لقد اندهش كثير من المراقبين للسرعة والحماس اللذين تمت بهما اكمال العملية السلمية بين حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية وبرزت كثير من التكهنات التي قارب بعضها الحقيقة وبعضها اصبح ضرباً من الخيال والرمل، اذ الامر لايتوفر الا لمن اقترب من احدى رحى هذه العملية واللذان لم يكن من بينهم حركة العدل والمساواة . القوة الدولية التي صفقت بحرارة لاتفاقية ابوجا بين حركة جيش تحرير السودان جناح مناوي والحكومة السودانية هي ذات القوة التي قامت بعيد ذلك باعداد المسرح الاقليمي للتدخل العسكري من اجل اغراض انسانية، باستخدام قوات اليورو فورو لولا صدقية دولة جارة مؤثرة حينما استشيرت رفضت هذا التدخل وذهبت اكثر من ذلك بطلب زيارة لمسئولين حكوميين كبار لمواجهة وزير خارجية فرنسا الذي جاء لذات الغرض. الاتفاق بين العدل والمساواة والحكومة السودانية هو اختراق للمجتمع الدولي باستخدام المحفزات و هو ذات السناريو الذي تبع توقيع اتفاقية ابوجا حيث انشأ لجنة DJAM كآلية للدفع بالمساعدات التنموية التي لم تصل حتى الآن الا من الدول العربية والصين واصبح مناوي يصف نفسه بانه اقل من مساعد حلة. هذه القوة الدولية ليست fictious بل هي قوامها المنظمات التطوعية العالمية التي تم تسييسها وتسييس عملها بنسبة مائة بالمائة بجانب المؤسسات الدولية التي بعضها يرفع علمه يهبهب في سماء بعض عواصم دارفور ، بعضها اكتفى برفع علم صغير داخل مكتبه وبعضها آثر البقاء داخل مباني السفارة ولم يكلف نفسه مشاق انشاء مكتب له بدارفور، بجانب العائلة الكبيرة الاممالمتحدة. ما تم هو تسوية بين القوى الدولية المتصارعة في المنطقة الاقليمية في غرب افريقيا تحديدا التسوية الفرنسية ذات الارث الاستعماري والمصالح الامريكية التي تتلخص في عدم تكرار تجربة الفيلق الاسلامي التي اضطرتها الى معاداة النظام الليبي. الصراع بدارفور نموذ ج من الصراعات في شرق افريقيا التي تتداخل فيها صراعات مختلفة اخرى ( قوات حكومية + ملشيات حكومية+ قوات معارضة + اضافة الى مجموعات اجرامية ساهمت في نشر ثقافة الافلات من العقوبة) القوة الاقليمية منها ارتريا كانت تنظر الى الصراع في دارفور كفرصة لاشغال الحكومة السودانية عن العمل لوحدة جاذبة بين شمال السودان وجنوبه لانها تنظر الى عدم الانفصال كمهدد لمشروع تململ الاقليات العرقية الذي دعا له تقرير الاخضر الابراهيمي( ،و الذي خلف كثيراً International Norms لتصبح تاريخاً مازال ابنائنا للاسف يدرسونها في الجامعات!) مما يعني عندها عودتها الى حظيرة اثيوبيا الكبيرة. فاستغلت الوجود الكثيف للهجرات الدارفورية لمشاريع الزراعة الآلية في القضارف القريبة من الحدود كوقود للصراع المسلح الدارفوري. تشاد قوى اقليمية رمزية للفرانكفونية في غرب افريقيا كانت حريصة كل الحرص لبقاء الاوضاع كما هي حرب بالوكالةwar by proxy ليس هذا فحسب بل بالدعم المعنوي للوجود التشادي المنغرس داخل جسم المجتمع السوداني عن طريق ما يسمى بالقبائل الوافدة في وسط الشمال الجغرافي وبعض القوى السياسية التي رمت بثقلها وراءهم فاصبحت تعبر عنهم اكثر مما تعبر عن اطروحاته الفكرية. هذا الولاء سوف ينكشف للناس عند عودة د.خليل ابراهيم رئيس العدل والمساواة عبر مطار الخرطوم و سوف يلحظ الناس هذا الحشد الكبير غير المتوقع. هاجرت كثير من القبائل العربية من منطقة غرب افريقيا تحديدا الكميرون و النيجر،مالي وغيرهما عبر تشاد الى داخل دارفور نسبة لتنامي الوعي الاثني والعرقي هنالك ضد العرب UNCHR Report2009 ، حيث كان يراد لقضية دارفور ان تكون امتداداً لهذا الصراع فتنفتح نحوها مستغلة الوحدة الحضارية التي تقع في دائرتها. هذا التدفق العربي الوافد وجد الترحاب من القبائل العربية مما اسس اتهاما جديدا للحكومة السودانية بانها تستجلب قوات عربية للنصرة والتقوي بها مقابل الارض والمرعى!!! التي تسيل لها لعاب هذه القبائل اضافة الى ( غبينة لها ) من القبائل ذات الاصول الافريقية لما لقيته على يد نظيراتها هنالك. قوى اقليمية اخرى لم يعلها المجتمع الدولي ايما اهتمام وهي افريقيا الوسطى التي تفتقر الى الموارد الطبيعية الجذابة المغرية ولكن بروزها كقوة استراتيجية مهمة ليست للمجتمع الدولي ولكنها ملاذ لقوى الارهاب الدولي المتمثل في جيش الرب. ارض منخفضة تدفقت اليها قوات جيش الرب التي تم طردها من جنوب السودان اثر اكتشاف كيفية تغلبها على الحصار الذي ضربته عليها قوات حكومة جنوب السودان عن طريق قبائل امبررو الرعوية حيث كانت خطوطها الامداد المفتوحة. تم التفاق بين قبائل امبررو وحكومة جنوب السودان بموجبه يسمح لهم بحق الرعي كما فعل تحكيم لاهاي مع قبائل المسيريةKhartoum monitor August. عادت الالفة والعسل مرة اخرى بين امبررو وجيش الرب على الحدود التشادية السودانية مما جعل الاخير يعرض خدماته العسكرية في السوق لمن يشتريmercenary من بين المعروض لهم حركات دارفور المسلحة. فقد نسيت الوصايا العشر التي من اجلها قامت مما شكل اتهاماً جديداً ايضا للحكومة السودانية بانها من ذبون قديم متجدد لهذه الخدمةHuman Security Report No7 اتفاقية السلام بين العدل والمساواة والحكومة السودانية ولو قرأت في اطار المناخ الدولي الذي ساد قبيل التوقيع يؤكد لك عزيزي القارئ بان هنالك تشابكاً دولياً يقابله مصالح اقليمية ملحة وقوى داخلية كانت تبحث عن روابط وطنية جديدة تحقق لها الاعتبار والاعتراف الذي تمظهر في( الكتاب الاسود) يؤرخون له بانه يعود الى عهد الخليفة عبد الله التعائشي حيث كانوا يراقبون ما يجري هنالك من ربوة عالية تعرف في ثقافتهم بالدبة وما تسعى اليه هذه القوة الدولية بكل هذا الهدوء المدهش الذي يحاكي سير( الكديس) حيث لا اثر ولا صوت وهو ما يعرف ايضا في ثقافتهم بالتدبي، اشبه بالصراع بين الجنوب والشمال الذي ليس بضرورة ان يفضي الى دولة جديدة لاعتبارات قد استجدت في المسرح الدولي والاقليمي سوف تجعل كثيراً من المسلمات في دائرة الشك. لنترك هذا المجتمع يواصل نموه الطبيعي حتى يفضي لنا سودانا ينصر في بوتقته كل الثقافات المتنوعة كعناصر قوة لا وقود للخلاف، يجب ان نحسن ادارته. فيلتزم خليل بطرحه الفكري لا العرقي والا يجعل من حظ نفسه هدفا ومعروف عن المقاتلين في الخلاء انهم يتوقعون ان يكافؤا على رهقهم هذا ان لم تكن هي احدى الوعود التي بها تم تجنيدهم. وليكن شعار العدل والمساواة تتكسرفيه كل الجهويات والعرقيات ويقوم فيه ميزان للعدل ولو على النفس. فنعيد النظر في مناهجنا المدرسية حتى تعكس لنا مشروعاً وطنياً يقول فيه القاطن الجنينة أحب يا السودان ، ويردد معه في حلفا ونمولي وبورتسودان( سوداني بريدو). اول ملامح هذا المشروع هو الدورة المدرسية و الفرق الرياضية والجامعات اذا تركت حكاية الداخليات الاقليمية دي والتزمت( بالصندوق القومي لرعاية الطلاب البديل النقدي) للداخليات. ونشجع الهجرة الداخلية بالزواج و من اجل العمل. و ننظر كيف تعود القماري المهاجرة ليس من دول البترول فحسب بل من حيث هي الآن ، فاني اعلم احد زملائي منذ دخل الجامعة لم يعد الى اهله ابدا في تلك الاصقاع النائية بل نسب نفسه وابناءه الى غير اهله تعففا. وسوف نتناول ان شاء في مقالنا القادم كيف ان الثقافة كانت هي اهم عامل في الصراع الدارفوري وكيف يمكن توظيف ذات الثقافة كمعول للحل و ذلك كله حتى لا يكون هنالك من هو في الدبَّة يراقب الذي يتدبَّ.