مثلما كان وصوله إلى الخرطوم مفاجئا لكونه أعلن قبل ساعات من توقيته، قال كبير مفاوضي دولة الجنوب باقان أموم في ختام زيارته إن «العقبات التي تعترض تنفيذ اتفاق التعاون تم تذليلها وبشكل اكبر مما كان يتوقع هو شخصيا»، ويبدو عنصر المفاجأة التي بدت في تصريحات الرجل هو ذاك الجزء المتعلق بتأكيدته «أن صادرات بلاده من النفط قد تستأنف في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع مقبلة»، وتأكيدات باقان التي اتبعها بحرف «قد» التي تحتمل معاني أخرى بحسب علماء اللغة، إلا أن التداعيات التي صاحبت سير المباحثات ربما دعمت إمكانية وسرعة توصل البلدين إلى اتفاق عبر موافقة كل منهما على شروط الآخر، المرتبطة بالتنفيذ، فالعقبة الظاهرة فيما تعلق بمسار اتفاق التعاون منذ توقيعه في أديس أبابا تمثلت في الجانب الأمني المتصل بقضية فك الارتباط، بين «القطاع» ودولة الجنوب. ورغم وجه الشبه بين ما قيل مباشرة عقب توقيع اتفاق أديس في سبتمبر الماضي وما ادلى به باقان بالأمس في نبرة التفاؤل، ولكن بحسب مراقبين ان التفاؤل الأخير ربما جاء مصحوبا بالواقع الذي دفع الأطراف الى تحريك جمود الملف، وهنا يقول مصدر مطلع ان الحكومة السودانية أبدت مرونة انطلاقا من اتصال البشير بسلفاكير، وبحسب المصدر ان الخرطوم هي التي طلبت من جوبا ان يقوم باقان بزيارته تلك، وكان للمباحثات التي أجراها المبعوث الأمريكي برنستون ليمان دوراً في تليين مواقف السودان تجاه مسألة فك الارتباط، ويشير المصدر الى ان الخرطوم وافقت على عبور النفط مقابل ان تلتزم جوبا بالضغط على قطاع الشمال للجلوس مع الحكومة السودانية للتفاوض، وإيقاف دعمهم ومدهم بأي إمدادات عسكرية او مالية، ويبدو هذا ما أكده باقان عندما قال «إن الجانبين اتفقا على ألا يدعم أي من الطرفين المعارضة المسلحة للطرف الآخر وهي إحدى أكبر نقاط الخلاف بين البلدين، وأضاف»نحاول استغلال علاقاتنا التاريخية مع الحركة الشعبية باعتبارنا كنا حزبا واحدا قبل الانفصال وكذلك نسعى لاستغلال علاقتنا التاريخية مع المؤتمر الوطني للوصول لذلك لأن الاستقرار في السودان يحقق مصالحنا ووجود المجموعات المسلحة في الحدود لا يخدم مصالح جنوب السودان.» ووفقا للمصدر ان جوبا وافقت بالمقابل بان تناقش الملفات دفعة واحدة دون تجزئه على ان تعطي الأولوية للملف الأمني، وهو ما كانت ترفضه دولة الجنوب وان كان رفضها ليس ظاهرا باعتبار ان مسألة تنفيذ الاتفاقيات الثمانية حزمة واحدة امر نص عليه اتفاق التعاون، وهذا تؤكده أيضا تصريحات باقان التي قال فيها «اتفقنا على تنفيذ كل اتفاقيات التعاون كحزمة واحدة وبصورة متكاملة ومتزامنة ونحن مع تنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية لأن تنفيذها يخلق ظروفا ملائمة لتصدير النفط» شيئ من الغموض لف الموقف السوداني الذي لم يذكر أي تفاصيل حول ماهية ونتائج لقاء باقان، وفوق كل ذلك حصرت الخرطوم اللقاءات مع الرجل في دوائر ضيقة جدا، مما جعل هناك صعوبة في استنطاق أي من قيادات الدولة او الحزب، فوكيل الخارجية السفير رحمة الله عثمان قال ل(الصحافة) أمس « ان المباحثات تمت في مستويات مختلفة وليس للخارجية دور ولم تمر عليها هذه اللقاءات» وأضاف» لذلك من الصعب التحدث عن هذا الموضوع» وهو ذاته الموقف الذي تبناه أمين الإعلام بالوطني بروفيسور بدرالدين إبراهيم بقوله « لا املك معلومات تفصيلية عن ما تم لان النقاش تم في دائرة محدودة» لكن بدرالدين يضيف «صحيح أن حديث باقان اذا ما تمت قراءته مع حيثيات الزيارة فان ذلك يؤكد بان جوبا حريصة على المضي في الاتفاق بكامل ملفاته» غير ان النظر الى القضية من جانبها الآخر المتعلق بعمل اللجان والتي من المتوقع ان تبدأ اجتماعاتها اليوم عقب وصول لجنة دولة الجنوب التي ستلتقي سلفاكير قبيل مغادرتها الى الخرطوم، النظر الى ذلك يؤكد بان حديث باقان ربما لم يكن نهائياً باعتبار ان ذات الكلام قيل بعد توقيع اتفاق التعاون على لسان وزير نفط الجنوب استيفن ديو الذي قال حينها «ان بلاده تستأنف ضخ النفط خلال أسبوعين» وهو ما لم يتحقق مما دعا جوبا الى تعليق العمل الفني في حقول البترول، ولكن وفقا للمعطيات ان تفاصيل هذا التأكيد متروك لتلك اللجان التي ربما لم تجد صعوبة في ترجمة ما تم إلى واقع لكون ان الأجندة جاهزة، وهذا ما أكده سفير دولة الجنوببالخرطوم ميناق دوق في إجابته على سؤال ل(الصحافة) أمس حول «هل حديث باقان يعني ان جوبا وافقت على فك ارتباطها مع القطاع بصورة واضحة؟» حيث قال الرجل «هذه تفاصيل متروكة لاجتماع اللجان التي ستبدأ غدا «اليوم»، وهو ما أكده بدرالدين بقوله « ان اجتماعات اللجان هي التي تفصل هذه النقاط» مراقبون يشيرون الى ان المرونة التي ابداها الطرفان ربما جاءت نتيجة لضغوط دولية من بينها امريكا، استغلال للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلدان، ويحذرون من ان قبول الخرطوم باي مساومة في الملف الامني قد يفقدها كروت الضغط، وان تلك الاطراف ستدير ظهرها عن وعودها وتعهداتها او ستطيل من امد الازمة على اسوأ الفروض، ويقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسور على الساعوري «اعتقد ان هناك ضغوطاً تمت من الخارج لاثناء السودان عن موقفه الرافض لعبور النفط عبر اراضيه، على ان يتم تأجيل مناقشة الملف الأمني» ويضيف «الحكومة ستكون مغفلة اذا وافقت بذلك، لان الملف الأمني اهم من البترول بالنسبة للسودان» وينوه الساعوري في حديث ل(الصحافة) الى ان اتخاذ تلك الخطوة يعني ان مشكلة التمرد ستظل قائمة وستصرف من خزينة الدولة اكثر مما تدخله دولارات البترول التي سيتم دفعها لعبور البترول»، فيما يقول استاذ العلوم السياسية بروفيسور محمد نوري الامين «ان حديث باقان قد يكون صحيحا اذا نظرنا للحالة التي يمر بها السودان من عجز في الميزانية، والذي انعكس على الصراع بين المالية والعمال، حيث لاول مرة يرفع العمال صوتهم بهذه الدرجة، وهذا يؤكد بأن الدافع لهذه التفاهمات هو الاقتصاد في المقام الاول»، ويشير نوري في حديث ل(الصحافة) الى ان المبعوث الامريكي ليمان عندما يأتي الى السودان تكون لديه معلومات كافية عن الاوضاع وتأثيراتها المستقبلية مما يجعل حجته في موضع قوي لاقناع السودان بمقترحاته، ويضيف نوري محذرا «لكن إذا وافقت الخرطوم قبل أن تحقق مطالبها اعتقد أن الموضوع فيه فخ لأنه عندما يصل البترول فلن تكون هناك أي التزامات أخرى، ويظل الأمر كما هو»