ولاية النيل الأبيض تعتبر من أوائل الولايات التى بدأ فيها التعليم وذلك منذ بدايات القرن الماضى ،حيث تأسست عدد من المدارس الأولية وفى مقدمتها مدرسة الدويم الريفية والتى أسست فى العام 1908م ، كما أن هذه الولاية حباها الله بمنارة علمية لم يوجد لها مثيل ليس فى السودان فحسب وإنما فى أفريقيا والعالم العربى وهى معهد التربية بخت الرضا والذى يعود إليه الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فى إحداث نقلة كبيرة للسودان علميا وفكريا واقتصاديا وأدبيا وثقافيا وحتى رياضيا. لذلك يمكن ان نقول ان ولاية النيل الأبيض ومن خلال معهد بخت الرضا هى رائدة التعليم فى السودان بكل أنواعه ، وقد أثر وجود المعهد فى النواحى الثقافية والحياتية لإنسان الولاية ، كما أدت وفرة التعليم إلى سطوع نجم الكثير من النوابغ من العلماء والمفكرين والأدباء وقادة المجتمع فى مناح عدة . ولكن هل هذه الصورة الزاهية والتى ظل يفتخر بها أبناء الولاية طيلة العقود الماضية مازالت موجودة ؟ الإجابة على هذا السؤال لاتحتاج إلى كثير بحث أو عناء فى التفكير ، فقد تغير الحال كثيرا وصار الوضع التعليمى أقل ما يوصف به ان متردي خاصة فى الخريجين ، والذى أصبح ضعيفا غيرمؤهل للقيام بأى دور فى المجتمع إن لم يكن عالة عليه. أسباب عديدة قادت لهذا التردى والضعف ، لعل أبرزها ضعف المعلم الذى يقود عملية التعليم ،فلم يعد ذلك الشخص المؤهل تربويا وعلميا المصقول بالتدريب ، فقد أصبحت مهنة التعليم مهنة من لامهنة له بسبب التعيينات التى بنيت على المحسوبية والجهوية والترضيات و«الدفعيات»، فاختلت المعايير وانهارت المقاييس التى كانت تتبع فى اختيارالمعلمين ،فكثيرا ما يتم تعيين شخص ما من المنزل وإلى المدرسة ،دون أن يتلقى أى تأهيل أو تدريب . وعملية المحسوبية والتكسب من التعيينات لم تقتصر على المعلمين فحسب ،وإنما شملت المناصب الرفيعة وطالت كذلك الترقيات ،حيث نجد أن هنالك معلمين فاتهم قطار الترقيات وظلوا فى درجاتهم لسنوات ، كما تم إسناد مناصب قيادية لأشخاص غير مؤهلين لها لا من ناحية درجتهم الوظيفية او من ناحية أخلاقياتهم وسلوكياتهم ، فقد شهدت السنوات الماضية العديد من التجاوزات و«الفضائح» المالية ،مثل التصرف فى كمية كبيرة من أجهزة الحاسوب من قبل أحد مديري التعليم ، وكذلك التعدى على أموال الرسوم الدراسية من بعض المسؤولين . وهناك أمر مهم جدا بل وخطير فى نفس الوقت ،وهو موت ضمير بعض المديرين والمعلمين فى بعض المدارس ،والذى ظهربصورة جلية فى نتيجة العام الماضى لمرحلة الأساس بإحدى المحليات ،حيث تعمد المعلمون بإحدى المدارس فك المراقبة فى امتحان مرحلة الأساس من أجل أن تحقق المدرسة نسبة عالية تتبوأ بها مركزا مرموقا فى النتيجة العامة لمدارس الولاية . الكثير من المهتمين بالتعليم أرجعوا ما صاحب العملية التعليمية فى السنوات الماضية من سلبيات إلى ضعف الوزارة وعدم المحاسبة ،مشيرين إلى أن كل القضايا التى أثيرت وفاحت روائحها تم السكوت عنها وتسوية بعضها بطريقة الأجاويد. الوزارة الآن تستشرف عهدا جديدا بتولى الدكتور صلاح علي فراج «معتمد الدويم السابق» لمنصب الوزير، ويرى الكثير من التربويين والمعلمين بأنه ومن خلال وجوده في الفترة السابقة بالولاية كمعتمد للدويم قد يكون ألم بالكثير من الجوانب المتعلقة بالعملية التربوية والتعليمية وبالتالى فإنه مطالب بإصلاح حال التعليم من خلال معالجة القضايا والإخفاقات التى أدت إلى حدوث شروخ عديدة وتدهور ،فهل سيصلح فراج ما خربته المحسوبية والترضيات؟