وضعت مجلة النيوزويك في غلاف نسختها العربية الصادرة في الحادي والعشرين من يناير 2003م صورة للعقيد معمر القذافي وارفقت بجانبها سؤال «هل اصبح القذافي شوكة مكسورة؟ « الآن وبعد مرور نحو سبع سنوات يمكننا القذف بذات السؤال ، لكن بشكل مغاير لما اراد التوصل اليه (كريستوفر ديكي) محرر الشؤون الدولية ب»نيوزويك» ، فتساؤلاته جاءت بسبب التحول المفاجئ الذي اعترى الرجل بعد ان هدأ من اساليبه وتوقف عن دعمه المعلن للارهاب وتحولت صورته التي كانت تشابه صدام حسين واسامة بن لادن فهو كان يمثل الشخصية الخرقاء التي تسعى الى الحصول على اسلحة التدمير الشامل ، وقتها تساءلت ذات الاصدارة باللغة الانجليزية بغلاف عدد صدر مطلع الثمانينيات «هل هذا هو الشخص الاكثر خطورة في العالم . يمكننا الاخذ بالسؤالين فالاجابة على اي منهما قادرة على اعطاء تفسير لما يحدث الآن بالجماهيرية الليبية ، لكن قبل كل ذلك هل العمليات العسكرية التي اجتاحت ليبيا في الثلاثة ايام السابقة تهدف لازاحة القذافي من السلطة وتسليم زمام الامر للثوار ام ستدعم بقاءه وتطيل من ايامه وتعيده مرة اخرى الى الواجهة . لنتمعن موقف الاسرة الدولية لما يدور في ليبيا حاليا ، فحالة الاجماع والرفض التي استطاع القذافي حصدها منذ اندلاع التظاهرات بالجماهيرية تشير الى امر واحد هو ليس بالامكان الآن التحدث عن عودة العقيد متقلب الاطوار مرة اخرى الى الواجهة والتربع على عرش الجماهيرية ، فالعالم الآن ليس منقسما فالكل يقف في الجهة المغايرة للرجل ولا يمانع في استخدام القوة العسكرية كما كان الحال ايام صدام حسين . اذن العداء العالمي وحده يمكن ان يكون كافيا للاطاحة بالرجل ، فطوال السنوات الماضية ، لم يتحد العالم في قضية بهذا الحجم ويحشد لها اجماعاً لافتاً، فجامعة الدول العربية اتخذت موقفاً بالاجماع طالبوا فيه بفرض منطقة حظر جوي لارغام القوات الموالية للقذافي بعدم قتل المدنيين والتعرض لهم ، والذي بموجبه اقرت الاممالمتحدة القرار 1973 واذنت ببدء عمليات عسكرية وفقا للقرار في خطوة لايقاف قتل المدنيين الذين ثاروا ضد القذافي ، وعلى الرغم من امتناع البرازيل والمانيا والهند الاعضاء غير الدائمين في مجلس الامن الدولي عن التصويت بجانب روسيا والصين الا ان عدم استخدام الاخيرتين حق النقض «الفيتو» لافشال القرار اعطى اشارة اخرى تبين مدى الاجماع العالمي الحالي ، بذلك يتضح جليا ان لا مجال لعودة الرجل واستلام زمام المبادرة بعد الآن هذا ما تقوله مجريات الاحداث ، الا ان القذافي وصف عمليات القذف بالحرب الصليبية واعتبر ان منطقة البحر المتوسط وشمال افريقيا باتت ميدان حرب فعلية واضاف ان مصالح الدول ستتعرض للخطر بسبب ذلك التصرف ، واعلن عن فتحه لمخازن السلاح ومد المواطنين بكل انواع الاسلحة للدفاع عن الجماهيرية ودعا كل الشعوب العربية والاسلامية للدفاع عنها ، في خطوة اعتبرها المراقبون من اجل اجتذاب بعض التعاطف ، واعادت للاذهان ماحدث في العراق قبل نحو 7 سنوات مما دعا البيت الابيض للتعليق سريعا حول عمليات القذف مشددا ان القذافي ليس مستهدفا او ضمن الاهداف . لكن يبدو ان القذافي بات يلعب في الزمن الاخير فاكثر الاعداء الحاليين للولايات المتحدةالامريكية (ايران ، وتنظيم القاعدة) اظهروا دعمهما المطلق للثوار وطالبوا بحماية المدنيين ، لنقرأ ما دعا له ابو يحيى الليبي وهو من قادة تنظيم القاعدة البارزين فقبل اكثر من اسبوع طالب الليبيين بمواصلة انتفاضتهم «دون اي تردد او خوف لاغراق القذافي في جحيم المعاناة ، في نفس الوقت اعلنت ايران دعمها لمطالب الليبيين المشروعة على لسان المتحدث باسم الخارجية مطلع الاسبوع الجاري . الا ان الموقف العربي الداعي للتدخل من قبل اصابه شئ من الارتباك عقب بدء العمليات العسكرية ففي اقل من 12 ساعة تحدث الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى تارة مشكك في العمليات العسكرية ومرة ثانية داعما لها ، ونقلت عنه وكالات الانباء انتقادات للقصف ، مؤكداً أن «ما حدث يختلف عن الهدف من الحظر الجوى الذى كنا نريد منه حماية المدنيين، وليس قصف مدنيين إضافيين « قبل ان يضيف «تجرى حاليا مشاورات لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، لبحث تطورات الأوضاع فى المنطقة العربية، خاصة فى ليبيا». مضيفا فى تصريحات للصحفيين أن «وقاية المدنيين قد لا تحتاج إلى عمليات عسكرية». موقف اعتبرته دول الحلف بالمدهش وقال اكثر من مسؤول ان ما تقوم به دول الحلف هو بتفويض اممي واجماع عربي لكن موسى الذي تحدث في مؤتمر صحفي مشترك مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون أمس بالقاهرة قال إنه يحترم قرار الأممالمتحدة الذي فوض بعمل عسكري في ليبيا وهو مايبين الارتباك فالرجل تراجع عن تصريحاته التي أشارت الى أنه يشعر بالقلق إزاء الإجراءات التي تتخذها القوى الغربية ، لكنه تابع القول وأضاف أن موقف الجامعة العربية كان حاسما ومن اللحظة الاولى جمدت عضوية ليبيا ثم طلبت من الأممالمتحدة فرض حظر جوي ، مضيفا أن الجامعة تحترم قرار الاممالمتحدة. لننتظر ما ستسفر عنه الايام القادمات لكن ايضا علينا ان نذكر امراً مهماً للغاية فالعالم او بشكل اكثر دقة دول الحلف «بريطانية امريكا و فرنسا « لن تكتفي بتدمير قوات القذافي وعتاده لتوفر الحماية للمدنيين كما يعطيها التفويض الاممي ، لكن الوقت كفيل ليكشف ايضا عن نوايا ليست للعلن وتصحيح لاخطاء الماضي اولها رحيل القذافي والاطاحة به وبكل السبل ، فدول الحلف تعلم جيدا ان العقيد لا يؤتمن فالتحولات التي طرأت عليه عقب الغارة التي نفذتها طائرة امريكية طراز اف 111 كانت مرابطه بقاعدة بريطانية في ابريل 1986م وخلفت ضحايا ودمرت مبنى يقيم فيه الرجل، لم تحدث تغيرا كافيا فهو بدل الدعم العلني للارهاب ظل يدعمه بشكل سري ولعدة مجموعات مثل الجيش الجمهوري الايرلندي والجيش الاحمر الياباني بالاضاف للكتائب الفلسطينية ، لذا فالعمليات العسكرية من قراءتها للاطاحة بالرجل قبل حماية المدنيين ، لكن هناك من يقول إن للرجل حسابات أخرى .