في العام 1989 والعميد آنذاك في قوات الشعب المسلحة عمر حسن أحمد البشير في طريقه لاستلام السلطة جاء احدهم للحاجة هدية محمد الزين والدة الرئيس البشير قائلا ان عمر في طريقه لاستلام القصر والبلد فردت (ولدي مالوا بيها البلد دي جنازة بحر ) وبعبارة عفوية لخصت كل الواقع السائد في السودان آنذاك ،لم يسمع الولد بعبارة الوالدة او قد يكون سمعها ليبحر هو في ذلك البحر المتلاطم الامواج في محاولة مستميتة لانقاذ الجنازة من الغرق والوطن من الضياع حسب ماجاء في خطابه الاول الذي قدمه في الاذاعة السودانية ليظل ممسكا بالخيوط في البلد المترامي الاطراف والمتعدد الاعراق والصراعات والمشاكل عشرين عاما تغيرت فيها مجموعة من الاشياء وتتابعت فيها الاحداث والمتغيرات على مسار السياسة السودانية وتغير معها حتى خطاب الحاجة هدية والتي قالت في اعقاب انتخاب ابنها مرة اخرى والتي استقبلته بفرحة قائلة ان اختيار الشعب السوداني لولدي يعبر عن مدى حبهم له وتقديرا لما قدمه طوال السنوات التي امسك فيها بالحكم وحقق آمال الناس والفرحة تغمرني واوصيه بان يبقي عشرة علي السودان وشعب السودان ويخلي بالوا من رقبتوا ويحارب الغلاء ويرخص المعيشة ويوفر التعليم والصحة والوظائف للعاطلين. امنيات الوالدة هدية كانت هي امنيات وآمال كل البسطاء في السودان الذي قالت ان البشير خرج منهم وعمل على تحقيق تطلعاتهم لذا احبوه ورضوا عنه قبل ان تقول والده مات وهو راضي عنه وانا عافية منو وراضية عليهو الرضاء الذي انتقل من الوالدة ليشمل عدداً كبيراً من ابناء وبنات السودان الذين اختاروا البشير ليواصل المسيرة التي مثل اداة القسم امام الهيئة البرلمانية المنتخبة آخر خطواتها حسب ماورد في الدستور فيما يتعلق باقامة الاجهزة الدستورية في البلاد حيث تقول( المادة 56) بضرورة اداء الرئيس المنتخب القسم امام هذه الهيئة بتوصية من رئيس المفوضية القومية للانتخابات وهو ماحدث بالفعل في يوم امس الاول حيث وقف البشير امام احمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس واضعا يده على المصحف قائلا (اقسم بالله العظيم انا عمر حسن احمد البشير بوصفي رئيسا لجمهورية السودان ان اكون مخلصا وصادقا في ولائي لجمهورية السودان وان اؤدي واجباتي ومسؤلياتي بكل جد وامانة وبطريقة شورية وان التزم بالدستور واحافظ عليه وان ادافع عن سيادة البلاد والمحافظة على وحدته وان اصون كرامة شعبه ) وتعهد الرئيس المنتخب بفتح صفحة جديدة مع القوى السياسية بالداخل وادارة حوار موضوعي مع دول الغرب يشرف عليه شخصيا . البشير بعد القسم يجد نفسه محاصراً بمجموعة من القضايا تلمسها في خطابه الا ان اشد القضايا التي ستواجهه هي قضية الوحدة الوطنية والحفاظ على ارث الجدود الذين صنعوا هذه الارض منذ لدن اسماعيل الأزهري مرورا بالذين جاءوا بعده حتى استقرت الراية عند البشير الذي حقق انجاز ايقاف اطول حرب في افريقيا ويريد اكمال انجازه بالحفاظ على وحدة الاراضي والالتزام بوصية الجدود وهو اهم مايواجه البشير في دورته ذات الخمسة اعوام وهو مايعني خروج سؤال اساسي ومحوري هل يكمل البشير دورته وهو رئيس للمليون ميل ام ان مساحة الارض التي سيديرها ستتقلص بناء على حق تقرير المصير بعد تعهده بقيام الاستفتاء في مواعيده بناء على التزامه السابق الذي قطعوه علي انفسهم في اتفاقية نيفاشا والتزموا بها من خلال حملاتهم الانتخابية ،الاستفتاء علي حق تقرير المصير الذي سيمارسه السودانيون في الجنوب قد لايخرج من نتيجتين هي الوحدة او الانفصال في مقابل ان مجمل التقارير التي تأتي تقول بان معظم اهل الجنوب في طريقهم لاختيار الانفصال وتشكيل دولتهم الجديدة لتضاف الى دول اخرى في حين ان البشير وطوال فترته ماقبل الانتخاب ومابعد العودة عبر الصناديق كان يؤكد على حتمية الوحدة كخيار لكل السودانيين دون ان يعني ذلك مصادرة حق الجنوبيين الممنوح عبر نيفاشا والتي جاء على اساس دستورها الانتقالي. البشير رئيس منتخبت ومتحول من شرعية الانقلاب لشرعية الانتخاب وهو مايعني بدوره ان دورة البشير ودوره القادم يمكن ان نطلق عليه الباحث عن الوحدة واضعا في اعتباره مجموعة من الاحداث والوقائع التي مرت من تحت الجسر السوداني طوال ايام الحكم الوطني في مرحلته الاولى او تلك المتعلقة في اعقاب توقيع نيفاشا وما اعقبها من تداعيات اخرى على المستوى المحلي والدولي وهي وحسب برنامج الحكومة الجديدة سيتم انزالها للمستوى الادنى بعد حسم عملية الاستفتاء وتغليب خيار الوحدة التي رفع لواءها البشير في خطابه بمناسبة التنصيب وكامتداد لخطابات سابقة القاها البشير وفي مناسبات متعددة. بلغة أدبية قمة في البلاغة ابتدر البشير خطابه رادا الدين لهذا الشعب والوفاء من جنس العمل انها لحظة تقدير واحترام لهذا الشعب الوفي الابي المعلم الذي مافتئ في كل فترة واخرى يثبت للدنيا تفرده وعلو شأنه ناطقا بالبناء والانجاز حتى غدت سيرته مثلا ناطقا تسير بذكره الركبان، نار تقابة واهل حارة فرسان حوبة وقدح ضيفان وجراب رأي ذلكم مثلهم في الناس واعظم به من مثل وانها لحظة اعتزاز بهذا الوطن الشامخ الباهر الذي يظل في اذهان بني الناس اعجوبة في ثراء مكوناته ونفيس مكنوناته وطنا عصيا على الانكسار ابيا على الخنوع وطنا يحق لمن يتصدى لمسؤولية قيادته ان يغالي بقيمته ويصدع بكلمته ويستميت في الدفاع عنه اكرم به صامدا عزيزا واكرم به صابرا عفيفا واكرم به باسما في غمرة الاحزان صفوحا واكرم ببنيه اينما حلوا .. فبحسب كل منهم ان يصدح ملء انفاسه (انا سوداني ) بهذه العبارات وصف البشير شعبه الذي يفتخر به ويسعى للحفاظ عليه من التشرزم والانقسام وهو ماعاد البشير لتناوله من خلال خطابه مرة اخرى والذي قال انه يمثل نظرة نحوالانتماء للمستقبل تطلعا اليه وعملا دؤوبا بشروطه والتزاما به باعتبار ان المستقبل المنشود يتعلق بمواجهة الشعب السوداني لتحدٍ يتعلق بالوحدة الوطنية وخصوصا بالجنوب وسنعظم فرص الوحدة الطوعية وهو مايتم عبر الفدرالية الرشيدة من جانب ومن الجانب الآخر تمكين المواطنين بالجنوب من ممارسة حقهم دون املاء او اكراه من جهة ما وفي وجود رقابة دولية مع وضع اعتبارات ترتيبات مابعد الاستفتاء بالنظر لكل من الخيارين وان كنا راضين بان يمارس الجنوبيون حق تقرير المصير فان موقفنا الثابت هو الايمان بالوحدة ندعو لها ونخطط لها ونعمل على ترجيح كفتها من خلال العمل الجاد وسأشرف شخصيا على انجاز مشاريع التنمية التي وعدت بها اهلي في الجنوب الحبيب من اجل ترسيخ هذا المبدأ والغرض . دعوة البشير للوحدة والالتزام بها وانزالها على ارض الواقع السوداني تواجهها مجموعة من التحديات على المستوى الواقعي لعل اول هذه المعوقات ضيق الزمن بعد اقتراب الوقت المحدد للاستفتاء وهو الامر الذي عبر عنه قبل ايام رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت قائلا ان وقت الوحدة الجاذبة قد مضى الآن وفي جانب آخر ارتفاع نبرات التيار الداعي للانفصال في مقابل خفوت اصوات الوحدة على مستوى الجنوب وغياب مشاريع التنمية هناك فما نطق به سلفاكير سبقه اليه رياك مشار وباقان اموم ومجموعة من قادة الحركة كما ان الدعوة للانفصال تجد لها رواجا كبيرا في الشمال من خلال منبر السلام العادل مما جعل الكثيرين يقولون ان ترجيح خيار الوحدة يتطلب من البشير اسكات الاصوات القريبة منه والتي تنادي بالانفصال فلا يستوي ان تبني وغيرك يهدم كما ان عملية تحقيقها تتطلب حالة من الاجماع والوفاق الوطني وتكوين جبهة عريضة من كل المؤمنين بخيارها وهو الامر الذي لم يشر له البشير في خطابه وتناولته مجموعة من القوى السياسية بالانتقاد الا ان هذا الانتقاد يمكن تجاوزه من خلال تشكيل الحكومة القادمة والتي وبحسب مصادر سيكون عمرها عاما واحدا وهدفها المرسوم هو تحقيق الوحدة وانفاذ المشروعات المتعلقة بهذا الجانب كما ان هنالك اخبار وبحسب مصادر موثوقة تتعلق بان البشير سيقوم بتسيير دولاب الدولة من مدينة جوبا من اجل ترسيخ قيم الوحدة ومتابعة تنفيذ البرامج وهو الامر الذي من شأنه ان يقرب الشقة مابين الشريكين وبالتالي يزيد من نسبة تحقيق الوحدة في السودان خصوصا في ظل العلاقة الطيبة التي تجمع مابين البشير ونائبه او لنقل شريكه في عملية تحقيق الوحدة، فالحركة الشعبية ووفق برنامجها المعلن فهي وحدوية لحين تحديد الخيار الذي ستتبناه في الاستفتاء مع جانب مهم وهو ذلك المتعلق برغبة دول الجوار الافريقي والتي حضرت التنصيب وتدعم خيار الوحدة داخل الاراضي السودانية الامر الذي يدعمه كذلك ميثاق الاتحاد الافريقي الداعي للالتزام بالحدود التي رسمها الاستعمار. بالقسم الذي اداه وبوصية الحاجة هدية وقبلها وصية الاجداد ان ابقوا عشرة على التراب (الماليهو تمن) وتحديات الراهن السياسي يدخل البشير الى دورته الجديدة رئيسا منتخبا لارض المليون ميل فهل ينجح في تحقيق امنية الذين صوتوا اليه والذين لم يصوتوا اليه ولكنهم يجدوا انفسهم مجبورين على دعمه من اجل تحقيق الخيار ام ان صناديق الاستفتاء ستجعله حاكماً للسودان الشمالي فقط.