أعرف أن حجوة أم ضبيبينة بلا نهاية، ولكني للأسف لا أعرف تفاصيل هذه الحجوة التي يضرب بها المثل على الشيء الذي يتكرر حد الملل وبلا نهاية، وقد فشلت كل محاولاتي للعثور على أصل وفصل هذه الحجوة، ولكننا - أنا وأنتم - نعرف الكثير من الحكايات والروايات والقصص التي تماثل حجوة أم ضبيبينة من حيث تكرارها الممل وعدم بلوغها إلى نهاية خاتمة، ومن ذلك مثلاً الحديث الذي يدور الآن في أروقة الولاية عن وضع ترتيبات جديدة لمحاصرة إرتفاع أسعار السلع، ومن هذه الترتيبات تنظيم حملات رقابية على الأسواق، فمثل هذا الحديث ليس هو الأول من نوعه، والحملات الرقابية المزمعة لن تكون الأولى، وإنما ظل الناس يسمعون عن مثل هذه الترتيبات بطريقة راتبة ربما تتكرر كل عام ومثلها أيضاً الحملات الرقابية على الأسواق، دون أن تترك هذه الترتيبات والحملات أي أثر يذكر يلمسه المواطنون في الأسعار التي يكتوون بنارها يومياً بل تظل تتصاعد وكأنما تمد لسانها ساخرة من هذه الترتيبات والحملات، ليس ذلك فحسب وإنما أيضاً تتفاوت الأسعار من محلٍ إلى محل في السوق الواحد، ومن كنتين إلى كنتين داخل الحي الواحد، حتى أن السيد الصادق المهدي على عهد رئاسته لحكومة الديمقراطية الثالثة عندما حاول أن يصارع الغلاء فصرعه، لم يتوانى في إطلاق إعترافه الجهير «لقد هزمنا السوق»، وكذلك عندما إجتهد الوزير محمد يوسف أبو حريرة رحمه الله وأحسن إليه وكان عهدذاك وزيراً للتجارة، لتخفيف العبء عن الغلابى وبدأ جهده ذاك باستيراد خراف من استراليا، وعندما لم تثمر إجتهاداته تلك عن شيء ذي بال، بعد أن تكسرت مجاديفه على أعتاب السوق وأساطينه ومكانيزماته وآلياته تقدم باستقالته، فقال رئيس الوزراء الصادق المهدي عن تلك الاستقالة «أن أبو حريرة شمّ شطة في الجو فعطس»، وكان الأصح على المهدي أن يقول «شمّ شطة في السوق فعطس»... الحقيقة الماثلة اليوم تقول أن إرتفاع الأسعار ضرب كل السلع بل وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يرقى إلى مستوى «البلاء» المسمى الشرعي للزيادة المفرطة التي لا قبل للفقراء بها، وما البلاء إن لم يكن هو زيادة أسعار الغذاء التي تفضي إلى نقص في الثمرات الذي يستتبعه نقص في الأنفس حسب نص الآية الكريمة، وما البلاء إن لم يكن هو زيادة أسعار الدواء الذي ينتج عنه بلاء المرض، وعلى ذلك قس حجم الابتلاءات والبلاءات التي يكابدها من لا يستطيعون مجاراة الركض اليومي للأسعار وهم غالب أهل هذا البلد، والحقيقة الأخرى هي أن للتجارة والتجار قانون ثابت هو بكل بساطة «زيادة الربح وتقليل سعر التكلفة» أو كما يقول الفرنجة «Profit Maximization and cost minimization» والحقيقة الثالثة تقول أن الاقتصاد لا يتحسن والرخاء لا يعم باصدار القوانين والفرمانات ولا بالاجراءات والتدابير الادارية ولا بالحملات الرقابية وحدها، وإنما قبل ذلك وأهم من ذلك بالانتاج، فالإنتاج الوفير والاستثمارات المجزية هما أهم أداتان لمحاصرة إنفراط الاسعار ومحاربة الغلاء، فكيف نترك الأهم للضياع والتضعضع، كما هو حادث الآن ونهتم بالذي هو أدنى، وهو هذه الترتيبات والحملات التي تنوي الولاية إتخاذها وسائل لمحاصرة إرتفاع الأسعار، الراجح أنها لن تفعل شيء سوى أن تكرر نفسها كما حجوة أم ضبيبينة.