مدخل : (( التعليم حق لكل مواطن وعلى الدولة أن تكفل الحصول عليه دون تمييز على أساس الدين أو العنصر أو العِرف أو النوع أو الإعاقة )) المادة 44(1) من وثيقة الحقوق دستور السودان 2005م (التعليم في المستوى الأساسي إلزامي وعلى الدولة توفيره مجاناً) المادة 44(2) من وثيقة الحقوق دستور السودان 2005م . وجد العلماء المسلمون التقدير والاحترام من الحكام وزعماء القبائل السودانية وقد تهيأ لهم نشر التعليم الديني متمثلاً في المساجد والخلاوي التي قامت كمؤسسات تربوية تستمد أهدافها من أخلاقيات المجتمع السوداني وتراثه الإسلامي وقد حقّقت الخلوة الأهداف السلوكية الغالية والقيم التّربوية العظيمة ومنها تنمية روح التعاون والتكافل والمجتمع هو الداعم الرسمي للخلوة تشييداً ومسكناً وإعاشة وهي لا ترهق ميزانية الدولة . وامتداداً للخلوة أنُشئت المعاهد الدينية والتعليم الأهلي بالجهد الشعبي وعند قيام مؤتمر الخريجين ازداد التعليم انتشاراً باعتباره مفتاحاً للتّغيير نحو الأفضل وإذكاءً لروح الوحدة الوطنية . وبعد الاستقلال انتشر التعليم الحكومي باعتبار أن التعليم مسؤولية الدولة مباشرة والتزمت الدولة بتوفير الخدمات التعليمية الشاملة بالعدل والتساوي لكل أبناء السودان وبدون مقابل ولظروف سياسية بحتة أهمها التغييرات المفاجئة لنوع الحكم أُصيب التعليم الحكومي بالتّراجع ووقع في مأزق التخلف و الضياع بسبب الارتجال وغياب الرؤى والتخطيط ومعظم المدارس لا تملك المقّومات التربوية الأساسية المطلوبة بسبب قِلة الإنفاق وعدم التّمويل وتأكد أن الدولة قد رفعت يدها تماماً عن الخدمات التعليمية وهربت من الوفاء بالتزامها وشجعّت على تحويل الخدمات الأساسية إلى الاستثمار والتجارة والخصخصة) مما انعكس سلباً على المواطن المغلوب على أمره الذي فقد الثقة في الحكومة وهجر الريف وجاء لاهثاً نحو العاصمة القومية (الخرطوم) " محل القروش بالكوم والطيارة بتقوم والرئيس بنوم ...! " . وفي ظل هذه الظروف تسلّل التعليم الخاص كمؤسسات تجارية استثمارية ربحية بصرف النظر عن ما تقدمه من برامج ومناهج تربويّة وامتلأت مداخل المدن والطرق الرئيسية والكباري وأعمدة الإضاءة بالملّصقات والتي لم تسلم منها حتى أسوار المقابر بأسماء المدارس الخاصة المتعدّدة كما البكاسي ومنها العالمية والدولية وما الفرق ؟ وهي تشبه إلى حدٍ كير أسماء بعض المخابز مثل : مخبز جابر الإيطالي الآلي إذْ لا تستطيع أن تحدّد الصّفة هل هي لجابر أم للمخبز ؟ ومدارس أخرى تقدّم التكييف والأجهزة والفروسية وهي في الواقع عمارة من طابقين تنعدم فيها المرافق الصحيّة وينطبق عليها المثل : اسمع جعجعة ولا أري طحناً ! Much cry and Little Wool ! (يأيْها الذينَ آمْنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون * كَبرُ مقتاً عندَ الله أن تقولوا مَا لا تَفعلون) (الصّف : 2-3) ويتغلّب الدور التجاري على الدور التّربوي في هذه المدارس فجانب الدكاكين المحاطة بأسوارها نجد رسوم الترحيل والزى والرحلات والاحتفالات بل أن أحد قدامي التّربويين قد شهد بيعاً لمدرسة في سوق الله أكبر وقد تصحبها شيكات طائرة أو " طلاقات " أو مواسير ! أضف على ذلك اللافتات ذات الأخطاء القاتلة ... هذا من الخارج فكيف من الداخل ؟ كمثل تلك التي كتبت على البوابة الرئيسية : " مدرسة المتميّزون " وهل يجوز رفع المضاف إليه أم يجوز مع الكراهية ؟ لقد درسنا وقرأنا وتعلّمنا بأن المضاف إليه يكون مجروراً بالكَسْرة أو الياء ولكن يبدو أن هذه المدرسة رفعت المضاف إليه نسبة لارتفاع رسومها والله أعلم ..! ومع ورفع المواكب الموسمية في نهاية العام الدراسي تنداح إعلانات المدارس الخاصة كما إعلانات المطاعم وزيوت العربات وشركات الاتصالات والأرز والعدس . معظم هذه المدارس يديرها نفر ليست لديهم أيه علاقة بالتعليم كتجار المواشي والإسبيرات وفي بعضها ترى صاحب المدرسة يجلس على طاولة أشبه بطاولات المطاعم وعينه على البوفيه والدكان (وكله بثمنه) وعن البيئة المدرسية فمعظم المدارس الخاصة بلا مناشط والبعض يقع بالقرب من محلات الغاز والشيشة وبهذه المدارس معلمون غير مدّربين وغير متخصّصين وجاءت الأمثلة عن معلمين خريجي زراعة وآثار ومحاسبة ولكن مهمتهم الأساسية هي الحشو والتّلقين والحفظ وال(Spotting) للامتحانات ومعظمهم متعاونون من متعدّدي الجداول تنقطع أنفاسهم وهم يجوبون المدارس لاهثين علاقتهم بالطلاب حصة عجلى لا انتماء فيها للمؤسسة التربوية يفتقدون إلى المهنية التربوية وقد ينطبق عليهم المثل : Jack of All Trades , Master of None ! ، سبعة صنائع والعمر ضائع والمتأمل إلى شارع الثورة بالنّص بأم درمان يرى أسماء معلمين يعملون بأكثر من مدرسة وهل سمعتم " بالغسيل التّربوي " وهو قبول الضعاف ووضعهم في ذيل قائمة الممتحنين خارج إطار النظاميين لكي لا يؤثروا في النتيجة ... فأين الحياء التّربوي ..؟؟ أيها الخجل أين احمرارك ؟؟؟ في الماضي كان التّمييز يقود إلى التّمّيز عبر امتحانات المراحل التي يتنافس فيها الجميع والمتفّوقون وحدهم هم الذين يقبلون بمدارس الحكومة المكتملة بكل احتياجات التعليم وما تبّقي يلتحق بالمدارس الأهلية التي يشرف عليها خيار البلد برسوم رمزية للقادرين وبالمجان للفقراء ...هكذا كان كل أبناء السودان من حجر الطير وكرمة ورمبيك ومسمار وكاس وأبو عريف والفشاشوية ... والآن انقلبت الصورة فالتعليم الخاص تعليم صفوي وطبقي ساهم في تدمير النسيج الاجتماعي وترتبت عليه بعض الآثار الاجتماعية والنفسية الخطيرة التي لايمكن تداركها الآن وتصعب معالجتها مستقبلاً ومنها الحقد الاجتماعي والحَسد المشروع إن جاز هذا التعّبير بالإضافة إلى أن هذا التعليم الصّفوي يُحظى به أبناء الحكام والمسؤولين عن التعليم العام وهذا اعتراف صريح بفشل التعليم العام ..فأين قيم العدل والمساواة بل أين الحقَ والحقيقة .. أين المبادئ وأمانة الكلمة ؟ ويظل أبناؤنا في أم راكوبة وأبو دليق وود شلعي جلوساً على الطوب في رواكيب مهترئة تُسمى ظُلماً كفصول تحت رعاية معلم فاقد التركيز مكتئب الملامح ... إنّ التسليع التّربوي كثيراً ما يوفّر بيئة ملائمة لبروز التّسلط والاستبداد والمطامع الشخصيّة وهذا يظهر جلياً في بعض المدارس الخاصة التي تندثر برداء الإسلام والإسلام منها براء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب ! وإدارات هذه المدارس تتصارع وتضرب بعضها البعض وترفض المشاركة في الرأي واتخاذ القرار هذه الإدارات تستبد برأيها السّقيم وتحقد على المتمّيزين رغبة في التخلّص منهم خوفاً من كشفهم لجهلها الإداري وفضح (عوراتها التّربوية) ...! والحرس القديم بها يسبّحون " بنعم " حيث أن " لا " نافية للوظيفة والشعار المرفوع : احتفظ برأيك تحتفظ بوظيفتك ...! وتُدار هذه المؤسسات بواسطة فئة من (المافيا) آثرت استغلال الطلب المتزايد على التعليم ليتحوّل بعض رؤسائها إلى قوة اجتماعية ذات ثراء فاحش مصدره الاتّجار في سلعة التعليم ...! أضافت بعض المدارس الخاصة بدعة مجالس الأمهات وقد سيطرت هذه بالكامل على إدارات المدارس وربما ألغت دورها تماماً وتتدّخل هذه في كل الأمور ومن ضمنها توزيع جدول الحصص ومناقشة الامتحانات وتغيير وتبديل المعلمين ..! متى يعاد التعليم إلى سيرته الأولى سُّلّماً ومنهجاً وإنفاقاً سخّياً وعدلاً ومساواة لكل أبناء السودان ... :" إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " سورة الرعد : 11 صلاح الطيب الأمين المنتدى التربوي السوداني =