منذ أن تعرفت على الراحل المقيم الاستاذ عبد المجيد عبد الرازق في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، كنت شديد الحرص على زيارته في ذلك الوقت بمكتبه العامر بصحيفة «الرأي العام» وانا في طريق العودة الى المنزل من الغراء «الصحافة»، وكنت أجد راحة كبيرة بمكتبه الذي كان يضم عادة عدداً من الرياضيين بالاضافة الى بعض الزملاء يتناقشون بادب واحترام حول مختلف القضايا الرياضية، وعندما يشتد النقاش يتدخل المرحوم عبد المجيد بإلقاء نكتة أو طرفة أو قصة فيها الكثير من الكوميديا، وغالباً ما تكون عن رحلاته الخارجية الكثيرة، وبهذه الحكاوي التي يلقيها عبد المجيد نجده يمتص الانفعال، وبعد ذلك يتناول القضية المعينة بالشرح والتفصيل والرأي السديد.. هكذا كان المرحوم رياضياً محكناً وصحافياً متمكناً من المهنة، بالإضافة الى نزاهته وصدقه وامانته وآرائه الجريئة، فاجتماع كل هذه الصفات في عملاق الصحافة الرياضية عبد المجيد عبد الرازق قادت لالتفاف كل الرياضيين حوله. المرحوم عبد المجيد كانت له طرف وملح مع الأخ الزميل حسن المحينة باعتبار أنهما من منطقة الجزيرة، وكان المحينة أكثر حرصاً على زيارة المرحوم بمكتبه ب «الرأي العام»، وفي أحد الأيام دخلت عليه في المكتب ووجدته يوبخ الأخ المحينه وكان معه الزملاء حاتم ضياء الدين وصلاح يس ونصر الدين الجيلاني، وقلت له «براحه على ابن عمك» ورد علي بأنه تغيب بالأمس ولذلك يحتاج لاستيضاح، وقلت له إنه لا يعمل معك بالصحيفة، ورد على ولكنه يداوم على الحضور أكثر من العاملين بالقسم الرياضي وعندها ضحكنا جميعاً. الأخ المحينة زارني قبل ايام بالمنزل برفقة الاخ الياقوت مصطفى، وكان مهموماً واخبرني بأنه جاء للتو من الأخ عبد المجيد وقال لي أنه ليس بخير. وعندها هممنا بالقيام انا والياقوت للذهاب للمستشفى أخبرنا المحينة أنه الآن في العناية المكثفة، وكانت يد القدر أسرع لينتقل الاستاذ والأخ والمربي والمعلم الجليل عبد المجيد عبد الرازق إلى الرفيق الاعلى.. أسأل الله أن يجعله مع الصديقين والشهداء في أعلى الجنان. قبل أربعة أشهر تشرفت كثيراً بشهادة كانت نعم الشهادة الرفيعة قدمها لي الاستاذ الراحل المقيم عبد المجيد عبر عموده الواسع الانتشار «حروف كروية» بصحيفة «السوداني» بمناسبة حصولي على جائزة التفوق الصحفي في المجال الرياضي، فسعدت بشهادته أيما سعادة ومعي عدد من الزملاء أورد نصها في المساحة التالية: حروف كروية جائزة التفوق ذهبت لمن يستحق إن كنا نتأسف على حال الصحافة الرياضية التي انحرف أغلب المنتسبين إليها عن الرسالة وتحولوا إلى مشجعين متعصبين وحولوا القلم و «الكي بورت» إلى طبلة ومنهم كبار، فإننا أيضاً نسعد كثيراً بوجود شباب يطمئن على أن المهنة بخير وهم يلتزمون بالمهنية ويتواجدون في قلب الاحداث ويسعون لكسب المعرفة، ويكتبون بامانة وما يرضيه ضميرهم بعيداً عن الميول والانتماءت للاندية او الاشخاص فقدموا نموذجا للصحافي المطلوب. وأسعد دائماً وأنا اطالع كتاباتهم، واحرص على التواصل معهم وتقديم النصح، واجد منهم الاحترام، واسعد بنجاحاتهم.. وبالتالي سعدت كثيراً وان جاء الخبر متأخراً بفوز الزميل أمجد الرفاعي بصحيفة «الصحافة» بجائزة التفوق الصحفي في مجال المقال الرياضي، والمقدمة من مجلس الصحافة والمطبوعات، وهو اختيار صادف أهله، لأنه وكما عرفته عن قرب أو من خلال كتاباته صحفي متميز جريء في تناول القضايا، يكتب بصدق ويقدم المعلومة التي تفيد القارئ الرياضي، لا يهاتر، عفيف اليد واللسان. عرفت أمجد منذ بداية مشواره ورافقته في رحلات خارجية آخرها دورة الالعاب العربية بالدوحة ودورة الالعاب الاولمبية الاخيرة بلندن، فكان خير سفير للصحفي السوداني، يتواجد في الملاعب وفي المراكز الاعلامية، منضبط في سلوكه ومظهره، وحريص على حضور العديد من الفعاليات العالمية ومنها اولمبياد الشباب بسنغافورة وغيرها من البطولات الخارجية، فاصبح مرجعاً في كل الالعاب. وتطمئن قلوبنا على مستقبل المهنة بوجود كثير من الشباب المتلزمين، ولا أستطيع ان احصي الجميع ولكن حسب معرفتي بمن عملوا معي ومن عرفتهم في لقاءات محلية وخارجية او من خلال كتاباتهم اضرب المثل بصلاح يسن ونصر الدين الجيلاني وحاتم ضياء الدين والطيب شيخ إدريس والشفيع أحمد الشيخ وأسعد حسن والياقوت مصطفى والمحينة ومصعب وأمجد مصطفى أمين وسالم سعيد وعاصم وراق وغيرهم من الذين تضيق المساحة بذكرهم، فهم يمثلون الأمل والنور في مهنة اصبح واقعها مظلماً، كبارها صغارها وصغارها كبارها. فوز أمجد الرفاعي هو فوز لكل زملائه الشباب، وحافز لهم لمزيدٍ من الإبداع، وما يعجبني في هذا الجيل ترابطه الاجتماعي وهم يمثلون أسرة واحدة تجد في السراء والضراء. مبروك أمجد فقد نلت ما تستحق والأمنيات بمزيدٍ من الجوائز. عبد المجيد عبد الرازق ٭ ألا رحم الله أستاذنا عبد المجيد، وأسأل الله العلي القدير السير في دربه وتقفي أثره، وأن نقوى على أداء رسالة الصحافة كما ينبغي، فعبد المجيد كان مثالاً يحتذى، وشرف لنا أن نهلنا من معين أستاذيته ومدرسته العامرة. وفوق ذلك كله كان عبد المجيد باراً بأهله كريماً أجواداً مع الكل، وإذا حاولت هنا أن أعدد مآثره ومواقفه النبيلة لا تتسع المساحة بل الصحيفة بأكملها لما قدمه الرجل من علم قيم أفاد به كل المجتمع.. الرحمة والمغفرة له، والبركة في أهله وذريته.. والتحية لكل الرجال الذين أعلنوا وقوفهم مع أسرته ورعايتها وفي مقدمتهم الأستاذ جمال الوالي الذي أعلن تكفل رئاسة الجمهورية بشراء منزل لأسرته بحي جبرة الذي أحبه المرحوم.