أمر مؤلم أن تدخل سوبرماركت في الخرطوم او اي من مدن السودان، او حتى دكاناً في قرية منسية، لتجد الأرفف مكتظة بمواد غذائية اغلبها مستورد. والعجب ان هذه المواد الغذائية لا تحتاج لعبقرية حتى تصنع، وبالتالي هي ليست بالصعوبة التي تستوجب استيرادها، غير أن موادنا المصنعة محليا لا تصمد امام كل سلعة عبرت البحر.. في وقت بمقدورنا فيه ان نغزو اسواق العالم بمنتجاتنا المتعددة، بعيدا عن البترول. فإن لم نحقق فائضاً للتصدير علينا أن نسد حاجتنا المحلية، فكيف بالله عليكم نستورد الحليب المجفف والسائل، ونحن نتحدث عن أخصب واغنى مراعٍ طبيعية ببلادنا، وكيف نستورد الزيوت بمختلف انواعها، ونحن ملوك السمسم والفول السوداني وزهرة الشمس وبذور القطن الخ .. من المنتجات التي يعصر منها الزيت، وحتى الذي يتوفر بالأسواق او بعض منه هو اقل جودة بكثير من المستورد. وحتى المشروبات الغازية نستوردها، وبإمكاننا ان تسجل علامات تجارية من خلال عصائر «الكركدي، القنقليس، القضيم، العرديب، الدوم، وحتى الحلو مر»، فهذه العصائر تحضر الأن داخل بيوتنا، ولكن لم يهتدِ اصحاب المصانع ورؤوس الاموال إلى أن يخوضوا هذه التجربة. وحتى التجارب التي تمت بتحضير المانجو وربما الجوافة، هي تجارب متواضعة لعدم الاهتمام بالمنتج بحيث ينافس في أسواق عالمية. وفي موسم «المجنونة» الطماطم عندما تهوي أسعارها الى سابع ارض يجب ان تدور ماكينات المصانع لتجعل منها معجوناً يصلح للاستخدام في كل دول العالم وليس في السودان وحده، ولكننا لا نفعل ذلك، وان حدث فهو في اطار ضيق، بدليل ان اسعار معجون الطماطم لا ينخفض، وينافسه بشدة المستورد. في سنوات ماضية كانت هناك مصانع للملبوسات الجاهزة، في عدد من مدن السودان ومن بينها مدينة كادوقلي بجبال النوبة، فما مصير تلك المصانع العريقة، وهل بالفعل حلت مكانها مجرد بيوت للملبوسات، وتلك مصانع كانت مملوكة للدولة. واذا تحدثنا عن صناعة وتصدير الجلود فسنجد العجب العجاب، فصادراتنا من الجلود بلغت قيمتها «34» مليون دولار خلال ثلاث سنوات، فيما دولة اخرى وهي تونس لا تتمتع بما نملكه من ثروة حيوانية تبلغ «130» مليون رأس، تصدر خلال عام واحد فقط جلوداً بقيمة ملياري دولار. وبطبيعة الحال لم نصنع الجلود لتصبح أحذية ليس للمنافسة الخارجية، بل للداخل.. ومن العيب أن نقول إن صنعت فهي ذات رائحة «نتنة». بل نحن الآن نفشل بامتياز في ايصال اللحوم الحية الى الاسواق السعودية التي تعاني حاليا نقصا في اللحوم بسبب توقف الصادر السوري، لأننا لم نوفِ بالاشتراطات المطلوبة، وحتى توقف الصادر الى السعودية لم ينعكس على السعر المحلي. وسنظل نحلم بعبارة «صنع في السودان» تجمل منتجاتنا المحلية، وهي تتجاوز هذه الصفة الى حيث العالمية، طالما تم تجويد الصناعات والاهتمامات بكيفية إخراج المنتج حتى يصبح سيحدث عن نفسه.