بعد الواقع الجديد الذي فرضته اتفاقية السلام على وضع السودان بشكله الجديد، يتحتم علينا ألاَّ ننظر إلى الخلف كثيرا، إلاّ بقدر ما يعيننا على المضي قدما في بناء مستقبل جديد يتسم بالأمن والأمان والسلام والعيش الرغد لشعب أبيّ نافح كثيرا للوصول إلى أفضل الأوضاع التي يجب أن يكون عليها، حيث لا يفيد سكب الحسرات والأحزان على ماضٍ ولىَّ بخيره وشرّه، فهذا ليس من شيمة العظماء. وهناك متطلبات مرحلية للوضع الجديد، أولها بناء وفاق واسع مع كل أطياف الشعب السوداني، وهذا لا يتأتي بالدعوة إليه فقط، وإنما باتخاذ خطوات جريئة وعملية، ولكن ليعلم الجميع أن هذه الدعوة هي الأخرى لا تأتي فقط من طرف دون الآخر، ولكن يجب أن تكون دعوة تشبه في مفهومها وأبعادها دعوة بعضنا البعض يوم العيد لتبادل التهانئ والتبريكات وطلب العفو والسماح والعافية. فعلى حزب المؤتمر الوطني طرح شكل من أشكال التوافق المعدل بما يستوعب حاجة المرحلة، وعلى الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى القيام بمثلها أو بأفضل منها، وعلى الطرفين الدعوة لتكوين مجلس وفاقي محائد يشمل علماء في الاقتصاد والسياسة والدين والثقافة والفكر، بمعناه العريض بعيده وقريبه، يشمل خيرة ممثلي شعبنا الأبي، بمعنى أنهم مرضي عنهم من قبل كافة أفراد الشعب، حتى تكون نظرتهم لحلّ المشكل السوداني الراهن واستشرافهم للمستقبل الواعد، خالية من كل غرض شخصي أو حزبي ضيق. وعلى هذا المجلس الوفاقي التعرُّف على أسس المشكّل وتشخيصها ووضع العلاج اللازم لها في أقرب وقت ممكن، ليجد أقصر الطرق للم الشمل للبيت السوداني الكبير، حتى لا ينتظر الشعب السوداني كثيرا، دون التحرُّش ببعضنا البعض، ودون رمي وزر الواقع على طرف دون الآخر، فهذا لم يعد مفيدا، فإن قطار الزمان لن يقف لينتظر حتى نفضَّ النزاع الفوضوي غير الخلاَّق. وليعلم الجميع أننا خرجنا من عدد من الاختبارات والامتحانات الصعبة جدا جدا، وليس بوسع أحد أن يحاول إعادة الجلوس لامتحان جديد، وليعلم من تسوِّل له نفسه أن تحقيق مآربه سوف يأتي على غرار ما حدث في تونس أو ما يحدث الآن في مصر، أنه مخطئ، ذلك أن وضع السودان الذي عاشه على مدى العقود الماضية وحتى هذه اللحظة لم تعشه إحدي تلكما الدولتين أو غيرهما ممن يحاول الاقتداء به. ولم تعد بعد الآن أية فائدة، بل لن نسمح باقتطاع أي جزء من زمننا للحديث عن إخفاق أو انتصار الحركة الشعبية أو حكومة الجنوب أو أي شيء يتعلق بهذين الجسمين، وعلى ياسر عرمان أو عيسى الحلو او غيرهما ممن كانوا يوما وصلة من وصلات الحركة الشعبية، ألاّ يعتقد أن هناك مجالاً لطرح الحركة الشعبية السياسي، حتى لا يعود بالشعب السوداني للحظات الحنق والغضب الذي قد يكون سببه الاعتقاد بأنهما وغيرهما من الشماليين الذين أخلصوا النية والعمل للحركة الشعبية هم أحد معاول تمزيق السودان، فليبحثوا عن طرق ثالث وحزب آخر وطرح جديد، ليساهموا في بناء السودان الجديد ليس بمفهوم القديم، ولكن بالمفهوم الجغرافي. إن السودان بحدوده من حلفا إلى أبيي ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، غني بالموارد الطبيعية والمادية والبشرية، بشكل يكفل في حالة الإصلاح المنشود، أن يعيش أهله في بحبوحة ونعيم. [email protected]