ظاهرة الحرد في السياسية لا تبدو وسيلة متداولة أو معروفة لجهة أن الكثير من الساسة - بحسب المراقبين - خالدون ومخلدون في مواقعهم بالتالي فإن حردهم أو (زعلهم) يعني تنحيهم عن المشهد السياسي وهو أمر يتنافى مع طبيعة توصيفهم كسياسيين. د.السيسي أبرز الغاضبين طبقا لما نقلته تقارير إعلامية غادر الخرطوم إلى لندن غاضباً، وأرجعت الأمر وسبب مغادرة الرجل لأسباب سياسية بعد تمسك المؤتمر الوطني بعرضه لحزب التيجاني في وزارة اتحادية واحدة ووزيري دولة، بينما رجحت مصادر أخرى إنه غادر لأسباب صحية حيث تعرض لكسر في يده الشهر الماضي. بغض النظر عن صحة الترجيحات أو عدمها إلا أن المؤكد هو أنها ليست المرة الأولى التي يغادر فيها تيجاني السودان الخرطوم بسبب الاختلاف السياسي، حيث سبق له في العام 2012م-2013م المغادرة إلى أديس أبابا غاضبا للحد الذي دفع النائب الأول حينها علي عثمان محمد طه لمهاتفته بعد 24 ساعة، وارتبط غضبه آنذاك بطريقة تعامل الحكومة مع حركته التي عصفت بها الانشقاقات فيما بعد. وطبقا لمصادر مقربة من الرجل فإن السيسي ظل طامحا لأن يكون نائب الرئيس القادم عبر التشكيل بالإضافة إلى زيادة حصة حزبه التحرير القومي في وقت تقول فيه الوقائع إنه حل عاشراً في ترتيب الانتخابات الأخيرة، وأضاف المصدر ل(السوداني) نتيجته تلك جعلت إمكانية زيادة حصته أمرا غير وارد مقارنة ببحر إدريس أبو قردة في حزب التحرير والعدالة الذي تقرر زيادة حصته في مفوضيات السلطة. وبحسب الرجل، فإن السيسي يرى أنه مؤهل ليكون في منصب نائب الرئيس، واستدرك: "لكن الأمر سيصعب لجهة أن السياسي عندما تسلم السلطة الإقليمية أدارها حصريا على خاصته، لذا فإن منصب نائب الرئيس لا يمكن أن يؤول له لأن طبيعة المنصب تفترض شخصية قومية". قبل التشكيل حالة التململ والغضب لم تكن حكراً على رجل دارفور الثاني في الدولة إبان تسلمه زمام السلطة الإقليمية، وتمددت لتصيب المؤتمر الشعبي بعدما أعلن أمينه العام الاسبوع الماضي قائمة ممثليه في التشكيل الجديد، لتُفاجَأ الساحة السياسية بتقديم القياديان كمال عمر وشرف الدين بانقا استقالتهما بعد تسميتهم أعضاء في البرلمان. وأرجع الكثيرون الأمر لطموح الشخصين في مناصب بالجهاز التنفيذي، وهو الأمر الذي رفضه أحد المقربين من عمر مفضلاً حجب اسمه، ويذهب في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن الاستقالات تعبير عن صراع داخلي لا شأن له بالمناصب، وأضاف: استقالة كمال تحديدا ترتبط بصراعاته مع علي الحاج وهي صراعات لها أكثر من امتداد. وبغض النظر عن حالات الحرد المعلنة بفعل إبطالها في الساحة السياسية، إلا أن ثمة عدوى تململ انتقلت لأحزاب أخرى على شفا المشاركة في السلطة، وشهد منتصف أبريل الماضي تسريبات عن أن القيادي في حزب الأمة القومي مبارك الفاضل رفض تسنم أي منصب في التشكيل القادم، قبل أن تدور الأيام ويرشح أن الرجل مرشح لوزارتين بما في ذلك نائباً لرئيس مجلس الوزراء. أعرق أحزاب الساحة ممثلة في الاتحادي الأصل يعاني أيضاً فيروسات التنافس على المقاعد، وعلى الرغم من استمرار شراكته مع الوطني حكوميا، إلا أن الفترة الحالية تشهد صراعا داخليا حاداً بين تيارين كلاهما ينشد المشاركة والاستوزار. تيارات التململ تيار يتزعمه حاتم السر المكلف من قبل مولانا الميرغني طبقاً لمناصريه، وتيار يتزعمه نجل الميرغني ومساعد الرئيس حالياً محمد الحسن الميرغني، وبرزت تجليات صراع التيار في تقديم كل منهما لقائمة منفصلة عن الآخر بأسماء مرشحيه للجهاز التنفيذي، بيد أن المفارقة باشتراك القائمتين في اسم أحمد سعد عمر مهندس الشراكة مع الوطني والذي رشح أن الوطني يعتز ببقائه في منصبه وزيراً لشئون مجلس الوزراء. حالة التململ تمدد حتى ضربت الجهاز التنفيذي، وشكل مساعد رئيس الجمهورية الدقير غيابا عن المشهد ممارسا "زعلاً" فريدا من نوعه، أرجعه المقربون ببواطن الأمور إلى رفضه التدخل في شئون حزبه وتدخل مجلس الأحزاب وتعطيل قرار فصل القيادية بالحزب إشراقة سيد محمود، فيما سرب آخرون أن غياب الرجل يرتبط باستشفائه في عاصمة الضباب. بعيدا عن النماذج التي اتخذت من (الحرد) وسيلة للاعتراض أو التعبير عن الغضب، إلا أن الأمين العام لمجموعة تصحيح مسار أزمة دارفور كمال الدين إبراهيم، اعتبر في حديثه ل(السوداني) أمس، أن سبب الأزمات التي تدور في الساحة متزامنة مع اقتراب التشكيل أزمة عقلية القيادات السياسية التي تريد البقاء، كاشفاً عن صراع بين تياري الأحزاب التقليدية والقوى السياسية وأن الأمر عبارة عن تعويض بالمناصب بعد فترة الحوار وبين تيار الحركات المسلحة الموقعة التي ترى ضرورة استحداث رؤية لحكم السودان ومعالجة قضاياه وأضاف: "بناءً على صراع تلك الرؤى أُصيب كثيرون بالإحباط لأنهم ربطوا الأمر بالأفراد والشخوص لا باستراتيجية الدولة ما أدى ل(حردهم)". فيما يرى الناشط في مجال حقوق الإنسان د.عبد الناصر سلم في حديثه ل(السوداني) أمس، أن سبب الأزمة الحالية التي تكتنف الأحزاب تتلخص في أن السودان ولأول مرة في تاريخه يضع معايير لاختيار وزرائه، ما أسهم في إبعاد الكثير من القيادات والكوادر بسبب عدم تأهيلهم. حتى حزب ميادة حتى الحزب الليبرالي بقيادة ميادة سوار الدهب تعرض لهزة داخلية أدت حسب البعض إلى تجميد رئاسة ميادة للحزب والسبب ذات السبب كيفية تقسيم نصيب الحزب في السلطة بعد انضمامه للحوار.