استعرت هذا المصطلح والتعبير الذي يذكرني بأيامنا عندما كنا صغارا في الجزيرة نفرح بهطول الأمطار ونزولها بغزارة ونستجدي الله والملائكة ان لا يتوقف هذا الهطول وان يتواصل الى مستويات تروي الزرع وتملأ الضرع ، استعرت هذا المثل دون التنويه بأنه قد يحدث ضرراً كبيراً في شأن ما نخاطبه من هدر في موارد الدولة نتيجة الإسفاف وسوء الاستغلال. انني اعتبر ان ما اسطره يمثل استمرارا لما تناولته في عدد من مقالاتي بجريدة «الصحافة» مؤخراً وانطباعاتي عن اقرارات ابراء الذمة، نهجاً وتوجهاً سعت له الدولة منذ بداية عهد الانقاذ ظناً منها أنه السبيل لاحتواء الانفلات المالي وممارسات الافساد الخاطئة المعاشة في شتى صورها والتي تؤدي الى هدر الموارد المتاحة والمطلوب توجيهها لتغيير وجه الحياة في البلاد وحجبها عن مصارفها المشروعة في اصلاح حال اهلها البائس في الصحة والتعليم والأمن والخدمات الاساسية والتنمية وتطوير الريف الواسع الذي ينتظر الكثير، فالسودان حتى بعد بتر?جزء كبير منه يعتبر واعداً بكل المقاييس لامكاناته الطبيعية الكامنة والبشرية التي حالت الاستراتيجيات غير المكتملة الدراسة وعدم استمراريتها والنزاعات المتكررة دون انطلاقه وظل أسير ضعف توفير احتياجات المجتمع الأساسية وتوجيه موارد كافية للتنمية افرز ضمورا في الانتاج الكلي والانتاجية مقرونة مع غياب العدالة في الدخول وتوفير فرص العمل التي تقتضي رفع الناتج الاجمالي القومي. ففي ظل أزمة مالية حادة اعترفت الدولة بها ونوهت كثيراً على الآثار المترتبة عليها مؤخراً «وبعد تردد» نتيجة لفقدنا لجزء هام من مداخيل النفط ومن ثم كانت التوجيهات الهادفة لوضع الخارطة للخلاص في شتى المحاور كان أهم بنودها رفع القدرات لانتاج السلع التصديرية والاساسية وتحقيق الوفرة في المنتجات الزراعية والصناعية والمعادن بجانب الحد من استيراد السلع الغذائية ولم يغب في كل المداخلات والاهتمامات لمن يهمهم الامر لاصلاح الحال، النظر بجدية كافية فيما يخص الصرف البذخي على مجمل الاجهزة السيادية المتضخمة بكل مكوناتها المع?وفة وروافدها في المراكز والولايات اضافة الى الصرف المتصاعد على أجهزة الامن والقوات النظامية بمختلف مسمياتها. ولقد كان طابع المرحلة خاصة بعد تدفق البترول ارتفاعاً ملحوظاً في رواتب ومخصصات بعض الشرائح وتعديلات كبيرة في مخصصات وفوائد ما بعد الخدمة لها في حين ظلت فئات أخر «تستحق» ذلك لا تقع في دائرة الاهتمام للدولة في أدنى مستوياته، وفي اعتقادي ان ذلك تم في غياب دور وتوظيف أجهزة ورثتها الخدمة المدنية وعرفها السودان منذ استقلاله تضاءل دورها في خلق الموازنات المطلوبة في اعداد الهياكل الوظيفية والجداول الراتبية ف? توازن والفوائد للخدمة لكل العاملين بالدولة دون تمييز ومن كل المستويات بتنسيق محكم. أتطرق لهذا الامر لأهميته باعتبار ان موارد البلاد «على قلتها» يجب أن ترشد وان توجه بعدالة لحل القضايا الملحة للتنمية ونحن في ظل حكم فدرالي تتعاظم متطلباته بوتيرة واضحة وحكومة مركزية مترهلة على كافة مستوياتها ومسميات منسوبيها الموقعية أرى انه يجب التعرف على ما يعنيه «تعديل وزاري عريض هذه الايام» كان رشيقاً أو متوازناً من متطلبات مالية مهولة ملزمة للدولة نتيجة المخصصات والامتيازات والفوائد لكل من وطأت قدمه الوزارة من دستوريين ومستشارين وكذلك من كبار التنفيذيين اعدادهم لا تحصى، علما بانه بات عاديا بأن من يتحرك?من موقعه يجني من ثمار موقعه استحقاقات وفيرة، ومن ثم يهرول الى الموقع الجديد الذي ينتظره ليحصد المزيد من الاستحقاقات مرة أخرى في نهاية المطاف والمزايا المتعلقة بالوظيفة، انني أسطر ذلك من منطلق مرحلة عايشتها شخصياً، قبل الانقاذ في 1989م وبعدها كوكيل أول لوزارة الزراعة والثروة الحيوانية والموارد الطبيعية ووزير دولة بها حتى التعديل الوزاري الشامل في 20 أبريل 1996م قابلنا التكليف دون السعي له وتركنا المواقع دون ان نأسف على ما توفره لنا من رواتب ومن مخصصات ومكافآت كانت بحق ضئيلة لا تقارن بالكيل الذي نشهده اليوم ?لم يحد ذلك من ادائنا وجهدنا وحرصنا للانجاز ولا أذيع سراً ان راتبي الشهري ومخصصاتي كوزير دولة كان 9200 دينار «تسعة آلاف ومئتان دينار» فقط لا غير ومعاش شهري 180 جنيها سودانيا «بالجديد» عن خدمة 37 عاماً متواصلة في البحث العلمي اتقاضاها اليوم فهل نصدق ذلك في ظل ما يجري على الساحة واعلم دون شك واحزن له انه «ان هذا قدر الكثيرين ممن نعرفهم من جيلنا من مختلف التخصصات والمواقع والمواقع المؤثرة في بلادنا الواسعة». ختاماً أرى انه لابد من نافذة «موحدة» في قطر كالسودان له موارد محدودة ومتطلبات متزايدة ان تخضع السياسات والممارسات في الصرف على جهاز الدولة بكامله لدراسات وافية تستجيب لنداء المرحلة وان تستهدي بدراسات استراتيجية للجدوى الاقتصادية والسياسية لأي تغيير منشود لهياكل الحكم ونظمها في البلاد في المرحلة القادمة. ومن الله نرجو التوفيق والسداد. * وزير الدولة بالزراعة سابقاً