لم يكن الوصول إليه ولقائه أمراً صعباً بقدر صعوبة وتهيب الجلوس مع شاعر كبير في قامته الفنية التي زين بها جيد الأغنية السودانية بأجمل الأغنيات لتقليب دفتر ذكرياته العامرة بالحب والشعر والجمال، إلى جانب ذكرياته المؤلمة التي فرضتها عليه ظروف الحياة والمهنة وموهبة الشعر الذي عشقه واتخذه كملاذ آمن يفرغ فيه أحاسيسه المختلفة بحلوها ومرها. معاناة الإحالة للصالح العام واصل الشاعر صلاح حاج سعيد ما ورد من حديث في حواره في الجزء الأول بالكشف عن أسباب إحالته للصالح العام وقتها قائلاً:(تمت إحالتي للصالح العام في عهد نميري وكنت وقتها مستشاراً قانونياً بصندوق التأمينات الاجتماعية وقضيت بعدها عشر سنوات بدون عمل عانيت من خلالها ماعانيت إلا أن الأسرة دعمتني وساندتني مرة أخرى) واصلت عواطف في حديث زوجها:(عندما تمت إحالته للصالح العام ذبحنا الذبائح ووزعنا المشروبات الباردة لأنه عندما تمت إحالته كان نظيفا غير فاسد إلا أنه ظل عاطلا عن العمل لسنوات فسانده إخوتي وعاش معنا في المنزل بدون عمل وكان يذهب ويقدم للعمل في مؤسسة حكومية يتم رفض طلبه وكان يقول لي إنه أصبحت عالة علينا، لكني كنت أقول له أنت زوجي في الحلوة والمرة، مرت الأيام بعدها عمل كمفتش في صندوق التأمينات وكان بعضهم يتلاعب بالمواد التموينية فسارع بتقديم استقالته رافضاً ذلك الوضع الذي قال إنه يدنس الأخلاق، بعدها عمل في (ساريا) مع رجل الأعمال صلاح إدريس بمرتب محترم حتي تحسن وضعه المادي وقام بإعطائه سيارة وظلت علاقتنا مميزة مع رجل الأعمال صلاح إدريس حتى الآن مازال متواصلاً معنا.) قصة أغنية (يا جميل يا راقي إحساسك) و (نور بيتنا) كتب الشاعر صلاح حاج سعيد كثير من الأشعار وتغنى له عدد من الفنانين ولتلك الأغاني قصص ومناسبات مختلفة من بينها أغنيته (يا جميل يا راقي إحساسك ) التي لحنها صلاح إدريس وتغنى بها الفنان حسين شندي والتي كشف صلاح حاج سعيد عن مناسباتها قائلا:(خلال فترة التسعينات كتبت كلمات الأغنية في شخص الصديق صلاح إدريس للعلاقة القوية التي تربط بيني وبينه في ورقة صغيرة ووضعتها في جيب قميصي فلمحها وأخذها مني ثم سألني عن مناسبتها فأخبرته بأنني كتبتها في شخصه فقام فوراً بتلحينها ليتغني بها الفنان حسين شندي.) تميز الشاعر صلاح حاج سعيد بالرومانسية والصدق فيما يكتبه وأجمل ماميزه أنه حصر أغلب شعره داخل بيته -حسب مداخلة الشاعر مدني النخلي- وتأكيداً لذلك أوضح صلاح بأنه كتب أغنية (نور بيتنا) التي لحنها الموسيقار بشير عباس وقامت بإدائها البلابل في ابنه الكبير جمال عندما تمت ولادته. في الوقت الذي أكدت فيه زوجته عواطف بأن كل القصائد التي كتبها زوجها صلاح في شخصها هي وذلك بقولها وهي تطلق ضحكة قصيرة:( بدون غرور كل القصائد كتبها فيني، ولا يكون غاشيني يا ربي؟)فيما أشارت إلى أنه يأخذ رأيها في كل قصيدة يقوم بكتابتها. علاقته بالفنان الراحل مصطفى سيد أحمد تحدث صلاح حاج سعيد عن علاقته بالفنان الراحل مصطفى سيد أحمد :(كانت العلاقة الأسرية قوية نتبادل من خلالها الزيارات وأذكر وقتها حضرنا مراسم زواج مصطفى التي بدأت من منطقته بودسلفاب بالجزيرة إلى الخرطوم الذي شهدته إحدى أنديتها، فيما جمع بيني وبينه عدد من الأغنيات من بينها (الشجن الأليم، الحزن النبيل، المسافة،عدى فات، قمر الزمان وأخريات.) وأضافت عواطف:(كنت أكتب الشعر العامي وأطلع مصطفى عليه لأخذ رأيه فيه إلا أن رده لي كان (لكن صلاح بكتب درر) وهو دليل علي إيمانه واقتناعه التام بما يكتبه صلاح وكان يجمع بينهما حب واحترام كبير. حكى صلاح عن حرص الراحل مصطفى سيد أحمد عندما كان في الدوحة بالاطلاع على القصائد التي كان يرسلها له من السودان واهتمامه بها دون سائر القصائد الأخرى التي تصله بالبريد من آخرين، مواصلاً(أذكر أنني أرسلت له أغنية (عدى فات) وهو في الدوحة عندما اطلع عليها الراحل مصطفى قام بالاتصال بصديقه مصطفى عبدالله قائلاً له (صلاح حاج سعيد نعاني في قصيدة اسمها (عدى فات) وهي بمثابة مرثية لي).. بالفعل كانت القصيدة تحمل تفاصيل مختلفة مليئة بالحزن والشجن، لحنها مصطفى في الدوحة كان اللحن جيداً.) فيما أكد الشاعر مدني النخلي خلال مداخلته في الحوار:(كل الغناء الشجني مصطفى سيد احمد أعطاه حقه إلا أغنية حاجة فيك ووضاحة و واقف براك والحزن النبيل لم يضف لها فهو أضاف غناء جديد وأفكار جديدة، مضيفا (أما بالنسبة لأغنية (واقف براك والهم عصف) اندهش صلاح عندما استمع إليها لأول مرة. حول الأغنية من جانبها قالت عواطف:(أقام الراحل مصطفى سيد أحمد جلسات استماع كثيرة في كل ركن من أركان منزلنا هذا وكانت لديه صديقة اسمها فايزة عندما يبدأ مصطفى الغناء في جلسة الاستماع تضع كرسيها في المقدمة وتقول له :(أستاذ لو سمحت أغنية واقف براك والهم عصف) كانت مغرمة بتلك الأغنية بصورة جنونية. التزام الفنان تجاه قضايا الناس تجربة الفنان الراحل مصطفى سيد احمد إضافة للغناء السوداني أثبت من خلالها مقدرة والتزام الفنان تجاه قضايا وهموم الناس وهذا كان واضحاً في منتوجه الفني المنتقى، ما يحدث الآن من فوضى في الساحة الفنية علقت عليه عواطف:(هناك طفح حدث في الساحة الفنية، أسمع دوما أصوات حلوة وجميلة لكني لم أجد مفردة هادفة، لديك مثلا الشاعر إسحق الحلنقي متمكن في نظم القوافي لكن مفرداته أصبحت عادية، نحن تعودنا على العمق والفكرة والغناء الهادف.) فاجعة وفاة مصطفى سيد أحمد في الختام عاد الشاعر صلاح حاج سعيد بذاكرته للوراء قليلاً حيث تأريخ وفاة الفنان مصطفى سيد أحمد التي وصفها بالفاجعة الأليمة وذلك للعلاقة المتينة التي كانت تربط بينهما، وقال إنه عندما تلقى خبر وصول جثمانه بمطار الخرطوم خرج من منزله مندفعاً معبأ بالحزن دون علم زوجته وأبنائه ولم يجد نفسه إلا وهو في ودسلفاب مسقط رأس الفنان مصطفى سيد أحمد وكان وقتها منهاراً غير مستوعب لما حدث من فراق لرفيق دربه وعمره وأنه الذي لم يلده ، فكان رده لزوجته عواطف وأبنائه : (معقول ما أكون حاضر جثمان مصطفى ولدي وهو بيتوسد الثرى). اختتم صلاح حديثه :(يموت الشاعر والملحن وتعيش الكلمة،مصطفى لم يمت بل ظل خالداً بأعماله وأخلاقه).