يشكل الاعتداء على المال العام ظاهرة خطيرة تلقي بظلال سالبة على فرص التنمية والقضاء على الفقر وبسط الخدمات الأساسية فقد رصد تقرير المراجع العام نهاية العام الأخير عن حالات اعتداء على المال العام بلغت جملتها 4,5 مليار جنيه دون الكشف عن الجهات التي اعتدت على هذه المبالغ وجاء تقرير المراجع العام متزامنا مع تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية ببرلين أوضح أن السودان يجيء في مقدمة الدول الأكثر فسادا في العام حيث جاء تصنيفه في قائمة الدول الأقل فسادا رقم 174 تاركا وراءه الصومال والعراق فقط ويقول تقرير المنظمة إنه ليس هناك أي منطقة محصنة ضد الفساد ومخاطره في العالم وحذر من تزايد حجم الفساد من ( الرشاوى والغش والتلاعب بالأسعار من قبل الكارتلات والضغوط على المؤسسات العامة والهيئات الحكومية ) التي تكلف الدول مليارات الدولارات الأمر الذي يعرقل جهود العالم الرامية لبسط التنمية وتحقيق نمو اقتصادي قادر على الاستمرار . ويمضي تقرير المنظمة إلى أن البلدان التي تعاني من بيئات سياسية وأمنية مضطربة تأتي في مقدمة الدول التي تقل فيها الشفافية وينتشر فيها الفساد بصورة أكبر وناشد المجتمع الدولي بابتكار طرق فعالة لمساعدة البلدان التي مزقتها الحروب وأقعدتها عن تطوير مؤسساتها لاسيما أن النتائج المسجلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تظهر النزاعات وحالة الاستقرار التي أعاقت الجهود المبذولة لمكافحة الفساد بشكل جدي. والسودان بالطبع من ضمن منظومة تلك الدول. ويستطرد التقرير بأن التعديلات التي تلحق بالبنى المؤسسية والسياسية تسلط الضوء جزئيا على الفجوة القائمة في الحكم في حين أن قلة الشفافية واللااستقرار وأموال النفط تغذي الفساد وحول هذا الأمر يقول البروفيسور عصام بوب إن تراجع مركز السودان في مؤشرات الشفافية الدولية أمر مقلق للغاية بالنسبة للنظام في الدولة لما له من عواقب وخيمة على سمعة البلاد وقد بدأت مؤشرات السودان في التراجع منذ العام 2000 واحتل مواقع متأخرة مقارنة بدول مثل الصومال التي ليس فيها حكومة مركزية حقيقية مما يثير القلق بصورة كبيرة لما يتمتع به السودان من حكومة ومركزية وحكومات ولائية يفترض أن يكون لها الهيمنة والقدرة على التنظيم السياسي الكامل والمتكامل والقادر على السيطرة التفلتات ويضيف بوب أن مؤشرات الشفافية لها أثر على وضع سيادة الدولة بتأثيرها السلبي على حكم القانون وأضاف أن نشر التقرير جاء في وقت حرج تواجه فيه البلاد بتقلبات سياسية وأمنية وتحديات خارجية وانتخابات تعتبر الأهم في تأريخ السودان باعتبارها نقطة تحول في هيكل نظام الحكم والسيادة وبالتالي فإن أثر هذا قد ينعكس على الطعن في مصداقية الانتخابات ونتائجها وطريقة إجرائها جراء عدم توفر المناخ الملائم لها ونادى بضرروة مراجعة السياسات الإدارية الداخلية والبعد عن الترضيات السياسية ذات الأثر السالب على أداء القطاعات الحكومية وضرب مثلا بتصاعد الأقوال والتقارير عن الإعتداء على المال العام بصورة كبيرة تدرجت منذ سنوات (2006-2009) وقد أورد ذلك تقرير المراجع العام الأخير ,غير أن ضعف الإجراءات للحد من الاعتداء وتخفيف حدته على المال العام هو السمة العامة والدليل على ذلك برأي بوب تصاعده سنويا بالرغم من الإصلاحات التي تبنتها وزارة العدل لمقابلة الفساد ويقول بوب إن الحل ليس في ابتكار الحلول الجزرية بل في التدرج في الإصلاح حتى لا تحدث هزة في هيكل الخدمة المدنية مما يدفع لبروز مزيد من الظواهر السالبة وختم حديثه إلينا بأن تقرير منظمة الشفافية العالمية وتقارير المراجع العام توضح أن ثمة مشاكل هيكلية تتطلب إعادة هيكلية للخدمة المدنية حتى يتسنى التغلب عليها مع ضرورة النظر في أمر الأجور والسلوك الإداري لأن معظم التفلتات المالية ذات علاقة وثيقة بهما. ومن جانبه شكك نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان بابكر محمد توم في مصداقية تقرير المنظمة الدولية ويرى أنها تعتمد في إصداره على معلومات من أفراد وجهات مناهضة للنظام إلا أنه عاد وأقر بتكوين جسم لمكافحة الفساد بالبرلمان نزولا لرغبة العديد من الأحزاب . غير أن الدكتور محمد الناير يرى ضرورة تأسيس إدارات مراجعة داخلية فعالة ومؤهلة ومنحها صلاحيات واسعة تخول لها عدم تمرير أي إجراء مالي ما لم يكن مكتملا من حيث الإجراءات والمستندات المطلوبة، وقال إن شكل الاعتداءات على المال العام اختلف عن السابق حيث ارتفعت نسبة خيانة الأمانة في المستودعات مثلا الأمر الذي يتطلب مراجعة دورية مستمرة لها حتى يتمكن من اكتشاف التجاوزات قبل استفحالها، وأضاف إن أكبر المشاكل والمعوقات التي تعترض طريق المراجعة انصياع الموظفين لمديري الوحدات وتأخر المراجعة التي ربما تكون بعد مرور عام من حدوث الاعتداء مما يمكن المعتدي من تدوير الأموال التي استولى عليها والتربح منها قبل اكتشاف أمره فيكون من السهولة عليه استرجاع ما نهبه بغير وجه حق وهذا غسيل الأموال بعينه .