه المليشيا في الوقت الحاضر فمثل فاغر وغيرها تجار يبيعون فقط ولا يمنحون بدون مقابل والدعم السريع الآن لم تعد لديه القدرة على سداد الفواتير الباهظة كما كان في السابق فحساباته وشركاته داخل أو خارج السودان أصبحت تحت الحصار. المعز الحسن