صحيفة لوس آنجلوس تايمز سيقيم أهل جنوب السودان في غضون أسابيع قليلة أول ذكرى سنوية لتصويتهم التاريخي للانفصال عن الشمال وتأسيس دولتهم السيادية الخاصة بهم. لقد رقص المصوتون وهم يدلون بأصواتهم في شهر يناير الماضي للانفصال من حكومة الخرطوم، ولكن من بين ال99% الذين صوتوا لصالح الاستقلال كان هناك البعض المدرك للتحديات العظيمة المقبلة بيد أن آخرين منهم تحدثوا إلى الصحافيين حول آمالهم العريضة المتمثلة في إنشاء الجسور والطرق والمدارس الجديدة والوظائف بل حتى الغذاء الأفضل وذلك نتيجة الحكم الذاتي، فقد تحدث أحد المصوتين إلى صحافي غربي قائ?اً له: (ستستطيع أن تأكل ما تشاء وتفعل ما تشاء). لكن ذهب ذلك الأمل اليوم، فبعد أربعة أشهر من الميلاد الرسمي لجمهوية جنوب السودان أول دولة إفريقية جديدة ذات حكم ذاتي يتم تأسيسها في غضون عقدين من الزمان نجدها انزلقت إلى حالة حرب دائمة ومخيفة. إن تأسيس بلدٍ جديد لم يكن أبداً أمراً سهلاً، فرغم الفرحة التي عمت الشوارع لكن ليس هناك أحد فكَّر في التحديات كان يعتقد أن تقسيم السودان إلى نصفين وخلق دولة جديدة من إقليم معوز وينقصه التعليم والتنمية ومجزأ تجزئة عميقة إلى فصائل سيتحقق دون ألم وصراع وعوائق. ورغم أن ?كومة الخرطوم وعدت أن تعيش سلمياً جنباً إلى جنب مع جارتها الجديدة لكن معظم المراقبين كانوا متشككين في أن العداء العميق بين الشمال والجنوب الذي قاد إلى الحرب الأهلية التي تشتعل وتنطفئ منذ نهاية الحكم الاستعماري في عام 1956م قد ولى وانتهى. إن المسؤولين على كلا جانبي الحدود الجديدة اعترفوا أنه حتى مع مضاء الانفصال أن هناك قضايا عديدة معقدة ظلت غير محسومة وتهدد بإبطال السلام الهش الذي نجح في النهاية. كما أن التوقعات من جانب المسؤولين الغربيين الذين باتوا يعملون لعدة سنين للمساعدة في إيجاد وساطة للنزاع الش?الي/ الجنوبي كانت توقعات أقل ما يقال عنها إنها محبطة، ولكن حتى تلك التوقعات المحبطة لم تكن محبطة بما يكفي لتهيئة المراقبين لمشاهدة السرعة التي تدنى بها الوضع. وربما كان الأمر الأشد خطراً في هذه اللحظة هو ما يجري على طول الحدود بين الشمال والجنوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فهذان هما الإقليمان اللذان حاربا مع الجنوب خلال الحرب الأهلية الطويلة ولكنهما حُوِّلا إلى الشمال عندما رُسمت خرائط الدولة الجديدة. والآن واصلت مجموعات التمرد المسلحة في كلتا الولايتين القتال ضد الخرطوم التي قصفت بدورها المنطقتين حيث أن جنوب السودان يقوم بمساعدة المتمردين. ويقول مسؤولون أمريكيون إن كارثة إنسانية خطيرة تتصاعد بسرعة لأن الخرطوم منعت دخول مجموعات العون الإنساني التي تسعى لتقديم مساعدات طارئة إلى ما بين 200000 شخص إلى 400000 شخص ممن نزحوا جراء القتال ويواجهون انعداماً حاداً في الغذاء. إن الأعما? العدائية في جنوب كردفان والنيل الأزرق بدأت سلفاً في الانتشار إذ سمحت الحكومة الشمالية في الآونة الأخيرة لقاذفاتها أن تعبر الحدود إلى جنوب السودان، ففي منطقة ييدا قرب الحدود هاجمت قاذفة بعثت بها الخرطوم معسكر لاجئين كما كانت هناك هجمات أكثر في منطقة قُفة إذ يزعم الشمال أنه يستهدف فقط مناطق في الجنوب تقوم بمساعدة جنوب كردفان والنيل الأزرق. إن القتال في المنطقتين المتمردتين وعلى طول الحدود يعتبر إحدى المشاكل التي تهدد بتفكيك اتفاقية السلام الضعيفة بين الشمال والجنوب، والمشكلة الأخرى هي النزاع المستمر حول ال?رسيم الحدودي النهائي للدولتين وحول ما يجب أن يصبح حداً للمجموعات السكانية الرعوية المختلفة التي تتحرك جيئة وذهاباً. وهناك أيضاً قضايا اللاجئين النازحين من الجنوب من الذين يعيشون في الشمال ومستقبل أبيي وهي منطقة بين الشمال والجنوب والتي لم يُحسم وضعها النهائي بعد ويحتلها الشمال حالياً. ومن ثم هناك المسألة الشائكة حيال كيفية تقسيم عائدات النفط بين الشمال والجنوب، فالجزء الأكبر من احتياطات النفط المربحة توجد في الجنوب ولكن يجب أن تضخ عبر خط أنابيب يعبر الشمال. لقد وافق الجنوب مبدأً على تخفيف الصدمة الاقتصادية?لخسارة العائد النفطي الشمالي وذلك بتقديم تحويلات نقدية للمساعدة في معالجة عبء الديون بيد أن قلق الشمال مفهوم فهو لم يفقد ثلث قطره فحسب بل خسر أيضاً 75% من مصدر عائداته الأساس. وحتى إذا لم يكن الشمال يمثل قلقاً ماثلاً فإن دولة جنوب السودان الجديدة ما يزال لديها مشاكل جمة بذاتها، لا بسبب نسبة الأمية البالغة 85% أو النقص في المعلمين أو لكونها من بين أعلى معدلات وفيات الأمومة والطفولة في العالم فحسب بل أيضاً بسبب وجود مليشيات عديدة متنافسة لم يتأكد دورها بعد في النظام الجديد. ومع المقادير الضخمة من العون الخار?ي وعائدات النفط الواردة فإن من الضروري أيضاً أن يبدأ جنوب السودان مبكراً في منع الفساد أو محاربته إذا اقتضت الضرورة، فإذا لم يُكبح الفساد فسيصبح مشكلة مدمِّرة للدولة الوليدة. إن الواقع يقول إن الشمال والجنوب في حاجة ماسة لبعضهما البعض، فمستقبلاهما مرتبطان ببعض رغم أن كليهما قد ينفيان ذلك. ويجب على الطرفين خلال الأسابيع القادمة أن يصمتا ويستعيدا تماسكهما ويوقفا تصعيد الأعمال العدائية ويبدآ في التعاطي مع القضايا الأكثر حساسية وإلحاحاً: الحدود، الفساد، الحرب وعائدات النفط، وبذلك فقط يمكن للمنطقة أن تسترد الإح?اس ببشارة شهر يناير.