تقرير: صديق رمضان: للمرة السادسة منذ انقلابه علي حكومة الديمقراطية الثالثة عام 1989 ،يغازل نظام الانقاذ حزب الامة القومي لتليين مواقفه ودفعه الي المشاركة في الحكم ،ورغم الضغوط التي ظل يتعرض لها الحزب الذي حاز علي 45% من اصوات الناخبين في انتخابات 1986،وبرغم اتهامات المعارضة له بإطالة عمر النظام بضبابية مواقفه ،الا انه ظل متمترسا خلف حاجز رفض المشاركة ،ومتمسكا برؤيته حول مخرج الأزمة السودانية. عرض المؤتمر الوطني الاخير لحزب الامة لم يتم الاعلان عنه ولم يقدم بصورة رسمية ،بل عبر عنه قادة من الحزب الحاكم عبر وسائل الاعلام ،وهو العرض السادس خلال الفترة التي سيطر فيها الاسلاميون علي حكم البلاد ،فقد سبق ان وجهت الانقاذ الدعوة لحزب الامة اعوام 1993،1996،2001،2000،وفي 2011 عند تكوين الحكومة ذات القاعدة العريضة ،الا ان الحزب الحائز علي اعلي الاصوات في اخر عملية ديمقراطية حقيقية»كما يؤكد قادته» ظل متمترسا خلف ضرورة ان تأتي المشاركة علي أسس قومية ووفق تداول سلمي للسلطة،مجددا تمسكه برؤيته حيال حل المشكل السوداني ،وذلك عندما اكد علي لسان رئيس لجنة الاعلام والثقافة بالمكتب السياسي الدكتور عبد الحميد الفضل، أن الحزب يدعو الى حل قومي مع اعطاء الأولوية للحوار عبر أجندة الخلاص الوطني ،مطالبا الحكومة بدعوة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالبلاد الى اجتماع قومي لمناقشة قضايا الحكم لايجاد حلول عاجلة. واذا كان حديث رئيس لجنة الاعلام لم يكشف صراحة رفض الحزب المشاركة،الا ان الناطق الرسمي باسم الحزب عبدالجليل الباشا ،يؤكد في حديث ل«الصحافة» عدم وجود اتجاه داخل الحزب يذهب ناحية المشاركة في الحكم ،مشددا علي ان رؤية الامة القومي واضحة ترتكز علي ضرورة التحول الديمقراطي الحقيقي مقرونا بحكومة انتقالية ،ومؤتمر دستوري بمشاركة كل القوي السياسية والمسلحة، يناقش كيف يدار السودان ويحقق متطلبات الشعب السوداني . وحزب الامة الذي اتهم من قبل احزاب التجمع الوطني عام 1995بالسعي نحو المشاركة في الحكم عندما وقع الخلاف بين الطرفين حول تفويض الحركة الشعبية للتفاوض مع النظام دون مشاركة الآخرين ودون الالتزام بقرارات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية ،يعتبر وللمفارقة هو الحزب الوحيد من قوي التجمع الوطني الذي لم يشارك في الحكم ،برغم من مشاركة فصائل منشقة منه ودخول نجل رئيس الحزب القصر الجمهوري مساعدا ،ويبدو ان اصرار المؤتمر الوطني علي اشراكه في الحكم يأتي من واقع ادراكه للحجم الحقيقي لحزب الامة القومي ومدي تأثيرة علي مجمل المشهد السياسي بالبلاد ،وكذلك استنادا علي نشاطه المكثف ومحافظته علي جماهيريته رغم حالات الانسلاخ التي ظل يتعرض لها منذ مؤتمر سوبا بداية العقد الماضي. وسعي المؤتمر الوطني وراء اشراك حزب الامة خلال الفترة الماضية وجد رفضا وتمنعا،الا ان ذلك لم يحل بينه وتجديد اتصالاته للمرة السادسة معه لاشراكه في الحكم ضمن مبادرة رئيس الجمهورية التي تستهدف انهاء مشاكل البلاد،ويرجع المحلل السياسي الدكتور الطيب زين العابدين اصرار المؤتمر الوطني علي اشراك حزب الامة الي ادراكه بحجم الاخير ،وقال في حديث ل«الصحافة» ان نجاح مبادرة رئيس الجمهورية تتوقف علي اشراك القوي التي ظلت موجودة في المشهد السوداني منذ عقود وذات تأثير ،ومنها حزب الامة القومي والشيوعي والمؤتمر الشعبي. الا ان الحزب الذي ظل يجاهر بمعارضته لنظام الانقاذ ويوجه له نقدا لاذعا في مختلف المناسبات ،ويرفض المشاركة في الحكم ،يتهم من قبل القوى السياسية المعارضة باتباع نهج «مسك العصي من النصف» ،وكثيرا ما انتاشته المعارضة بسهام النقد ،معتبرة ان سياسته الضبابية تسهم في اطالة عمر النظام وتقويض خططها الرامية لاسقاط حكم الاسلاميين ،واخرها خطة المائة يوم التي قلل من تأثيرها امام الانصار الذي وصف المعارضة قبلها «بالطرور» وكاد ذلك التصريح ان ينهي العلاقة بين الطرفين الي ان الأزمة انقشعت سحبها سريعا بعد ان تيقنت قوي المعارضة باهمية وجود حزب الامة رغم انه يبدو وكأنه يغرد خارج سربها باطروحاته ومبادراته المتعددة. واخر هذه المبادرات التي طرحها الامة القومي ،جاءت تحمل شعار «مشروع ميثاق لنظام جديد»، وهو المشروع الذي يجمع المبادرات التي درستها وأقرتها أجهزة الحزب المركزية، وكون من اجل انفاذها الحزب لجنة عليا للاتصال بكافة القوى السياسية، والتعبئة من أجل تنظيم حملة توقيعات واسعة لميثاق النظام الجديد تحت مسمي تذكرة التحرير،علاوة علي تنظيم اعتصامات جماهيرية دعما للمطلب الشعبي،وهذه المبادرة لم تكن الاولي للحزب الذي طرح من قبل عددا من المبادرات ومنها الأجندة الوطنية ، الرؤية الاستراتيجية،برنامج الخلاص الوطني ومشروع السلام العادل وغيرها. وظل حزب الامة يرفض المشاركة في الحكم ،وفي ذات الوقت يؤكد علي ان تغيير النظام عبر قوة السلاح لايصب في مصلحة البلاد ،وهذا ماكشف عنه رئيس الحزب وإمام الانصار الصادق المهدي خلال المؤتمر الصحفي الاخير الذي حمل الرقم «53» حيث اشار الي خلاصة موقفهم هي أن استمرار سياسات النظام الحالية تقود البلاد الى الهاوية، وأن أية محاولات للتغيير بالقوة سوف تخلق استقطابا جديدا، وأن الانتفاضة الاعتصامية المتفق عليها قوميا أو المائدة المستديرة المنشودة لنظام جديد هما الأساسان الآمنان لقيام نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل. اذا ضبابية موقف حزب الامة حيال دعوة المؤتمر الوطني للمشاركة في الحكم بددها رئيس الحزب والناطق الرسمي ،ولكن يتوقع مراقبون ان يتعرض الحزب لضغوط من المؤتمر الوطني ربما عدلت من موقفه،وهنا يعود عبدالجليل الباشا مؤكدا ان حزبه قوي وعريق وله قواعده الجماهيرية ومؤسساته الفاعلة ،وانه ليس من الاحزاب التي تستجيب للضغوط ،وقال»لاتستطيع اي جهة مهما كانت ان تفرض علينا ماتريده». وعدم مشاركة حزب الامة في الحكم حسب وجهة نظر المحلل السياسي الطيب زين العابدين تعتبر ضربة قاسية علي محاولات النظام لتجميل صورته ،ويري ان قبول الوطني بمقترحات الامة اذا ماحدث يعتبر خطوة جيدة،الا ان زين العابدين يشكك في حدوث ذلك ،لوجود تيارات داخل الوطني ستعارض هذا الامر ،وقال ان المؤتمر الوطني اذا اراد احداث تغيير حقيقي وابتداع منهج جديد لادارة الدولة فلابد ان يعمل علي اشراك احزاب لها وزنها تمتلك التأثير علي اتخاذ القرارات ولا تكتفي بالبصمة والموافقة فقط. وتبقي تأكيدات عدم مشاركة حزب الامة قائمة،وفرضية عدم موفقة المؤتمر الوطني علي اطروحاته في حل مشاكل البلاد متوقعة ،فهل هذا يعني جلوس الحزب التاريخي علي الرصيف الي حين قيام انتخابات 2015،ينفي الناطق الرسمي للحزب عبد الجليل الباشا انتظارهم ،مشيرا الي تحويل كل الرؤي الي عمل حركي في اطار المنهج السلمي للتغيير ،وقال ان حزبه لن يتوقف وسيعمل علي تنفيذ اطروحاته ،معتبرا قيام انتخابات نزيهة في ظل نظام ديكتاتوري ضرباً من المستحيل.