في كتابات سابقة توصلنا الي أن الدعم السريع _ الذي هو حاصل جمع المصالح و الارادات العشائرية و العرقية لنخب منطقة الحزام _ يؤسس الآن عمليا في مشروعه ، أي مشروع أرض الميعاد في دارفور كخطة ثانية في حال فشل خطته الأساسية في إخضاع البلاد. يرتكز المشروع مثلما نبهنا سابقا علي تأسيس "إسلامو عروبية" في دارفور عبر تفريغها من السكان المحليين و السيطرة علي الحواكير و كتابة تاريخ جديد لدارفور مفارق لواقع الإقليم الحقيقي يكرس لتفوق القوي الاجتماعية التي يعبر عنها في مقابل اصطناع صورة مشوهة و متدنية للقوي الأخري. عليه_ طالما وجد هذا المشروع الذي يتعارض كليا مع مشروع تأسيس الدولة وبناء السودان الجديد و المرتكز علي اساس نقل تشوهات الدولة القديمة الي واقع دارفور _ يبقي من المهم أن نتسائل: ما العمل ؟ خاصة وأنه لا يمكن لباحث التأشير الي مشكلة ما ، مالم يكن في نيته ابتداع الحلول . سبق وان اشرنا الي ان الحل يكمن في هزيمة هذا المشروع. لكن كيف يمكن هزيمته ، و ما هي الآليات ؟ 1_ ثمة تجاه يري انه طالما ان المشروع متمركز عرقيا فيجب مواجهته و من ثم هزيمته بتأسيس تمركزات متضادة. اي طالما أن الدعم السريع يؤسس عمليا في اسلاموعربية جديدة ، يجب بالمقابل ، وعلي الذين لا يستوعبهم هذا الوعاء تأسيس تمركزاتهم الخاصة، وهو ما يؤسس للمزيد من التفتيت عبر إقامة كنفدراليات عرقية و قبلية في جغرافيا دارفور و بالتالي انتصار مشروع التقسيم. 2_ تجاه آخر ينادي بتشيكل اصطفاف يجمع كافة السودانيين للتصدي للمشروع و من ثم هزيمته و الإتفاق بعدها على ترتيبات لإدارة البلد وفق صيغة جديدة تعبر عن مصالح الجميع مع الاعتراف بواقع التعدد و التنوع. ثمة وسائل متعددة لترجمة ذلك عمليا :- 1_ المواجهة العسكرية : و هو خيار يتبناه جزء مقدر من السودانيين ، و الدارفورين بشكل خاص . لقد عبر هذا الخيار عن نفسه في شعار " المليون جندي " و " مشروع المقاومة الشعبية المسلحة" الذي يتبناه بعض الشباب الدارفورين. اهم عوائق هذه الوسيلة انعدام توازن القوي ، و التفوق الواضح للآلة العسكرية للدعم السريع. يرد الذين يتبنونها علي تلك المزاعم بأن موازين القوي لن يكن ثابت علي الدوام. كما ينصحون بوضع التناقضات الداخلية للدعم السريع والتناقض بين الدعم السريع و السودانيين في الاعتبار و هو ما يعزز المواجهة العسكرية لأن التصدي للدعم السريع باعتقاد السودانيين مسألة وجودية و لا يجب تأجيلها. 2_الثورة السلمية الشاملة في إطار السودان الموحد . لكن هل يمكن لجمهور أعزل ان يتصدي لمشروع مدجج باسلحة و دبابات الامبريالية العربية في الخليج؟ غالبا ما يرتكز أصحاب هذا الرأي علي إرث السودانيين في مقاومة الاستبداد متخذين ديسمبر كنموذج للاستدلال علي صحة اطروحتهم. يعاب علي هذه الأطروحة عدم وضع الاعتبار للاداور المؤثرة لاعوان البشير في إسقاط حكومته . وإن عملية السقوط لم تكن نتاج الفعل الثوري الجماهيري بقدر ما هي نتاج لاشتداد التناقضات الداخلية في نظام الحكم ، وهو الشرط غير المتوفر في حالة الدعم السريع. زد علي ذلك أن الثورة الشعبية السلمية تتطلب أولا إنتصار مشروع الدعم السريع، والسودانيون بلا شك ليسوا مستعدون للانتظار . علي كل حال ، و بعيدا عن طرائق و آليات مقاومة مشروع الدعم السريع _تثبت قوانين التطور الاجتماعي ان اية مشروع متمركز عرقيا سوف ينتج في النهاية مضاداته . تتاسس نماذج هذا المشاريع علي توليد و اصطناع الامتيازات للقوي التي تعبر عنه ، في حين أن هذا الامتيازات تتحول لموانع هيكلية للقوي الأخري لو استعرنا تنظيرات د/أبكر آدم إسماعيل. بالتالي هنا ينشأ التناقض بين السودانيين و القوي الاجتماعية المشكلة للدعم السريع . و هو ما يفضي الي تعجيل المواجهة بين مشروع التأسيس و الثورة السودانية و مشروع الدعم السريع المتمركز عرقيا و جهويا. و طالما أن المشروع سوف يمنح القوي الاجتماعية المشكلة للدعم السريع حق احتكار أدوات العنف و الثروات والتنقيب وصناعة السياسات الحيوية ، معيدا بذلك إنتاج ميكانزيمات التمركز و التهميش و وراثة القوي القديمة، فلن يبقي أمام السودانيين من ثمة خيار سوي المواجهة. المهم أن المواجهة سوف تحدث و سوف ينهزم مشروع الدعم السريع ، ولكن باي إسلوب و تكتيك، هذا ما سوف تبتكره المخيلة الثورية للسودانيين.