تتقطع أكباد الناس وهم يرون أطفال المجاعة في الصومال وأجسامهم جافة يتضاغون طلباً للطعام وأمهاتهم الواحدة منهن كأنها العود يباساً، وعود الغناء رأفة وجناناً ووجداً على الصغار وهم يضيعون أمام عينيها غير مستطيعة عمل أي شيء حال العاجز الولهان الذي تكتنفه الأحزان، ويحتويه الضياع والحرمان مع انعدام النصير وغياب الأعوان. وصورة أخرى لا تقل فظاعة عن الصورة الصومالية: أشلاء البشر المبعثرة في أوسلو عاصمة النرويج والهاربون المذهولون يفرون من الموت على غير هدى، وأشنع من ذلك جثث شباب المخيم الصيفي بالقرب من العاصمة، وهي متكومة متفحمة لصبية صغار أبرياء جاءوا يطلبون النزهة ويشمون الهواء. وتنشط بالطبع وسائل الإعلام «إياها» فتدين في المجاعة الصومالية تنظيم الشباب «المتشدد»، وتقول إنه هو أس البلاء. ثم تتجه بالتحليل لمقتلة النرويج فتقول عنها إنها إما اليمين المتطرف هناك أو الجماعات الإسلامية «وتمضي قائلة بأن أسلوب التفجير يشبه طريقة الإسلاميين المتشددين... تقول ذلك حتى تبقي على نار العداوة للإسلام في أوروبا متقدة لا تموت أبداً»، وتضيف بعضها بصوت خفيض إنه قد يكون وراء تلك التفجيرات خصوم الحزب الحاكم، طالما أن مقر رئيس مجلس الوزراء قد استهدف. لكنها تنفي الفكرة من أساسها قائلة إن الأوربيين لا يحلون خلافاتهم السياسية بهذه الطريقة... تأكيداً لفكرة أن يكون وراء التفجيرات أشخاص «متوحشون» يجب ألا يكونوا من أوروبا المتحضرة. إن اليد التي أحرقت الصومال من بعد سياد بري «وقرّرت» تفكيك الدولة فيه، لأنه وحدة اثنية ووحدة دينية ويغلب على شعبه التدين والذكاء والطموح... وعندهم أسباب التقدم غير المرغوب فيه، لأنه كالتقدم السوداني سيصب في مصلحة الأمة العربية الإسلامية، هذه اليد هي نفس اليد التي أدخلت النرويج البريئة المسكينة في حرب أفغانستان، وجرأت الصحافة فيها «بدون سبب ظاهر» على السخرية من رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بعمل الكاريكاتيرات الساخرة من مقامه السامي الرفيع متابعةً للدنمارك، وجعلت الحكومة تصر على حماية راسم تلك الكاريكاتيرات المسيئة بدعوى حرية الصحافة والديمقراطية، وجعلت النرويج وبقية الدول الاسكندنافية المسالمة بطبيعتها وتكوينها تناصب المهاجرين من العرب والمسلمين العداء الكالح بدون أي مسوغ أو سبب. فالمجاعة في الصومال خطوة منطقية لانهيار الدولة على مدى العقدين الماضيين، ذلك الانهيار الذي خططوا له ونفذوه بدقة متناهية، فإن أدانوا تنظيم الشباب فإنهم هم الذين فتحوا الباب لتنظيم من شاكلة تنظيم الشباب أن يبرز، وهم الذين فتحوا الباب للقرصنة في البحر وإن أدانوها. ثم إنهم هم الذين جرّوا النرويج المسكينة إلى المصير الذي تعاني منه الآن، وقد تعاني منه لسنوات، فهم الذين أدخلوا الدول الاسكندنافية المحايدة التي كانت تقبل كل الناس وبحماسة وبدون تمييز في جنتها الأرضية، حيث أعلى معدل للمعيشة الراقية في العالم. ويبقى السؤال المهم وهو: لماذا يسمح عقلاء العالم للصومال أن يجوع وللنرويج البرئ أن يتمزق؟!