التجاوزات الفردية مهما كانت درجة فظاعتها لايمكن القضاء عليها قضاء مبرماً اللهم إلا إذا تحول البشر إلى ملائكة أو عندما تقوم القيامة ويصبح كل الناس في عالم آخر ونذهب إلى أكثر من ذلك ونقول إن التجاوزات في مجال المهنة هي الأخرى لن تنتهي من على وش الدنيا طالما أن البشر هم الذين يقومون بتلك المهن، فالمعلمون والأطباء والضباط والقضاة والمهندسون والصحفيون والمحامون والتجار والدستوريون و... و... كلهم كأفراد يرتكبون جنحاً وجنايات (قدر الضربة) وهذه الجنايات مكانها المحاكم والقانون الجنائي المطبق في البلاد ولكن هذا لا يمنع من أن تتخذ المؤسسات تدابير خاصة بها لكي تحجم تلك التجاوزات وبالطبع لن يكون من تلك التدابير السجن والإعدام لأن دا شغل دولة. مناسبة هذه الرمية الطوييييييلة ما عجت به الصحف مؤخراً من جرائم أخلاقية ارتكبها بعض المعلمين في بعض زغب الحواصل من تلاميذهم وقد تناولتها الصحف وهذا شيء طبيعي فمن واجب الصحافة نشر الأخبار كما هي لكي تلفت نظر الناس إليها وإن لم تفعل الصحافة ذلك تكون قد قصرت في واجبها الرقابي والتوعوي فتلك الجرائم قطعاً فردية ومتفرقة والمجرمون الذين يعتدون على الأطفال جنسياً معظمهم غير معلمين وهذا ما تبثه الإحصاءات الجنائية ونذهب إلى أكثر من ذلك ونقول كم عدد المعلمين في السودان وكم عدد الذين يرتكبون الجنايات والجنح في حق تلاميذهم أكاد أجزم بأن فئة المعلمين من أقل فئات المجتمع السوداني ارتكاباً للمخالفات في مجال المهنة وفي غير مجالها لذلك عندما يرتكب الواحد منهم أي جريمة تعتبر كبيرة وغير عادية لأنها صدرت من فئة محترمة وينظر الناس لها بشيءٍ من التقدير وهي تستحق ذلك. الصحافة قامت بدورها في ذلك الأمر لا بل أعطت تلك الأحداث شحنة عالية لكي تلفت نظر الناس إليها وهذا ضرب من المهنية تمارسه الصحافة في كافة الصعد سياسية واقتصادية ورياضية، ولكن هذا لا ينفي أن الصحافة وفي سبيل إبراز الحدث لا تكترث لحدود الحدث وتتجاوزه للتعميم كما في العنوان أعلاه، فهو عنوان جاذب وخبيث ولكننا أردناه هنا (وسيلة إيضاحية)، وهذا دون شك يثير الرعب والخوف في قلوب المعلمين قبل غيرهم ثم الأسر والتلاميذ والمسؤولين ويتبلور من ذلك القلق فكرة التلافي والإصلاح وهذا شيء طبيعي. في تقديري إن ردة فعل وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم للأحداث أعلاه كانت غير موفقة عندما وضعت مسودة قسم وميثاق إخلاقي يؤديه المعلمون قبل مزاولة المهنة كما قال وزيرها دكتور معتصم عبدالرحيم، وهو يخاطب مشكلة الاعتداء على الأطفال، التي انعقدت في الأسبوع الماضي (انظر الصحافة 7 فبراير) فالمعلمون موظفو خدمة مدنية ليس بها أداء قسم كالخدمة الدستورية، ثم ثانياً شرف هذه مفردة مكانها السياسة والرياضة وحتى الصحافة فهي توقع بين الجهات التي تتعامل أفقيا كما أن الفكرة في مجملها تجرم كل معلمي السودان وهم من أنزه وأعف الفئات في نظر المجتمع السوداني والمجتمعات المجاورة كما يظهر في الإقبال عليهم. يمكن للوزارة أن تستغل الدوي الإعلامي لتلك الحوادث المتفرقة في تطوير منهاجها وبيئة المدرسة وإدخال أكبر قدر من التقنيات الحديثة يمكنها أن تبتدع قسماً مثل قسم أبوقراط عند الأطباء وتسميه بأحد أساطين التربية في بلادنا، ليشعر المعلم بأن مهنته مهنة غير عادية لا داعي لمجلس تعليمي على غرار المجلس الطبي، لأن مجالس المحاسبة كافية لتوقيع العقوبات الإدارية، أما ملاحقة التجاوزات الفردية بتدابير جماعية لن تثمر فتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطفال أمر محمود تقوم به السلطات العدلية في مواجهة الكافة وليس المعلمين وحدهم.